هذا أمر طبيعى لا يمكن أن ينتظر سواه من إنسان غائب العقـل ، مذبذب الوجدان ، مهتز الشعور ، مضطرب الإدراك معطل التفكير . فإذا وصل إلى درجة الإدمان أدى به إدمانه – الذى يجعله فى كثير من الأحيان واقعاً تحت تأثيره – إلى أن يفقد المخ وظيفته فيصاب باضطراب الذاكرة ، وفقدانها ، وانعدام الإدراك ، وتجمد الإحساس ، وتبلد الشعور .. وقد يصل به الأمر إلى الهيستيريا والاختلاط العقلى والجنون .
قيل للعباس بن مرداس : ( لم تركت الشراب وهو يزيد من سماحتك ؟ فقال : أكره أن أصبح سيد قومى . وأمسى سفيههم ) .
إن تناول الخمور ، وما أشبهها من المسكرات والمخدرات كالحشيش ، والأفيون ، والكوكايين ، والهيروين ونحوها ، إنما هو تدمير لعقل متناولها ، وتجميد لعمله ، وتهوين لشأنه ، وتعويق لمسيرته ، وتلويث لها بالإثم والمعصية .. من حيث كونه يقتل فى الإنسان نشاطه ، ويشل فيه حيويته .. ويدمر لديه كل العواطف السامية كالحنان ، والعطف ، وحب الخير ، والولاء للواجب .
ثم بعد هذا ينقطع علائق المدمن بخالقه ، فلا ذكر لله ، ولا خشية منه ، ولا مراقبة له ، ولا صلة به .. فقد نفى الإدمان من قبله كل خيره ، وسودت المخدرات كل بياضه ، وبدد التهافت عليها وعدم الغنى عنها كل ولاء لمن ينبغى أن يكون له وحده جل جلاله كل الولاء .
ومما لا شك فيه أن حكم الإسلام فى الخمر يصدق على جميع المخدرات والسموم البيضاء لاشتراكهما معا فى علة الحكم فضلا عن أن المخدرات والسموم تزيد فى الضرر فى شتى النواحى البدنية ، والنفسية ، والاجتماعية .
وفى هذه الأيام التى بلغت الأمم فيها أوج الحضارة المادية – نراها الآن تعانى أشد المعاناة من أحداث الإدمان للمخدرات والمسكرات .
ونود أن نؤكد أن الأمة التى يسرى فى كيانها ( فيروس ) الإدمان ، فيهدر طاقاتها ، ويبدد فعالياتها ، ويدمر أخلاقها ، ويخل معاييرها ، ويطعنها فى أعز ما تملك من أبنائها – أمة تسير بخطا سريعة نحو الفناء .
والواجب الحتمى يقتضينا أن نولى اهتمامنا التربوى والإصلاحى إلى أبنائنا وشبابنا ، وإلى الواقع المحيط بهم ، وإلى ما يستهدفهم فيه من أهداف خبيثة ، وأخطار محدقة .
إن الواقع مر ملىء بمآسى الإدمان ، ولم تطو صفحاته بعد .. وإنه ليذخر بشتى الصور المخزية والمهينة ، والتى تنخر فى كيان الأمة .
إن أمة يتحول أبناؤها إلى أدوات خطر ومعاول هدم بفعل المخدرات والإدمان لهى أمة يجب أن يستنفر فيها المصلحون كل جهودهم وطاقاتهم لمقاومة هذا الخطر ومناهضة هذا الوباء ووقاية الأمة منه باجتثاث جرثومته والقضاء على مصدره .
والمعنيون بشئون الإصلاح والتربية ، وفنون الإدارة والأنظمة يبذلون أقصى الوسع فى سبيل الإنقاذ لأممهم وشعوبهم . وإنهم لواصلون – بإذن الله – إلى غايتهم ما صدقت النوايا – وصحت العزائم ، وتضافرت الجهود .
وندعو الله سبحانه وتعالى أن يكون كل هذا ثباتاً لشبابنا على الطريق المستقيم ، والنهج القويم