من الواضح أنَّ حركة مصر الخارجية قد أعادت رسم حدود دورها الإقليميّ؛ لتصبح مرة أخرى قوة فاعلة ومؤثرة في النظام الدوليّ، خاصة في القارة الأفريقية التي تعتز مصر بالانتماء إليها، ففي الوقت الذي تواترت فيه معلومات سودانية عن بدء إثيوبيا المرحلة الثانية من ملء سد النهضة من أجل فرض سياسة الأمر الواقع، تمسكت مصر بثوابت موقفها الذي يؤكّد على ضرورة التوصل إلى اتفاق شامل ومُلزم يضمن حقوق دولتي المصب (مصر والسودان).
وتمثل زيارة سيادة الرئيس “عبد الفتاح السيسي” لدولة جيبوتي، في 27 مايو 2021م، وهى الأولى من نوعها لرئيس مصريّ منذ عام 1977م، جزءًا من شبكة علاقات وتحالفات إقليمية استطاعت مصر بناءها عبر السنوات السبع الماضية، في ظلّ الخطة السياسية الحكيمة التي وضعتها القيادة المصرية.
ولا يخفى أنَّ أحد أهم أهداف الحركة المصرية في إطارها الإقليمي وبناء التحالفات الأفريقية، يتمثل في التوكيد على محورية الدور المصريّ في إرساء دعائم الاستقرار والسلام في الإقليم، اتضح ذلك في نجاح الدبلوماسية المصرية في إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية مع عدد من دول حوض النيل مثل: السودان وأوغندة، وكينيا، وبوروندي، وجيبوتي.
تقع جيبوتي بالقرب من مضيق باب المندب، الذي يُعدُّ بوابة لقناة السويس، على طرق الشحن بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، مما يجعلها ممرًا بحريًا رئيسيًا بالإضافة إلى كونها طريقًا تجاريًا رئيسيًا بين الشرق والغرب.
لقد أعاد سيادة الرئيس “عبد الفتاح السيسي” بهذه الحركة الواعية في توجهات مصر الخارجية الروح للروابط الجيوسياسية التي تفرضها عوامل التاريخ والجغرافيا، ولعلنا نتذكر أنّه تم استخدام هذا الممر البحري المهم، كنقطة التقاء استراتيجية بين أفريقيا وآسيا، منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد من قبل المصريين القدماء.
لقد زاد الحضور المصريّ وظهرت مكانة مصر الداعمة لكلّ الأفارقة، حيث تمكنت الدولة المصرية من إقرار السلام، وفي نفس سياق بروز الدور الإقليميّ لمصر، ساعدت القيادة المصرية بشكل أساسيّ في التوسط من أجل وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، فضلًا عن أنّ مصر كانت الناهضة تقف عند حدود دورها التقليديّ كعامل توازن واستقرار إقليميّ، ولعل ذلك هو الذي أحدث تغيرًا فارقًا في توجهات إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” تجاه مصر باعتبارها شريكًا استراتيجيًا موثوقًا به ويمكن الركون إليه.
لا تقتصر تحالفات مصر الجديدة على مجرد مسألة سد النهضة وإنّما هي أعمق وأبعد من ذلك، حيث تهدف إلى حماية مصالح الدولة المصرية وتوجهها جنوبًا ولا سيما الدفاع عن أمنها المائيّ وحماية السودان ومصالحها الاقتصادية والثقافية الأخرى، وفي هذا السياق، تسعى الحركة المصرية إلى احتواء النفوذ السلبيّ لبعض القوى الإقليمية المنافسة.
عميد كلية الآداب جامعة قناة السويس