إن هؤلاء المقطوعى الصلة بفطرتهم ، ينظرون إلى الوجود الإنسانى كفلتة عارضة على كوكب كالهباءة فى هذا الكون الهائل ، فينفون بذلك أن يكون له دور يؤديه فى هذا الوجود ! بل وأكثر من ذلك .. نراهم وقد راعتهم عظمة الكون وأبعاده الهائلة .. فبدلا من أن تخنس نفوسهم لخالقه ومدبر أمره فتسبح بحمده وتعترف بعظمته وتشكره على تكريمه لهذا المخلوق وتفضيله له على كثير من مخلوقاته ، نراهم وقد فرضوا العداء بين الكون والإنسان .. وبينه وبين الحياة ذاتها .. واعتبروه مصارعا وكل شىء من حوله يريد أن يصرعه .. وهو يناضل ويكافح ( ليقهر هذه الطبيعة ) !. كأنهم يريدون القول بأن الحياة أقوى من الكون ، بحيث تظهر رغم أنفه ! أو أن الإنسان أقوى منه فظهر فيه رغما عنه وهو يخرج له لسانه ! هراء .. لا يستحق مجرد الذكر .
أما فى رحاب الإسلام .. أما فى ظل هذه الايحاءات الندية العطرة لآيات الله البينات .. فالمسلم ينظر إلى هذا الوجود الهائل .. فلا يشعر بالهلع والذعر .. بل بالرهبة والإجلال لخالقه .. وبالطمأنينة والأنس لهذه المخلوقات الصديقة من حوله .. والتى خلقه الله وخلقها .. وجعل بينهما توافق وتناسق ( .. إنا كل شىء خلقناه بقدر ) . وهو فى نظرته هذه ولا شك ، تروعه ضخامة الكون وعظمته ، ولكنه لا يجزع ولا يشعر بالضياع وكوكبه الذى يقف عليه هو كالهباءة وسط الكون أو أقل بكثير ، ولا يتوقع الهلاك وهو يرى ويلمس ويعلم ما يعلم عن قوى الكون الهائلة من حوله !.. فإن رب الجميع واحد .. خلق كل شىء فقدره تقديرا .. وكل شىء عنده بمقدار .. فيتعامل المسلم إذن مع الكون فى يسر وأنس وثقة .. وهو موقن أن الله قد يسر له فيه ما يريد من رزق ومتاع ومعاش .. فيقوم بخلافته فى الأرض .. وروحه تتطلع إلى بارئها ترجو أن تكون لديه من الشاكرين : ( ولقد مكناكم فى الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون ).
إنها الطمأنينة والثقة والمودة .. تلك التى تربط الإنسان بالكون والحياة من حوله ! . فالحمد لله على نعمائه .. وصدق الله العظيم ( إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم ) .
والحقيقة الثانية التى نستلهمها ، هى كرامة هذا الإنسان ، وعظمة الدور الذى أناطه به خالقه : ( إنى جاعل فى الأرض خليفة ) . ( فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين ) .
هو إذن سيد هذه الأرض .. خلق الله كل شىء فيها من أجله ( هو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعا ) .. فأصبح بذلك ( أثمن ) من كل شىء مادى فيها !.. فكل اعتداء على مقومات إنسانيته من أجل تحقيق كسب مادى فهو باطل .. وكل إهدار لكرامته الإنسانية لأجل هدف مادى فهو باطل .. فما خلقت الماديات إلا لتكون طوع هذه المقومات وتحت تصرفها ، وفى خدمة كرامته الإنسانية ومن أجلها ! ثم هو صاحب الدور الأول فى هذه الأرض .. يتحكم فى ماديتها ويسيطر على قواها ، ويوجه هذه وتلك ليحقق غاية الإبداع والتكوين التى حمل تبعتها من ربه ! .
إنه فى المفهوم الإسلامى – وكما هو فى الحقيقة – ليس هذا المخلوق الذى تحكمه وسائل الإنتاج والتوزيع ، وتسوقه وراءها عبدا ذليلا سلبيا لا حول له ولا قوة ، كما يريد الماديون أن يصوروه ! وليس هذا الحيوان الذى يكفر بالمثل العليا لأنها أوهام الجائعين والمحرومين فى مجتمع ساءت فيه الأحوال الاقتصادية ! وليس هذا الجنس الذى لا حاجة فطرية أصيلة فى نفسه تدفعه لتكوين أسرة تكون محضنا للبراعم الجديدة ، وإنما قد فعل ذلك لمصلحة اقتصادية ترجع إلى اعتماد المرأة فى إعالتها على الرجل الذى يملك وسائل الإنتاج ! ثم إنه ليس هذا الإنسان القزم ، الذى اخترع الآلة ثم صار عبدا لها ، فحولت حياته إلى مادية روتينية جامدة ، وهو تارك لها العنان تفعل به ( ما تشاء ) ، بعد أن قطع صلته بالله ، فشعر وهو بجانبها كأنه قزم يخضع لهذا المارد الجبار !
Fawzyfahmymohamed@yahoo.com