هناك قاعدة عامة تقول بأن حل أي مشكلة أو أزمة يبدأ بتحديد أسبابها أولا ثم الشروع في علاج هذه الأسباب . ويوجد شبه إتفاق بين الخبراء والمختصين أن ظاهرة العنف المتزايد في المجتمع المصري تعود لأسباب متعددة ومتشابكة تتعلق بكل جوانب حياتنا الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقافية والإعلامية والتعليمية والتربوية والدينية .
ومن الموضوعية أن نقول أن مظاهر العنف وأسبابه واضحة حتى للمواطن البسيط ، ويراها القاصي والداني رأي العين في واقعنا اليومي . وأيضا الحلول موجودة وتم طرحها كثيرا الخبراء والمختصون وفي مناسبات متعددة وفي دراسات علمية ميدانية دقيقة. بل إن المواطن البسيط لديه حلول لظاهرة العنف . ولكن الصعوبة تكمن في التنفيذ العملي لتلك الحلول، وفي توافر الجدية والإرادة للجهات والمؤسسات المعنية.
وبما أن أسباب ظاهرة العنف متشابكة ومتعددة ، وبالتالي أرى أن الحل العملي والمنطقي لا بد أن تشارك فيه مؤسسات متعددة تبدأ بالأسرة والمدرسة الجامعة والمسجد والكنيسة والمؤسسات الإعلامية والتعليمية والثقافية. مع مشاركة فاعلة من جانب مراكز الأبحاث والدراسات ومنظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية والأحزاب السياسية والجمعيات الخيرية والغرف التجارية.
وأقترح أن يتم تشكيل هيئة قومية عليا تضم مسئولين وخبراء ومتخصصين ترسم لكل جهة من تلك الجهات دورها المحدد وفق إمكانياتها وخبراتها . وأن تقوم تلك الهيئة بالتنسيق بين كل الجهات بحيث تتكامل كل الأدوار ولا يتقاطع أو تتعارض.
وأرى ويتفق معي معظم المختصين والمهتمين أن حل ظاهرة العنف تلزمها التحرك على محورين ، الأول يركز على اتخاذ اجراءات عاجلة وفورية : في مقدمتها منع عرض كل الأفلام والمسلسلات الدرامية والمسرحيات للكبار وبرامج الكارتون للاطفال التي تتضمن أي مشاهد عنف ودماء. والتي تحرض على تصفيات الحسابات بين الأفراد والعائلات بالقوة، والحصول على الحقوق بعيدا عن سلطة الدولة، وتكرس الفوارق الطبقية بين أفراد الشعب الواحد ، باظهار اقلية مترفة تملك كل شئ وأغلبية مطحونة لا تملك شئ . والتشديد على منع كل الأعمال الفنية التي تروج لتحقيق الثراء السريع حتى ولو بطرق غير مشروعة ، وتروج للمقولة الفاسدة ” اللي تغلب به العب به”.
و ضمن الإجراءات العاجلة منع استضافة الممثلين الذي شاركوا في هذه الأعمال في البرامج الحوارية على كل القنوات الحكومية والخاصة ، والتوقف عند تقديمهم على أنهم أبطال وقدوة للشباب. والتكثيف من استضافة علماء الإجتماع وعلماء الدين لعرض أهمية نشر روح التسامح بين أفراد المجتمع . واستضافة رجال أعمال عصاميون نحجوا في بناء مؤسسات بجهدهم وعرقهم وليس بقروض من البنوك بضمانات وهمية .واستضافة شباب نجحوا في عمل مشروع بسيط يتكسب منه بالحلال، وشباب حققوا ابتكارات تساهم في حل مشاكل الحياة اليومية للمواطنين ، وشباب تفوقوا في دراساتهم وكرمتهم الحكومة بتوفير فرص عمل مناسبة يخدمون من خلالها في نهضة وتنمية الوطن . واستضافة شباب وقيادات عسكرية دافعوا عن كرامة وتراب الوطن ضد الأعداء في الحروب الحديثة التي خاضتها مصر عام 1948 في فلسطين وعام 1956 ضد العدوان الثلاثي وأبطال حرب الاستنزاف وأبطال حرب اكتوبر المجيدة عام 1973.
وقد اعجبني موقف بعض الفنانيين الذي شاركوا في أعمال درامية تجسد بطولات المشاركين في الحرب ضد الارهاب مثل ( مسلسل الإختيار ) والحرب ضد الاسرائيليين مثل ( فيلم ايلات ) برفضهم للظهور في برامج تليفزيونية ومطالبتهم باستضافة الأحياء من الأبطال الحقيقيين.
وكل ذلك بهدف إظهار قدوة حقيقية للأطفال والشباب من الذين يساهمون بفاعلية في بناء ونهضة الوطن بدلا من القدوات التافهة الحالية التي تقدمها وسائل الاعلام من ممثلين وراقصين ولاعبي الكرة والمشعوذين.
وإعادة عرض المسلسلات وكل الأعمال الدرامية والبرامج الحوارية التي تساهم في تربية الوعي ، والدعوة لأكل العيش الحلال من عرق الجبين ، وتجرم الفساد والرشوة والمحسوبية ،وتكرس مساعدة الأخرين ، وتنمي روح التسامح بين المواطنين.
اما المحور الثاني بعيد المدى فيتمثل في إعادة صياغة وتنفيذ الرؤية الإعلامية والثقافية والتعليمية تعيد صناعة الوعي المجتمعي، وتستدعى السمات الأصيلة للمصري المحب العمل والشهامة والتسامح والتعاون، مع وضع برامج تنمية متوازنة تحقق العدالة الإجتماعية .
وأنا شخصيا أضع خبرتي في مجال الصحافة والإعلام التي تمتد 40 عاما للمساعدة متطوعا ودون أي مقابل لخدمة مصر والمصريين .