اضحت ظاهرة تضمين الدساتير نصوصا تكفل لأعضاء المجلس النيابي استقلالهم وحمايتهم اتجاه السلطات الأخرى وتحقق لهم الثقة عند ممارستهم أعمالهم ظاهرة مميزة في دساتير معظم الدول وهذه النصوص تشمل بمجملها (الحصانة البرلمانية) والحصانة البرلمانية نوعان موضوعية وإجرائية أو بمعنى اخر حصانة ضد المسؤولة البرلمانية وحصانة ضد الإجراءات الجنائية ان الحصانة البرلمانية ضد الإجراءات الجنائية تعد استثناء من القانون العام اقتضته ضرورة جعل السلطة التشريعية _الممثل الحقيقي للأمة ـبمنأى عن اعتداءات السلطات الأخرى وطغيانها وهي وان كانت في ظاهرها تخل بمبدأ المساواة بین الأفراد ولكن ما یخفف من حدة ذلك ان عدم المساواة لم یقرر لمصلحة النائب بل لمصلحة سلطة الشعب وللحفاظ على المجلس النيابي فضلا عن وجود .
قیود وحدود للحصانة تحد من نطاقها لا یجوز تجاوزها وعلى الرغم من أهمية هذه الحصانة كونها تعد من أهم الضمانات الممنوحة لأعضاء المجلس النيابي وللمجلس النيابي ذاته في مواجهة سلطات الدولة الأخرى وانه من المواضيع القديمة الا انه لم یدرس بشكل متعمق من قبل الفقه طالعتنا نوافذ التواصل الاجتماعي بقصة لها العجب ولكنها تحدث كثيراً في بلدنا المحروسة والقصة بدأت فصولها في إحدى بوابات تحصيل الرسوم على أحد طرق المحروسة السريعة.. فهناك كما تعلمون عدة منافذ لمرور السيارات ودفع رسم المرور بضعة جنيهات قليلة وهناك منفذ لمرور سيارات للقوات المسلحة والشرطة.
والمشهد الثاني من هذه المسرحية الدرامية هو دخول أحد النواب إلى منفذ القوات المسلحة والشرطة محاولاً المرور!! فاستوقفه جندي الشرطة العسكرية طالباً من الشخص المحترم التعريف بشخصيته، إلا أن النائب هاج وماج كيف لمجند جاء يخدم في جيش بلده ويؤدى ضريبة الوطن أن يسأله عن بطاقته، ومع ذلك أبرز المجند بطاقته للنائب المحترم فأخذها منه متوعداً له بسوء العقاب..
تدخل ضابط الشرطة المكلف بتأمين المنفذ فحدث ما حدث ولم يعجب المحترم واستنكف سؤال ضابط الشرطة وفحصه للأمر متوعداً بتصعيد الأمر لقيادات الضابط لارتكابه الجريمة النكراء بسؤال المحترم عن بطاقته ومطالبته برد بطاقة المجند، واعتبر هذه التصرفات سواء من مجند الشرطة العسكرية أو من ضابط الشرطة انتهاكاً لحصانته البرلمانية كنائب من نواب الشعب!!
الحصانة دي بقت وبال على الشعب كل فئة وطائفة عملت لها حصانة! بس حصانة من مين؟ مننا نحن الشعب؟ المفروض أن تخصص حصانة للشعب من مثل هؤلاء الذين نسوا أنفسهم وفرضوا قواعد ونواميس للتسيد والتعالي على الشعب والمواطنين من أنتم أليس هؤلاء المواطنون هم من أتوا بكم إلى مقاعدكم أليس أبو هذا المجند والضابط وأشقاؤه وعائلاتهم هم من انتخبوكم لتحتلوا مقاعدكم وتستديروا عليهم لتنالوا منهم بحصاناتكم.. والله عيب العيب.
فالكثير من أفراد الشعب يسعون إلى الدخول ضمن هذه الفئات المستثناة من المساءلة بهدف الحصول على الحصانة، والتى تستغلها فى بعض الأحيان لارتكاب أعمال غير مشروعة، وتصرفات تضر بالأمن القومى، وتعوق تنفيذ القانون، معتمدين على تلك الهالة التى تحيط بهم باسم »الحصانة« والتى تحول المسئول بالدولة من مواطن عادى إلى مواطن فوق القانون.
وبرغم أن الحصانة موجودة فى برلمانات العالم إلا أن التاريخ الأسود للحصانة فى مصر دفع البعض إلى المطالبة بالغائها مع اقتراب انعقاد أولى جلسات البرلمان، وثار الكثير من الجدل حول جدوى الحصانة واستثناء الكثير من فئات المجتمع، واختلاطها بالوساطة والمحسوبية، والتحايل على تنفيذ القانون والشعور بالغبن والدونية، وعدم تحقيق العدالة الاجتماعية ـ حتى لا تستغل فى غير محلها. ان الحصانة البرلمانیة ضد الإجراءات الجنائیة تعني عدم جواز اتخاذ أیة إجراءات جنائیة ضد عضو البرلمان عدا حالة التلبس بالجریمة الا بعد موافقة البرلمان التابع له، وتجد یجد مبرراتها في أمور عدة أهمها جعل السلطة التشریعیة بوصفها المعبر الحقیقي عن إرادة الشعب بمنأى عن اعتداءات السلطة التنفیذیة في الدولة وتمكین النائب من القیام بمهامه على الوجه الأمثل في حین تجد أساسها في الدستور أو القانون.
ان تقریر الحصانة البرلمانیة لا تعني ان الأفعال غیر المشروعة التي یرتكبها عضو البرلمان ستصبح أفعالا مشروعة اذ ان كل ما تعنیه تلك الحصانة هو إرجاء اتخاذ الإجراءات القانونیة بحق النائب الا بعد موافقة المجلس النيابي الذي ینتمي الیه، كما انها لا تطبق الا بتوافر شروط محددة تتمثل في ان یكون الشخص نائبًا برلمانیا وان تكون الجریمة المرتكبة غیر مشهودة وعدم موافقة المجلس النیابي على رفعها . ان قرار المجلس النیابي بقبول طلب رفع الحصانة أو رفضه لا یجعل من النائب مجرما أو بریئا كما لا یؤثر في احتفاظ النائب بصفته البرلمانیة.
والمصيبة أن النائب المحترم ذهب لمدير الأمن لمجازاة الضابط والمصيبة الأكبر أن مدير الأمن حاول مراضاة النائب واحتواء الموقف! كيف هذا يا سعادة المدير؟ وأين حق ضابطك الذى ينفذ تعليماتك كان الأحرى بك أن تكون منصفاً بدلاً من أن تؤثر السلامة وتفض الموضوع وترضى النائب وتحيل الضابط للتحقيق.. أى غبن هذا.. أى إحباط هذا.. كيف لهذا الضابط تأدية عمله وتنفيذه لتعليماتك بعد الآن؟
أتمنى من وزيرى الدفاع والداخلية تكريم مجند الشرطة العسكرية وضابط الشرطة على جديتهما وكفاءتهما فى أداء العمل بذمة ورجولة وصدق. وكيف لا وهما يتشاركان فى خدمة الوطن وأداء المهام المكلف بها كل منهما أحدهما من القوات المسلحة والثانى من الشرطة والتناغم فى الأداء بينهما وهذا ليس بغريب فهما قد يستشهدا معاً، وللأسف قد يحدث من أجل ممن يرتدون عباءة الحصانة.. أليس للڤيروس المسمى بالحصانة من تحصين ولهؤلاء لمن أصابهم هذا المرض الخبيث من دواء.. على كل لحين اكتشاف التحصين والدواء ندى ضهرنا للترعة زي ما عملنا للبلهارسيا.
من الواضح أن المجالس النيابية تضطلع بوظائف ومهام جسيمة، فهي من تسن القوانين التي تحدد معالم السياسات الحكومية على الصعيد الداخلي والخارجي كما أنها تراقب سياسات الحكومة الداخلية والخارجية من النواحي السياسية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
فلذلك أعطى الدستور الأردني مجموعة من الحصانات لأعضاء مجلس النواب الأردني وذلك من اجل أن يمارسوا أعمالهم دون أية قيود تحد من حريتهم وتحفظ لهم الاستقلالية بالشكل الذي يبعدهم عن أي تهديد أو وعيد أو ضغط يمارس عليهم، والحيلولة دون إعاقتهم عن متابعة أعمالهم على أكمل وجه.
فلا يجوز خلال دورة انعقاد المجلس ملاحقة العضو جزائياً أو اتخاذ إجراءات جزائية أو إدارية بحقه أو القاء القبض عليه أو توقيفه إلا بإذن المجلس، باستثناء حالة الجرم الجنائي المشهود، وفي حالة القبض عليه بهذه الصورة يجب إعلام المجلس بذلك فوراً.
وإذا أوقف عضو لسبب ما خلال المدة التي لا يكون فيها المجلس منعقداً، فعلى رئيس الوزراء أن يبلغ المجلس عند اجتماعه الإجراءات المتخذة مشفوعة بالإيضاح اللازم، وللمجلس أن يقرر استمرار تلك الاجراءات أو إيقافها فوراً.
وعليه فإن الحصانة هنا تقضي بعدم جواز اتخاذ إجراءات التوقيف والمحاكمة بحق عضو مجلس النواب في غير حالة التلبس أثناء الانعقاد إلا بعد الحصول على أذن المجلس وهذا ما يطلق عليه بالحصانة البرلمانية الإجرائية أما الحصانة البرلمانية الموضوعية فتتمثل بعدم جواز مؤاخذة أعضاء البرلمان جزائيا ومدنيا في أي وقت من الأوقات عما يبدونه من آراء أو أفكار بمناسبة قيامهم بعملهم البرلماني، ولقد جاء الدستور الأردني صريحا في أخذه بهذا النوع من الحصانة حيث نصت المادة (87) منه على انه” لكل عضو من أعضاء مجلسي الأعيان والنواب ملء الحرية في التكلم وإبداء الرأي في حدود النظام الداخلي للمجلس الذي هو منتسب إليه ولا يجوز مؤاخذة العضو بسبب أي تصويت أو رأى يبديه أو خطاب يلقيه في إثناء جلسات المجلس”.
وعندما يطلب من مجلس النواب رفع الحصانة عن عضو من أعضائه فهو لا يبحث في موضوع الوقائع المنسوبة إليه بحثا قضائيا ليبين الإدانة أو البراءة وإنما يفحصها فحصا سياسيا للتأكد فقط من كون الاتهام جديا أو كيديا وليد دوافع أو أغراض انتقامية تهديديه، فإن ظهر للمجلس جدية الاتهام وجب عليه رفع الحصانة البرلمانية عن عضو البرلمان وهذا ما أكده النظام الداخلي لمجلس النواب في المادة (150) منه حيث نصت على انه “ليس للمجلس أن يفصل في موضوع التهمة وإنما يقتصر دوره على الإذن باتخاذ الإجراءات القانونية أو الاستمرار فيها متى تبين له أن الغرض منها ليس التأثير على النائب لتعطيل عمله النيابي”.
وفيما يتعلق بالتطور التاريخي للحصانة البرلمانية في الأردن فإننا نرى أن القانون الأساسي لعام 1928 لم يتضمن عند صدوره أية إشارة إلى الحصانة البرلمانية الموضوعية (الحصانة ضد جرائم الرأي) أو الحصانة البرلمانية الإجرائية (الحصانة ضد الإجراءات الجزائية) كضمانات من ضمانات المجلس التشريعي.
وقد كانت الحصانة البرلمانية من أهم المواضيع التي طرحها أعضاء المجلس التشريعي، حيث رفضوا النظر في جدول الأعمال الموكلة إليهم والتي كان على رأسها التصديق على المعاهدة الأردنية البريطانية إلا بعد إقرار نصوص تمنح أعضاء المجلس التشريعي الحصانة البرلمانية، فما كان من الأمير عبدالله إلا أن تدخل لفض النزاع لصالح المجلس التشريعي وتم منح أعضائه الحصانة البرلمانية بموجب تعديل القانون الأساسي لعام 1928 وقد جاءت المادة (41) من القانون الأساسي بعد التعديل لتؤكد على انه لا يلقى القبض على احد أعضاء المجلس التشريعي أو يحاكم خلال الدورة ما لم يعلن بقرار وجود سبب كاف لمحاكمته أو انه القي القبض عليه أثناء ارتكابه الجناية، ولكل عضو من أعضاء المجلس الحرية في التكلم ضمن حدود النظام الداخلي الذي اقره المجلس ولا تتخذ بحقه إجراءات قانونية من اجل أي تصويت أو رأي أو خطاب يلقيه، وإذا القي القبض على عضو لسبب ما خلال المدة التي لا يكون المجلس منعقدا فيها فيبلغ رئيس الوزراء عندما يعيد اجتماعه الإجراءات المتخذة مع الإيضاح اللازم.
وبعد إلغاء القانون الأساسي لعام 1928 وإصدار دستور 1947 أكد هذا الدستور في المادة (54) منه على انه لا يوقف احد الأعضاء ولا يحاكم في مدة اجتماع المجلس ما لم يصدر في المجلس الذي هو منتسب إليه قرار بالأكثرية بوجود سبب كاف لمحاكمته أو ما لم يقبض عليه حين ارتكاب الجناية ولكل عضو الحرية في التكلم ضمن حدود نظام المجلس الذي هو منتسب إليه ولا تتخذ إجراءات قانونية من اجل أي تصويت أو رأي يبديه أو خطاب يلقيه، وإذا أوقف عضو لسبب ما خلال المدة التي لا يكون المجلس منعقدا فيها فيبلغ رئيس الوزراء المجلس عندما يعيد اجتماعه الإجراءات المتخذة مع الإيضاح اللازم.
مع الإشارة هنا إلى أن النظام الداخلي لمجلس النواب في تلك الفترة لم يتضمن أية إشارة إلى الحصانة البرلمانية بشقيها الموضوعي والإجرائي ولم يبين الآلية القانونية لرفع الحصانة.
وبعد ذلك صدر دستور 1952 والذي نص على الحصانة البرلمانية في مواده (86) و(87) والمذكورتين سابقا فدستور (1952) اوجب على الحكومة في حال القبض على العضو في حالة التلبس بالجريمة إعلام المجلس فورا وهذا ما لم يكن منصوصا عليه في دستور 1947.
والنظام الداخلي الحالي لمجلس النواب والصادر عام 2013 جاء متطورا ومنسجما مع ما تتطلبه الحياة النيابية والديمقراطية، ففيما يتعلق بالحصانة البرلمانية فقد أكد النظام الداخلي في المادة (146) منه على الحصانة البرلمانية الإجرائية ووسع من نطاقها الإجرائي ليشمل امتناع اتخاذ أية إجراءات جزائية أو إدارية بحق عضو البرلمان في إثناء فترة انعقاد المجلس باستثناء حالة التلبس بالجريمة.
كما بين النظام الداخلي إجراءات رفع الحصانة عن عضو مجلس النواب حيث يقدم رئيس الوزراء طلب الإذن باتخاذ الإجراءات الجزائية إلى رئيس المجلس مشفوعا بمذكرة تشتمل على نوع الجرم ومكانه وزمانه والأدلة ويقوم رئيس المجلس بإحالة الطلب إلى اللجنة القانونية لفحصه والنظر فيه وتقديم تقرير عنه خلال مدة لا تتجاوز خمسة عشر يوماً فأن لم يقدم التقرير خلال تلك المدة جاز للمجلس البت في الطلب مباشرة ويعرض تقرير اللجنة على المجلس لمناقشته للبت نهائيا بالأمر، فإذا وجد المجلس سببا كافيا لاتخاذ الإجراءات المطلوبة يتخذ قراره برفع الحصانة بالأكثرية المطلقة.
ولا بد من الإشارة هنا أن العضو الذي رفعت عنه الحصانة ولم يوقف له الحق في حضور جلسات المجلس واجتماعات اللجان والمشاركة في المناقشة والتصويت، كما انه ليس من حق النائب إن يتنازل عن حصانته دون موافقة المجلس.
ومن هذا كله نجد أن الحصانة البرلمانية ما هي إلا عبارة عن مجموعة من القواعد الخاصة المقررة كاستثناء للبرلمان لتأمين استقلاليته عن السلطات الأخرى ولتمكينه من القيام بواجباته الدستورية، وتتمثل هذه القواعد بعدم مؤاخذة أعضاء البرلمان عما يبدونه من أراء وأفكار بمناسبة قيامهم بعملهم البرلماني وعدم جواز اتخاذ إجراءات جزائية ضدهم إلا بعد الحصول على إذن المجلس التابعين له.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان