رغم أن السياسة النقدية تعد من السياسات الرئيسية في تحقيق النمو والاستقرار، إلا أنها تختلف من حيث التطبيق من دولة إلى أخرى وذلك بحسب متغيرات كل دولة؛
إذ أن نظرة الدول النامية للسياسة النقدية تختلف عن نظرة الدول المتقدمة من حيث الأهداف، فالدول المتقدمة ترى أن هدف السياسة النقدية الأساسي هو تحقيق الاستقرار النقدي وتخفيض معدلات التضخم، أما الدول النامية فترى أن هدف السياسة النقدية أبعد من ذلك؛
إذ تهدف من خلالها إلى تحقيق النمو الاقتصادي، والاستقرار النقدي، وتخفيض مستويات البطالة، واستقرار أسواق صرف العملات.
علاوة على ذلك، فإن السياسة المالية تحتل مكانة هامة بين السياسات الأُخرى؛ لأنها تستطيع أن تقوم بالدور الأعظم في تحقيق الأهداف المتعددة التي ينشدها الاقتصاد الوطني، وذلك بفضل أدواتها المتعددة التي تعد من أهم أدوات الإدارة الاقتصادية في تحقيق التنمية الاقتصادية والقضاء على المشاكل التي تعوق الاستقرار الاقتصادي
وتستخدم الدول أدوات السياسة المالية لتنفيذ خططها وتوجهاتها الاقتصادية، وتنمية البلاد والحفاظ على مسيرة النمو المستدام، وتعظيم الرفاهية الاجتماعية. وعموما، تسعى الدول جاهدة إلى توفير الاستقرار الاقتصادي – التوظيف الكامل للعمالة وخفض معدلات التضخم إلى مستويات مقبولة – من خلال أدواتها المالية، بما في ذلك التخفيضات الضريبية ومواصلة تحقيق معدلات نمو إيجابية في الإنفاق المحلي.
وتتوقف تلك المعدلات على ظروف كل بلد والأوضاع الاقتصادية فيه، حيث يتطلب توظيف العمالة الإضافية كل عام معدلات نمو اقتصادية إيجابية لا تتحقق عادة إلا بمعدلات نمو إيجابية معينة في الإنفاق الحكومي. وتتحاشى الدول المبالغة في زيادة الإنفاق الحكومي فوق مستويات معينة لتجنب الدخول في دوامة الضغوط التضخمية القوية التي تلحق الضرر بمسيرة النمو.
وتوجه الحكومات الإنفاق والدعم إلى قطاعات معينة وتستخدم الأنظمة الضريبية لتحسين الكفاءة الاقتصادية ورفع معدلات دخول ورفاهية السكان، من خلال التركيز على قطاعات تنمية الموارد البشرية، كالتعليم والتدريب والرعاية الصحية وتطوير البنية الأساسية.
وتستخدم الدول السياسات المالية أيضا لتوفير قدر أكبر من العدالة الاجتماعية بين الشرائح السكانية المختلفة، سواء من خلال التحويلات والدعم للفئات الأكثر احتياجا، أو توفير الخدمات الأساسية، كالتعليم والرعاية الصحية لعموم السكان. وتوجد في المملكة عديد من برامج الدعم والتحويلات وشبكات الحماية الاجتماعية، أبرزها مخصصات الضمان الاجتماعي، وحساب المواطن، وبرامج الإسكان. كما توفر المملكة خدمات التعليم والرعاية الصحية لعموم المواطنين، وخدمات متنوعة أخرى تستهدف فئات اجتماعية معينة.
ويشكل الإنفاق الحكومي جزءا كبيرا من الناتج المحلي في دول العالم، لكن أهميته تزداد في المملكة، حيث تتجاوز قيمته حاليا ثلث الناتج المحلي الإجمالي. إضافة إلى ذلك، يوفر الإنفاق الحكومي الجزء الأكبر من الأجور، خصوصا للمواطنين.
ويسهم الإنفاق العام بقوة أيضا في المشتريات المحلية من السلع والخدمات وإجمالي الاستثمارات القومية، ما يحفز أنشطة القطاع الخاص ويدعم أرباح الأعمال والتوظيف فيها. ويعزز نمو الإنفاق الحكومي داخل الاقتصاد الوطني الطلب الكلي على السلع والخدمات، ما يدفع بالنمو الاقتصادي الذي يولد الوظائف ويرفع دخول الأسر. كما تلعب السياسة المالية الدور الأساسي في سياسات توزيع الدخل في البلاد،
حيث توفر الدعم للشرائح السكانية الأقل دخلا، سواء من خلال سياسات الدعم المباشر وغير المباشر، أو توفير الخدمات الحكومية المجانية، كالتعليم والصحة، أو من خلال برامج التحويلات النقدية أو دعم السلع الأساسية، أو توفير فرص الحصول على الائتمان المدعوم. ويمكن استخدام الضرائب أيضا بطريقة حصيفة لتحسين عدالة الدخل من خلال تصميم ضرائب تستهدف مرتفعي الدخل والثروات، ومن ثم تحويل إيراداتها أو المنافع من إنفاقها لمصلحة الفقراء ومحدودي الدخل.
وتستخدم السياسة المالية أيضا لجذب وتوجيه الاستثمارات المحلية والأجنبية، سواء من خلال الإعفاءات والحسومات الضريبية أو الدعم أو التحويلات أو دعم الائتمان أو توفير الخدمات وتطوير البنية الأساسية والمجمعات الصناعية.
كما تستخدم السياسة المالية للتعامل مع الدورات الاقتصادية، حيث تشدد الدول سياستها المالية – أي تخفض الإنفاق أو ترفع الضرائب – في حالة التسخين الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم، بينما تتبنى سياسات التيسير المالي عند انكماش الاقتصاد وتراجع التوظيف والاستثمار لتشجيع القطاع الخاص على التوظيف والاستثمار.
ترتبط دائما السياسة النقدية بتغيير معدلات الفائدة والتأثير في حجم المعروض من الأموال المتداولة، وتنفذ هذه السياسة بواسطة البنوك المركزية كالفيدرالي الأمريكي والمركزي الأوروبي وغيرهما.
- يمكن للسلطات النقدية والبنوك المركزية تحفيز الاقتصاد بأدوات نقدية مثل التيسير الكمي لزيادة المعروض من النقد.
- تعتمد السياسة المالية على قرارات حكومية بتغيير معدلات الضرائب ومستويات الإنفاق من أجل التأثير في الطلب، وبالتالي الانعكاس على النمو الاقتصادي.
- تنفذ السياسة المالية من جانب السلطات التنفيذية في الحكومات وأذرع تشريعية في البرلمانات.
كيف تعمل؟
- تستهدف بعض البنوك المركزية معدل تضخم سنويا عند 2%، ولو ارتفع أعلى هذا المستوى نتيجة تسارع النمو الاقتصادي، ترفع البنوك معدلات الفائدة.
-يسهم رفع معدل الفائدة في زيادة تكاليف الاقتراض ويقلل إنفاق المستهلكين والاستثمارات، وهو ما يؤدي إلى تراجع الطلب وانخفاض التضخم.
- لو دخل الاقتصاد في مرحلة ركود، تلجأ البنوك المركزية إلى خفض الفائدة كما قلص الفيدرالي الأمريكي الفائدة قرب الصفر في ظل الركود بعد الأزمة المالية العالمية.
- من أجل زيادة الطلب ودفع النمو الاقتصادي، تلجأ الحكومات إلى خفض الضرائب وزيادة الإنفاق، ولكن ذلك، ربما يؤدي إلى ارتفاع مستويات العجز في الموازنات.
- في حالة رفع معدل الضرائب وخفض الإنفاق، ينخفض الطلب ويتجه معدل التضخم نحو التراجع، ويسفر ذلك عن تقليص عجز الموازنة، وهي سياسة مالية انكماشية.
- خلال أوقات الركود الاقتصادي، تقر الحكومات سياسة مالية توسعية من خلال رفع الاقتراض والإنفاق على البنية التحتية، وتعتمد هذه الفكرة على ضخ الحكومة سيولة مالية في الاقتصاد من أجل توفير الوظائف وجذب الاستثمارات.
أيهما أكثر فاعلية؟
- في العقود الأخيرة، أصبحت السياسة النقدية أكثر شهرة من السياسة المالية نظرا لتدخل البنوك المركزية في أعقاب الأزمة المالية العالمية، وربما يرغب الساسة في التدخل بخفض الفائدة لإنعاش الاقتصاد قبيل انتخابات عامة أو ما أشبه.
- تعد السياسة النقدية أسرع في التنفيذ، فمن الممكن تغيير معدلات الفائدة كل شهر.
- ربما يكون للسياسة المالية آثار جانبية وفاعلية أكبر في الاقتصادات حيث إنه في حالة ارتفاع التضخم، يتم رفع الضرائب وخفض الإنفاق، وهي أمور لا تلقى صدى إيجابيا في الأوساط الشعبية كما أنها تؤثر سلبيا على الخدمات العامة.
- يحتاج إقرار الحكومات لسياسة مالية معينة لبعض الوقت من أجل تحديد ما إذا كان سيتم رفع الضرائب أو خفضها أو زيادة الإنفاق أو تقليصه ودراسة تأثير ذلك على المواطنين بالإضافة إلى الحاجة لموافقات برلمانية.
- خلال أوقات الركود الشديد، ربما تكون السياسة المالية أكثر أهمية لجذب الثقة في الاقتصاد، وذلك حال فشل السياسة النقدية.
وبعد إن يتم تحسين المناخ الاستثماري وتقوية القطاع الخاص على أن يكون قادر ممارسة النشاط الاقتصادي وتلبية الطلب المحلي عند هذه اللحظة ينبغي أن تنسحب الدولة ويقتصر دورها على الأمن الداخلي والدفاع الخارجي والقضاء الإشراف على القطاع الخاص حتى لا يذهب بعيداً عن الدور المنشود.
وفي حال خرج القطاع الخاص عن دوره وحصول اختلال اقتصادي ينجم عنه غياب الاستقرار الاقتصادي، ينبغي هنا أن تتدخل الدولة عبر السياسة المالية لتصحيح الوضع الاقتصادي وإعادته إلى حالة الاستقرار وتنسحب، ومع هذا الانسحاب يستمر دور الإشراف لرصد وتصحيح أي اختلال يحصل مرة أخرى.
وعليه سيكون دور السياسة المالية بشكل عام في العراق هو بناء المناخ الاستثماري وتشجيع القطاع الخاص وتنميته كما في المرحلة الأولى، وممارسة دور الإشراف على القطاع الخاص لضمان سيره بالاتجاه المطلوب ومعالجة التقلبات الاقتصادية حال ظهورها على السطح كما في المرحلة الثانية.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان