لعل ابرز المشاكل الاجتماعية القديمة والجديدة، تباعد وجهات النظر بين الاهل والابناء، خصوصا فيما يتعلق بمسألة اختيار الشريك المناسب، ولا يعتبر تدخل الاهل في اختيار الابناء لشركاء حياتهم مسألة خاطئة بشكل عام، فقد يكون هذا التدخل حماية من مزالق التسرع، تسهم العديد من العوامل في تحديد ملامح بعض العلاقات الزوجية غير المتكافئة، وفي مقدمتها الظروف الاجتماعية التي تجبر الشاب او الفتاة احيانا على الارتباط بمن لا يرغب تبعا لعادات وتقاليد تجعل من الوالدين او احدهما طرفا أساسيا في تحديد زوج او زوجة المستقبل لأولادهم.
تدخل الأهل في الزواج يكون مبني على أساس المصلحة. مثل مصلحة شخصية ستأتي بفضل هذا الزواج كما كان يحدث قديمًا بين الممالك، حيث يتزوج ابن ملك من ابنة ملك آخر كنوع من أنواع التحالف. نفس هذا الشيء يحدث الآن بصور مختلفة، الأهل يكونون على قناعة أنهم يعرفون مصلحة ابنتهم أو ابنهم بصورة تغطي على رؤيتهم لسبب احتياج أولادهم للزواج. فمثلًا لو جاء شاب محترم ولكنه من الطبقة المتوسطة ماديًا، وفي نفس الوقت تقدم شاب غني وابن عائلة كريمة.
دائمًا الأهل ينظرون للشاب الغني كنوع من الترقية لابنتهم وضمان الحياة الكريمة، في حين أن الزواج مقياسه الحقيقي هو توافق الشخصيات. فما قيمة الشاب الغني لو كان سيتزوج على الابنة امرأة أخرى، أو سيعاملها بطريقة مهينة، وما عيب الشاب المتوسط الحال لو كان حنون ومتفهم ومقدر للفتاة بصورة محترمة. مع العلم أن هذا ليس مقياسًا عامًا لسوء الشاب الغني أو جودة الشاب المتوسط الحال، بل الأمر مجرد مثال.
فالشبان والشابات يندفعون عادة خلف عاطفتهم، مما قد يؤثر سلبا في قراراتهم المصيرية، الا ان هذا لا ينفي ان الاهل قد يكونون على خطأ في حال رفضهم للشريك، ولذلك هناك امور يجب القيام بها للتعرف على اسباب هذا الرفض ومن ثم العمل على اقناعهم اذا امكن بعض الفتيات ترفض ان يتدخل الاهل في زواج ابنتها بحيث يرفضون المتقدم للزواج بها لأسباب غير مقنعه كنسب او جاه او مال، فلا بد ان يأخذوا برأيها ويحترموا اختيارها لزوج المستقبل،
وعليهم ان يراعوا الراحة النفسية التي يشعر بها كلا الطرفين، مبينة ان التدخل لا بد ان يكون في حدود معينة كالمهر والسكن مع مراعاة الحالة المادية للرجل. وتذكر ان هناك اثنين اتفقا على الزواج وعندما وصل الامر الى الاهل فان اهل الفتاة او اهل الولد رفضوا ان يتزوجا من بعضهما البعض، بحجة ان الفتاة غير مناسبة لابنهم، وانه يستحق افضل او احلى منها، وكذلك اهل الفتاة قد يرفضون الولد الذي اختارته الفتاة كزوج للمستقبل لأنه من غير المستوى المطلوب او ربما تكون لديهم اسبابهم الخاصة والتي لم يصرحوا بها.
وتشير الى وجود اهل يرفضون عريسا معينا ويجبرون ابنتهم على الزواج من عريس آخر، بحسب ما يتناسب مع ذوقهم وليس على حسب ذوق الفتاة، وهذا الامر ليس من حق الاهل، فحقهم ان يرفضوا الرجل صاحب السمعة السيئة وصاحب الخلق السيء لا غير.
أب يرفض تزويج بناته وتبين سعاد حميد استياءها من تفكير بعض الاباء الذين يرفضون رجالا جاؤوا لخطبة بناتهم من دون ذكر اسباب مقنعة، «فها انا ارى اقرب الناس الي قد تقدم بهن العمر وهن مازلن من غير زواج»، مرجعة سبب ذلك الى عدم اقتناع والدهن بزواجهن وخصوصا انه يخشى ان يكون وحيدا من بعد موت زوجته، وهذا الامر ادى الى حرمانهن من الزواج وتقدم بهن العمر من غير زواج واصبح من الصعب ان يحصلن على زوج وهن في سن كبير.
كما انها تستنكر تصرف بعض الاباء واتخاذهم لقرار يخص ابنتهم دون الرجوع اليها، فهناك الكثير الذين يتقدمون ويتصلون لاب او ام الفتاة ويرفضونهم من خلال الهاتف من غير التعرف على مدى اخلاق المتقدم، فقد يكون المتقدم صاحب مواصفات عالية، معللين رفضهم لنيتهم في اكمال ابنتهم للدراسة وانهم لا يودون ان يشغلوها بالزواج، وهذا التصرف قد يكون نابعا منهم ومن غير استشارة الفتاة التي يعنيها الامر ولها الحق ان ترفض او تقبل اذا كان المتقدم لها صاحب دين وخلق.
مصلحة أبنائهم أسباب رفضهم ان الاهل محل ثقة ويودون الخير الى اولادهم فمن غير المعقول ان يكون رفضهم عبثا، فلا بد ان هناك اسبابا يرونها بحكم خبرتهم تكون غير واضحة للبنت او الولد، ان اصرار فتاة على الزواج من شاب احبته وتعرفت عليه من خلال الدراسة، مضيفة ولكنه لا يتناسب معها في الفحص الطبي، فكلاهما مصاب بالسكر، الامر الذي ادى الى رفض اهلها من الزواج بهذا الشاب خوفا عليها من انجاب اطفال مصابين، ولكن كانت عاطفتها هي الغالبة ولم تأخذ بنصيحة اهله.
وتصل هذه العادات إلى مستوى القوانين الملزمة في بعض العائلات بحيث يتعين على الشاب الارتباط بابنة عمه، والأمر نفسه تواجهه الفتاة التي يتعين عليها في كثير من الحالات أن ترتبط في من لم تفكر أن يكون شريك حياتها يوما، غير أنها تخضع للأعراف المجتمعية التي تختار لها عريسها، فيما يتناسى الأهل في مثل هذه الحالة ان مؤسسة الزواج المبنية على التفاهم والاقتناع اولا، وثم الحب يتعين على طرفيها (الزوج والزوجة) تحديد اساسياتها.
ويؤمن كثيرون بأن رأي الوالدين هو المرجعية المسلم بها، وفي مثال على ذلك نرى الشاب الذي يوكل امر زواجه لوالدته، والتي تقوم بدورها بالبحث والسؤال عن العروس المناسبة له تبعا لمقاييسها الخاصة، بينما ترفض فئة اخرى من الشباب من كلا الجنسين تسليم اختيار توأم الروح المفترض الى اي شخص آخر سواء اكان احد الوالدين او أي شخص غيرهما. ان اختيار شريك الحياة هو حق من حقوق الفتاة او الشاب ويجب اعطاؤهم الحق كاملا في الاختيار: “لا اكراه في الدين”، والزواج نصف الدين.
أحيانًا يحدث وتكون ملحوظات الأهل في اختيار شريك حياة ابنهم أو ابنتهم، هو الحكم على طريقة ارتدائه للملابس، أو طريقة كلامه، أو مجال عمله. في الأزمنة السابقة كان العمل في المصالح الحكومية ميزة كبيرة لمعظم الطبقة المتوسطة، لذلك مثلًا عندما يتقدم شاب يعمل في مجال التصوير الفوتوغرافي لرجل قضى أكثر من 40 عام في العمل الحكومي، ويرفض هذا الرجل هذا الشاب يكون الحكم على الشاب خاطئ جدًا. لأنه حكم نابع من زمن قديم.
العالم الآن يتجه نحو الاستثمار بهذه الطريقة ومثل هذا الرجل لن يفهم ذلك. في مقابل هذا الرفض من الممكن أن يفرض الرجل على ابنته شخص بنفس المواصفات التي يريدها هو. وهذه كارثة على الفتاة لأنه حينها لن يكون بالزواج أي نوع من المشاعر بل هو مجرد زواج بطريقة عملية لأجل إسعاد والد الفتاة. والضحية هنا تكون حياة هذه الفتاة التي قد تعيش بقية عمرها غير مقتنعة بما تعيش فيه.
تدخل الأهل في زواج أولادهم يجعلهم عرضة للوم فيما بعد، فلو اختارت الأم لابنها زوجة وهذه الزوجة في المستقبل افتعلت المشاكل لابنها ستتحول حياة العائلة حينها إلى جحيم. لأن الابن سيلوم أمه على زوجته، والزوجة ستكره كونها غير مرحب بها.
ونفس الفكرة بالنسبة للابنة فلو زوجها والدها لشاب هو يراه أنه مناسب، وفيما بعد اتضح أن هذا الشاب غير متزن ويستخدم الضرب والإهانة في المعاملة مع هذه الفتاة، حينها البنت ستكره زوجها وأبيها في نفس الوقت. لذلك الأفضل على الإطلاق أن تكون نصيحة الأهل فيما يخص الزواج هي فقط نصيحة خارجية ليس لها حكم على الشخص. إلا في حالات يكون واضح فيها رداءة الشخص المتقدم للزواج من حيث الأخلاقيات.
الزواج الصحي هو الزواج المستقر الذي لا يوجد به مشاكل تفوق الاحتمال. تدخل الأهل في اختيار شريك حياة أولادهم أحيانًا يكون عن طريق رفض أشخاص جيدين لأسباب تافهة؛ مثل الاتفاق على قدر المهر أو الاتفاق على قدر ثمن هدية العروس من الذهب، أو في عدم إعجاب أهل الفتاة بالشاب.
أو العكس فمن الممكن أن تكون أم الشاب لا تحب الفتاة التي يحبها ابنها فتقول له أنه لن يتزوجها. الأمر أحيانًا يكون تافه لدرجة كبيرة بالنسبة للأهل خصوصًا أن الزواج ليس للأهل بل لأبنائهم. ولكن تدخلهم هذا يكون نوع من أنواع فرض السلطة على الأبناء بطريقة خاطئة جدًا، وفي أحيان كثيرة تضيع فرص زواج قائم على الحب والفهم والنضوج بسبب رفض الأهل الغير مبرر سوى بأسباب تافهة.
للأسف الكثير من الثقافات والمجتمعات يعتبرون الفتاة أقل شأنًا من أن تأخذ قرار بنفسها فيما يخص الزواج. ولذلك تجد أن الأمر أحيانًا يصل إلى الإجبار والعنف والإرغام في حالة رفض الفتاة لعريس متقدم، أو يصل لحد الرفض التام لشخص تريده هي كزوج. في الحالتين الفتاة لا رأي لها في عملية الزواج. والفكرة في عقل الأهل أنهم يفهمون أكثر منها عن طريق خبرتهم في الحياة،
وهذا بالطبع خاطئ لأن الزمن يختلف كما تكلمنا وليس شرط أن ما يراه الأب والأم مناسب لبنتهم يكون بالفعل مناسب لها. فهو قد يكون مناسب بالنسبة لهم ولكنه ليس مناسب بالنسبة لها. في النهاية ستعيش الفتاة حياة كاملة من الخنوع والشخصية الملغية فيما بعد مع زوجها لو كانت لا تشعر نحوه بأي نوع من أنواع المشاعر التي تخص النساء نحو أزواجهن
دكتور القانون العام ومحكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان