ينظر البعض إلى الظروف الراهنة التي نمر بها نظرة تشاؤم، ويرون أن التحديات الداخلية والخارجية معقدة ومتشعبة، ويرتبط حلها بما يحدث خارج حدودنا على الصعيدين الإقليمي والدولي. وتمسك ببعض خيوطها قوى معادية تدفعها أطماعها وطموحاتها للهيمنة والسيطرة على منطقة الشرق الاوسط إلى تقليص الدور القيادي المصري الذي فرضته أحداث التاريخ وحقائق الجغرافيا.
وأرى أن أصحاب هذه النظرة يجهلون طبيعة الشخصية المصرية ومقدرتها الفزة على تجاوز الصعاب. ويشهد على ذلك تمكن المصري على مدار تاريخه الطويل الذي يقترب من 7 الاف عام من التصدي لغزوات الطامعين من الفرس والإغريق والرومان والصليبيين والتتار والعثمانيين والاستعمارين الفرنسى والبريطاني. وحديثا وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية تعرضت لمصر لمؤثرات أمريكية وروسية واسرائيلية. ورغم ذلك حافظت مصر على هويتها ، وحافظ المصري على شخصيته.
وأرى أن أبدع وصف للهوية المصرية جاء في كتاب (هوية مصر فى عالم متغير: رؤية استشرافية) تأليف د. محمد نعمان جلال وجاء فيه :” هوية مصر هوية فاعلة ومنتجة ومتفاعلة ومنفتحة ومعتدلة ومرنة ومتسامحة وطيعة وعصية فى آن واحد, وهذا أحد أسرارها العميقة مثل عمق تطورها العلمى والتكنولوجى فى بناء الأهرام والتحنيط واكتشاف أسرار علوم الفلك”.
وهناك شعوب كثيرة قاومت الغزاة ، ولكن ما يميز الشخصية المصرية كما ورد في الكتاب : “أنها استطاعت ان تحول الكثير من الغزاة لمواطنين كما فعلت مع الإغريق والرومان والبطالمة، وحولت الجنود المستجلبين من الخارج الى مؤمنين بوطنهم الجديد مدافعين عنه كالمماليك”.
ورغم تعدد الابحاث والباحثين الذين كتبوا عن الشخصية المصرية . وتعدد جنسياتهم وأهوائهم . ستظل شخصية المصري صعبة القراءة. ولا يمكن لأي باحث مهما كانت قدرته أن يضع سمات محددة يمكن من خلالها التنبؤ بسلوكه الآني أو المستقبلي. وابسط تعبير يوضح ذلك العبارة القائلة ” شعب بلا كاتالوج “.
فلو اجتمع كل علماء النفس والاجتماع في لقاء مطول سيعجزون عن تفسير كيف تمكن المصري البسيط من بناء الاهرامات ، وكيف حفر قناة السويس بالفأس، وكيف تمكن المقاتل المصري أن يطور في صواريخ سام ارض جو الروسية التي ساهمت في تحقيق نصر اكتوبر 1973 . وكيف تمكن الجندي عبد العاطي بمفرده من تدمير أربعة عشر دبابة للعدو الاسرائيلي علي ارض سيناء في حرب اكتوبر المجيدة. ولا يمكنهم تفسير كيف حصل الجندي الأمي عبد الباسط علي المركز الاول في التصويب بالبندقية .
وأقرب التفاسير التي أقتنع بها تري أن الأداء العجيب والمثير للمصري يحدث فقط ودون سابق انذار عند التلاحم الحقيقي القائم علي الاقتناع بينه وبين قائده. ففي أوقات التلاحم حقق المصري بذكائه الفطري إنجازات غيرت وجه التاريخ قديما وحديثا.. أقاموا أول جامعة في التاريخ وهي جامعة أمون والتي يقول المؤرخون إن سيدنا موسي عليه السلام أحد طلابها وبنوا الاهرامات ذلك العمل الإعجازي في 20 عاما فقط . وهزموا المغول وقضوا علي حلمهم في السيطرة علي العالم . وهزموا الصليبيين وانهوا تواجدهم في الشرق . وبنوا نهضة اقتصادية كبري في عهد محمد علي واسرته وفي عهد عبد الناصر. والحقوا بالعدو الاسرائيلي اول هزيمة في اكتوبر 73.
فالشعب المصري معتاد على مواجهة التحديات وتجاوز كل الصعاب ، بل أنه يهون من كل صعب ويعبر عن ذلك بالمثل الشعبي ” يا ما دقت على الراس طبول” . وهذا يجعلنا مطمئنين بأن الشعب المصري سيتجاوز بالتلاحم مع قيادته كل التحديات المعاصرة.
Aboalaa_n@yahoo.com