أكثر ما يشغل الإنسان العادي في حياته هو أبناؤه الذي يكد من أجل رعايتهم ويتملكه الخوف على مستقبلهم خاصة بعد مماته ويظل هاجس يؤرقه طوال حياته فيجمع ما استطاع من مال ليتركه لهم بدعوي تأمين مستقبلهم وقد يجمع المال دون أن يعبأ من حل او حرام حتى يترك ما يعينهم على الحياة ويحميهم من غائلات الزمن من بعده .
ولأن الله هو الأعلم بنفوس البشر ورغباتهم التى هى من خلقه وصناعته ” زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطر المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث”
فقد وضع آلية حماية أبنائهم من بعدهم وتأمين مستقبلهم بل وضع هذه الآلية لا لتكون خاصة بأولئك الذين يخشون على أبنائهم فقط وإنما لتكون ضمن ما وضع من وسائل حماية المجتمعات وتحقيق أمنها الاجتماعي وإشاعة روح التواد والرحمة فيها فجعل سبحانه تأمين مستقبل الأبناء مرتبط بصلاح الآباء فإذا كنت تخشى على مستقبل بنيك من بعدك لأنك تعتقد انك من تحميهم في حياتك فلتكن صالحا في قولك وفعلك ومطعمك ومشربك يقول تعالى : “وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله ويقولوا قولا سديدا “هذه الآية تتحدث في الموضوع مباشرة بشكل محدد لمن اراد الصلاح ولمن اراد الامان لأبنائه في المستقبل واراد لنفسه الامان في الآخرة ومن يتأمل الآية يجدها بعد حديث القران عن اليتامي وحسن رعاية أموالهم حتى يكبروا كما جاءت الآية في حديث القران عن الميراث وقبل توزيع الانصية .
إذن فهى تذكر اولئك الأقوياء القادرين وهم يتحكمون في أموال. ضعفاء قد لايملكون من امر أنفسهم شيئا بما قد يؤول إليه حال أبنائهم في المستقبل ووسيلة تجنب هذا الحال.وذلك بقول الصواب سواء فيما يتعلق باليتامى اوغيرهم ليس الصواب فقط وإنما الصواب النافع والمناسب.
والقرأن مليىء بالاشارات حول هذا المستقبل الذي يقلق أكثر الناس فيشير إلى ما جري بين سيدنا موسى والرجل الصالح بأن سر بناء الجدار مجانا في قرية لاتعرف الواجب ولا تستحق العون أن الرجل الصالح اراد حماية كنز تحت الجدار لاطفال صغار حتى يكبروا ويستخرجوا كنزهم وهذا العطاء من الله لأن ابوهم كان صالحا . فعاقب القرية بحرمانهم من الكنز واحسن إلى ابناء الرجل الصالح بحماية الكنز حتى يكبروا ويكونوا قادرين على استخراجه وحمايته والانتفاع به
مما يروى أن هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي وهو يحتضر كان يقول،: ابنائي صغار وافلح من ابناؤه كبار فكان عمر بن عبد العزيز يجلس بجواره ويقول : “قد أفلح المؤمنون”
أما أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي فقد دخل عليه أحد الحكماء بعد أن تولى الخلافة فقال أبو جعفر له :عظنى فقال له : أعظم بما سمعت أو بما رأيت ؟ فقال أبو جعفر: بما رأيت. فقال له: لقد مات عمر بن عبد العزيز وترك ١١دينار كفن بأربعة واشتروا له مقبرة بخمس ووزع الباقي على أبنائه ومات عبد الملك بن مروان وترك لكل ابن من أبنائه الف الف دينار فوالله لقد رأيت في يوم واحد احد ابناء عمر بن عبد العزيز يتبرع بمائة فرس في سبيل الله ورأيت احد ابناء عبد الملك بن مروان يتكفف الناس