تحدث معي أحد الأصدقاء خلال اليومين الماضيين كثيرا عن قرب شهر رمضان الكريم . ولاحظت من حديثه إهتمامه بالشهر الفضيل بشكل لم أعهده فيه من قبل ، مما دفعني للاستفسار منه عن سر هذا الإهتمام غير المعتاد . فأجابني بأن له مع شهر رمضان تجربة مفيدة أرغب أن تنقلها للقراء الكرام لعل البعض يستفيد منه فهو شهر مبارك حقا لمن يستثمره ويحدد هدفه . قال أنه كان موضع اتهام من كل أقاربه بأنه قاطع للرحم بسبب إنشغاله بالعمل . واعترف بأن هذا الإتهام كان حقيقيا ، فالعمل يأخذه حتى من أولاده وزوجته ، حتى صلاته كان يؤديها دائما على عجل ويقصر أحيانا في صلاة السنن .
وأوضح أنه قبل رمضان الماضي استمع لحديث إذاعي خلال قيادته للسيارة شرح فيه أحد العلماء الأفاضل الحديث النبوي الشريف عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: “لا يدخل الجنة قاطع رحم”، فاقشعر بدنه .وتزايدت مخاوفه عندما قال المتحدث :” حسبه شؤماً وتعساً وضلالاً أن الرحمة لا تتنزل على قوم هو فيهم، كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه البيهقي في شعب الإيمان : “إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم” رواه البخاري.
وأضاف صديقي : “وقتها عاهدت الله بيني وبين نفسي أنه منذ بداية شهر رمضان ، سأصل رحمي جميعا. وسألت الله صادقا أن يساعدني على الوفاء بهذا العهد ، وأن يكون شهر رمضان البداية للاستمرار في صلة الرحم طول العام”.
وصمت قليلا ، ولاحظ تلهفي على معرفة النتيجة ، فواصل قائلا : صمت قليلا لاشكر الله سبحانه وتعالى على أنه ساعدني على الوفاء بوصل الأرحام طوال شهر رمضان الماضي ، والاستمرار فيها طوال العام . والأهم أنني شعرت براحة نفسية كبيرة وأنا أرى سعادة أقاربي بزيارتي أو بالاتصال بهم للسؤال عنهم ، ورزقني الله بالبركة في الوقت ، وبالسرعة في إنجاز العمل”. واختتم صديقي حديثه قائلا :” أتلهف على بداية شهر رمضان لكي أعاهد الله على إصلاح أحد عيوبي الكثيرة “.
وأرى أنها تجربة ذاتية مفيدة لإصلاح عيوبنا التي تتزايد يوما بعد يوم . فشهر رمضان الذي سيهل علينا بعد ساعات، فرصة كي يتوقف البعض عن جريمة عقوق الوالدين بالمباركة لهم بالشهر الكريم والأكثار من زيارتهم والجلوس للحديث معهم . يعتقد البعض أنه مجرد أن قدم لوالديه بعض سلع رمضان أو تناول الإفطار معهم يوم في الشهر أنه أدى الواجب نحوهما . فالوالدين خاصة المسنين يحتاجون إلى من يتحدث بود معهم ، والتشاور معهم في قضايانا، فخبراتهم المتراكمة ستساعد على وضع حلول بسيطة لأكثر القضايا تعقيدا . والأهم من ذلك إشعارهم بأهمية دورهم في حياتنا مما يدخل عليهم السرور.
وشهر رمضان فرصة كي يتوقف الراشي والمرتشي عن التعامل بالرشوة . واليقين بأن الله سبحانه وتعالى سيبارك في الرزق الحلال. واليقين بأن المصلحة التي سيتم انجازها بالرشوة سيأتي بها الله لو كانت مكتوبة للإنسان .
وشهر رمضان فرصة كي يتوقف بعض الموظفين عن عادة “التزويغ من العمل” مما يعطل مصالح المواطنين . وفرصة للموظف صاحب الوجه العابس ان يظهر البشاشة وان يتعامل بود مع المراجعين وان يعتاد على ذلك طوال العام .
شهر رمضان فرصة للتوقف عن آفة خطيرة تنتشر كثيرا في مجتمعنا وهي الغيبة والنميمة . فللاسف غالبية مجالسنا الا من رحم ربي تكون في الحديث عن مساوئ الأخرين . والغريب أن الغيبة والنميمة في زماننا تنتشر هذه الأيام بين الأقارب حتى بين أقارب الدرجة الأولى .
أخلص إلى أن عيوبنا كثيرة ، وكل منا أدرى بعيوبه . وشهر رمضان فرصة طيبة لبدء الاصلاح الذاتي والتدريجي . وبالتأكيد سيجني ثمار هذا الإصلاح الفرد والمجتمع بأسره.
Aboalaa_n@yahoo.com