اثارت جريمة تعمد قتل السيدة المسنة سامية حجازى حرقا بمنطقة العصافرة بالاسكندرية ، استياء واسعا ، وطالب كثيرون بسرعة القصاص من الجاني الذي إقتحم منزل السيدة وجرها من غرفتها إلى الصالة وألقى عليها البنزين وحرقها عمدا أمام اثنين من أحفادها . وإعترف الجاني بكل برود بتعمده إرتكاب الحادث انتقاما منها لأنها أرشدت عنه عندما كان يسرق شقة مجاورها لها . وقامت الجهات المعنية بواجبها مشكورة بضبط الجاني وتحويله سريعا إلى محاكمة جنائية لتخفيف غضب الرأي العام .
ولكن هذه الجريمة وغيرها من مئات جرائم العنف المتعمد التي ترتكب يوميا في مناطق مختلفة في مصر ، تدفعنا لدراسة تلك الظاهرة التي تعتبر دخيلة على المجتمع المصري ، حيث كانت الطيبة والتسامح من أهم سمات الشخصية المصرية. وأرى ومعي كثيرون من المحبين لبلدنا مصر أن دراسة ظاهرة العنف المتنامية أصبحت ضرورة بعد اتساع نطاقها وتعدد اشكالها لكي نحدد أسباب التحول في الشخصية المصرية ونعمل سريعا على معالجتها لحماية الأمن والإستقرار المجتمعي .
بداية دعونا نؤكد أن بداية حل أي مشكلة هو الإعتراف بوجودها وبخطورتها . ويكفينا هنا الاستشهاد برأي المتخصصين حيث يقول الدكتور محمد المهدى استاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر : ” توجد ظاهرة عنف مقلقة جدا فى المجتمع المصرى , وهى فى تنامى مستمر كما وكيفا . ونحن نطلق عليها ظاهرة لأنها أصبحت تتكرر بشكل ملفت للنظر ومؤثر فى حياتنا كشعب على كل المستويات”.
ونستشهد ايضا بتنامي ظاهرة العنف بتحقيق نشرته بوابة جريدة الاهرام في يوم 7 مايو عام 2018 بعنوان ( من يقف وراء انتشار ظاهرة العنف والقتل بين المصريين). وبدأ التحقيق الذي كتبته داليا عطية ، بالاشارة إلى أن ” القتل صار سلاحا في أيدى المصريين، وصار سفك الدماء وسيلة بين الأشقاء وأبناء الوطن الواحد”.
وطرح التحقيق في مقدمته تساؤلات مهمة ، ورغم مرور أكثر من عامين على نشرها، أرى أنها لا تزال مطروحة وتحتاج الى إجابات صادقة وواعية ومدروسة وهي : فما الذى حدث؟ هل هى إفرازات أزمة اقتصادية تدفع بحممها فى مجتمع يعاني الفقر؟ هل هى أزمة بطالة فى مجتمع تتمدد فيه طوابير الخريجين كل عام؟ أم أزمة إعلام يضخ فى عقول الشباب بذور الفتنة والعنف كل يوم؟ أم هى أزمة تعليم فشل فى صياغة عقول جيل جديد قادر على تحمل المسئولية ومواجهة تحديات المستقبل؟.
أماعن الأسباب فأرى أنها كثيرة ومتشابكة وترتبط بواقع حياتنا السياسية والاقتصادية والإجتماعية والثقافية والتربوية والإعلامية .
وشخص الدكتور محمد المهدى استاذ الطب النفسي في دراسة منشورة في موقع ” واحة النفس المطمئنة ” بعنوان (رؤية تحليلية لظاهرة العنف فى المجتمع المصرى)، أسباب ظاهرة العنف قائلا :” السبب وراء ذلك هو تراكم المشكلات دون وجود حلول علمية وعملية (حقيقية) لها، والاكتفاء بالحلول الشكلية أو الإعلامية أو الوهمية أو الفهلوية دون الدخول إلى جوهر المشكلات. فتراكم المشكلات دون حل حقيقى يؤدى إلى حالة من التأزم ، وتراكم الأزمات دون حل حقيقى يؤدى إلى شعور متزايد بالإحباط ، والذى يؤدى بدوره إلى تراكم شحنات الغضب والتى تظل كامنة إلى أن تصل إلى مستوى معين فيحدث الإنفجار”.
أما الدكتور جمال فؤاد عبد القادر، رئيس البرنامج القومى للإصلاح التشريعى الأسبق بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء ، يرحمه الله ، فيرى أسبابا متعددة للعنف منها الضوضاء والصخب والأخلاقيات المتدنية فى الشوارع المصرية، اناجم عن ضعف الوعى وتدنى المستوى الثقافي، وتفشى ظاهرة العشوائيات، والاختناقات المرورية، والزحام، والإحساس بسوء توزيع الموارد الاقتصادية لتخدم فئات أعرض فى المجتمع، ناهيك عن انتشار عدد كبير من القيم السلبية مثل الانتهازية والنصب والاحتيال والكذب ومحاولة الكسب السريع بغير جهد أو بأقل جهد، مما يدعم الشعور بالظلم الاجتماعى لدى الأفراد”.
اما الحلول فنتناولها في المقال القادم .