إن المشرع جعل حق المواطنين في تنظيم الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية والانضمام إليها مقيدا بالأحكام والضوابط المنصوص عليها قانونا، وعرف الاجتماع العام بأنه كل تجمع يقام في مكان أو محل عام يدخله أو يستطيع دخوله أشخاص دون دعوة شخصية مسبقة لا يقل عددهم عن عشرة لمناقشة أو تبادل الآراء حول موضوع ذي طابع عام.
كما عرف الموكب بأنه كل مسيرة لأشخاص في مكان أو طريق أو ميدان عام يزيد عددهم على عشرة للتعبير سلمياً عن آراء أو أغراض غير سياسية , والتظاهرة بأنها كل تجمع لأشخاص يقام في مكان عام أو يسير في الطرق والميادين العامة يزيد عددهم على عشرة، للتعبير سلمياً عن آرائهم أو مطالبهم أو احتجاجاتهم السياسية.
أن المشرع حظر الاجتماع العام لأغراض سياسية في أماكن العبادة أو في ساحاتها أو في ملحقاتها، وحظر تسيير المواكب منها أو إليها أو التظاهر فيها , وحظر على المشاركين في الاجتماعات العامة أو المواكب أو التظاهرات حمل أية أسلحة أو ذخائر أو مفرقعات أو ألعاب نارية أو مواد حارقة أو غير ذلك من الأدوات أو المواد التي تعرض الأفراد أو المنشآت أو الممتلكات للضرر أو الخطر، وحظر عليهم ارتداء الأقنعة أو الأغطية لإخفاء ملامح الوجه بقصد ارتكاب أي من تلك الأفعال ,
ووضع قاعدة عامة للحفاظ على كيان الدولة ومرافقها بموجبها حظر على المشاركين في الاجتماعات العامة أو المواكب أو التظاهرات الإخلال بالأمن أو النظام العام أو تعطيل الإنتاج أو الدعوة إليه أو تعطيل مصالح المواطنين أو إيذائهم أو تعريضهم للخطر أو الحيلولة دون ممارستهم لحقوقهم وأعمالهم أو التأثير على سير العدالة أو المرافق العامة أو قطع الطرق أو المواصلات أو النقل البري أو المائي أو الجوي أو تعطيل حركة المرور أو الاعتداء على الأرواح أو الممتلكات العامة أو الخاصة أو تعريضها للخطر.
أن المشرع وضع تنظيما لذلك إجراءات يتعين على كل من يريد تنظيم اجتماع عام أو تسيير موكب أو تظاهرة أن يخطر كتابة بذلك قسم أو مركز الشرطة الذي يقع بدائرته مكان الاجتماع العام أو مكان بدء سير الموكب أو التظاهرة، ويتم الإخطار قبل بدء الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة بثلاثة أيام عمل على الأقل وبحد أقصى خمسة عشر يوماً وتقصر هذه المدة إلى أربع وعشرين ساعة إذا كان الاجتماع انتخابياً،
على أن يتم تسليم الإخطار باليد أو بموجب إنذار على يد محضر، ويجب أن يتضمن الإخطار البيانات والمعلومات الآتية:
1- مكان الاجتماع العام أو مكان وخط سير الموكب أو التظاهرة.
2- ميعاد بدء وانتهاء الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة.
3-موضوع الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة، والغرض منها، والمطالب والشعارات التي يرفعها المشاركون في أي منها.
4- أسماء الأفراد أو الجهة المنظمة للاجتماع العام أو المواكب أو التظاهرة وصفاتهم ومحل إقامتهم ووسائل الاتصال بهم , وأوجب على وزير الداخلية أن يصدر قراراً بتشكيل لجنة دائمة في كل محافظة برئاسة مدير الأمن بها، تكون مهمتها وضع الإجراءات والتدابير الكفيلة بتأمين الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات المخطر عنها، وطرق التعامل معها في حالة خروجها عن إطار السلمية، وفقاً لأحكام هذا القانون.
أن الدستور لم يرخص للمشرع اختيار وسيلة ممارسة حق التظاهر والتجمع، بل أوجب ممارسته بالإخطار دون غيره من الوسائل الأخرى لاستعمال الحق وممارسته، كالإذن والترخيص. والإخطار هو إنباء أو إعلام جهة الإدارة بعزم المخطر ممارسة الحق المخطر به، دون أن يتوقف هذا على موافقة جهة الإدارة أو عدم ممانعتها، فلا يسوغ لها إعاقة ممارسة الحق. فإن هي فعلت ومنعت التظاهرة أو ضيقت من نطاقها، تكون قد أهدرت أصل الحق وجوهره، وهوت بذلك إلى درك المخالفة الدستورية.
ومع ذلك، أكدت المحكمة أن الحق في الاجتماع والتظاهر السلميين ليس حقا مطلقا من كل قيد، لإمكان إخلالهما بمقتضيات الأمن وتعارضهما مع حقوق وحريات أخرى. لكن هذا الإخلال والتعارض يغض الطرف عنه، تغليبا لحق الاجتماع والتظاهر السلمي، بحسبانهما البيئة الأنسب لممارسة حرية التعبير، التي تمثل في ذاتها قيمة عليا لا تنفصل الديمقراطية عنها، وتؤسس الدول الديمقراطية على ضوئها مجتمعاتها، صونا لتفاعل مواطنيها معها، بما يكفل تطوير بنيانها وتمتين حرياتها، كل ذلك شريطة سلمية الاجتماع والتظاهرات، وتوافقها وأحكام الدستور ومقتضيات النظام العام، وما دام العدوان على الحقوق والحريات الأخرى لم يبلغ قدرا من الجسامة يتعذر تدارك آثاره.
وفي خصوص المادة الثامنة (التي نظمت آليات الإخطار)، رفضت المحكمة الطعن بعدم دستوريتها، مقررة أن الدستور خوّل المشرع تنظيم الإخطار بالاجتماعات والمواكب والتظاهرات، وأن تلك المادة التزمت في تنظيم الإخطار بما قدرت أنه الأنسب لتحقيق مصلحة الجماعة، ومن ثم جاءت أحكامها في إطار الضوابط الدستورية المقررة.
ورفضت المحكمة الدعوى رقم 234 لسنة 36 قضائية دستورية الخاصة بالمادتين السابعة والتاسعة عشرة من القرار بقانون، وهما تقرران جريمة المشاركة في تظاهرة دون إخطار الجهات المختصة وعقوبتها، مقررة أن المادة السابعة جاء نصها منضبطا بالضوابط الدستورية للتجريم. كما أن العقوبة المقررة في المادة التاسعة عشرة لمن يخالف أحام المادة السابعة هي عقوبة جنحة تتناسب مع خطورة الإثم المجرم في المادة السابعة دون غلو أو تفريط . لكن ماذا بعد الحكم؟
يتضح من منظومة الحكم أن عدم الدستورية اقتصر على المادة العاشرة من قانون التظاهر دون باقي المواد، أي على سلطة وزير الداخلية أو مدير الأمن في منع التظاهرة أو نقلها إلى مكان آخر أو تأجيلها. أما باقي مواد القانون، فمنها ما رفض الطعن بعدم دستوريته، مثل المواد السابعة والثامنة والتاسعة عشرة، ومنها ما هو مطعون عليه لم يفصل فيه بعد، ويرجح أن الطعون التي لم يفصل فيها بعد مآلها الرفض.
أما إذا صدر حكم من المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص يجرم الفعل، فإن حكم المحكمة الدستورية يكون ملزما للكافة وجميع سلطات الدولة، ومنها السلطة القضائية. وقد نصت المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا على أنه إذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقا بنص جنائي تعتبر الأحكام التي صدرت بالإدانة استنادا إلى ذلك النص كأنها لم تكن، ويقوم رئيس هيئة المفوضين بتبليغ النائب العام بالحكم فور النطق به لإجراء المقتضى.
ومن المسلم به دستوريا، أنّ القضاء بعدم دستورية نصّ من قانون لا يعني بالضرورة عدم دستورية القانون برمته، إلا إذا قضت المحكمة بذلك صراحة، فتظل باقي مواد القانون المتضمنة للتجريم والعقاب قائمة إلى أن تعدل أو تلغى بمعرفة البرلمان. وعند إلغائها يوقف تنفيذ الأحكام الصادرة تطبيقا لها وتنتهي آثارها الجنائية. أما قبل ذلك، فالأحكام تظل نافذة وآثارها الجنائية قائمة. وفي هذا الخصوص، نرى أن حكمة المحكمة الدستورية العليا لم يحسم الجدل الدائر حول نصوص التجريم والعقاب في قانون التظاهر، وإنما اقتصر على بث شعاع من نور في النفق المظلم الذي أنشأه هذا القانون ليلقى بالكرة في رحاب البرلمان والحكومة.
حالة الاحتقان السياسي التي كان أحد أسبابها قانون التظاهر، الذي ربما تكون قد فرضته ظروف المرحلة التي صدر فيها، والتي لم يعد لها وجود في الوقت الحاضر. ومن الملاحظ أن الدولة بدأت منذ فترة في اتخاذ بعض الإجراءات للإفراج عن المحبوسين والسجناء الذين طالهم قانون التظاهر ولم ينسب اليهم ارتكاب أفعال عنف أثناء التظاهرات. فما هي البدائل الأخرى المطروحة على الساحة؟
أن “الدستور حرص على أن يفرض على السلطتين التشريعية والتنفيذية من القيود ما يراه كفيلا بصون الحقوق والحريات العامة، وفي الصدارة منها الحق في الاجتماع والتظاهر السلمي، كي لا تقتحم إحداهما المنطقة التي يحميها الحق أو الحرية، أو تتداخل معها، بما يحول دون ممارستها بطريقة فعالة”. وعلى الحكومة عند إعداد مشروعها أن تعي أن التظاهر السلمي أداة لإصلاح الحكم وكشف سوءات الإدارة بشرط الحفاظ على الأمن.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان