عندما يكتب الكاتب والمحلل السياسي الكبير السيد هاني أقرأ له بشغف وعندما يتحدث استمع إليه بإنصات وتركيز وأفكار في كل ما يقول فهو رجل يقول ما يؤمن به ولايقول الا بعد أن يستوثق ما يراه صوابا كما أنه ليس محسوبة الاعلى الوطن .
لذا فقد استمتعت بقراءة كتابه : “عملية اصطياد الديك الرومي ..ليس في التاريخ شيىء اسمه حرب ٦٧ “.أما استمتاعي فكان بما استخدمه من لغة بسيطة وسهلة وعميقة قدمت لنا المعلومات والتحليلات المؤيدة بالوثائق بأسلوب شديد الجاذبية وبراهين شديدة الوضوح .الكتاب تجاوز ال٥٠٠صفحة لم يكتب فيه معلومة الا مؤيدة بوثائق تتبع فيها الخطة الأمريكية الإسرائيلية للإيقاع بعبد الناصر أو الايقاع بمصر والقضاء على عبد الناصر أي أنها خطة بقاء مصر في حالة انحناء فلا تنكسر تماما ولا تشد قامتها بعد أن استطاع عبد الناصر إقامة قاعدة صناعية كبيرة من شأنها أن تنطلق بمصر انطلاقة تستعصي على السيطرة فضلا عما تمثله مصر لحركات التحرر من قدوة وعون وما تمثله المستعمر من قلق وخطر.
عرفت خطة القضاء على عبد الناصر بعملية اصطياد الديك الرومي والديك الرومي المقصود به عبد الناصر وهي تسمية أطلقها عليه الرئيس الأمريكي جونسون
ورغم أهمية الكتاب الكبيرة في توضيح ما حدث في 1967م وتبرئة الجيش من هزيمة ثقيلة لم يكن مسئولا عنها إلا أنني توقفت عند عدة أمور تمثل الخطر الذي يجب أن نحرص على تجنبه وننتبه إليه أشد الإنتباه ألا وهو حالة الطمع القديمة في السيطرة على شبه جزيرة سيناء ذلك الجزء العزيز من ارضنا .هذا الطمع تمثل فيما سعت اسرائيل إليه وما زالت تسعي من خلال الدعوة إلى توطين الفلسطينيين في سيناء كخطوة مرحليه في إطار حلمها الكبير من ” النيل إلى الفرات” .
الحقيقة أنني قرأت عن هذا الموضوع قبل ذلك وسمعت من يتحدث فيه على الشاشات إلا أنني لم أقرأه بوثائق تفصيلية مثلما جاء في الكتاب بشكل يجعلك تدرك أن الأمر جد لا هزل فيه وأنه ليس تهويل متحدث أو تحليلات وتوقعات كاتب
يقول المؤلف في الفصل الثمن تحت عنوان اصطياد الديك الرومي:
“قدمت اسرائئل فكرة توطين الفلسطينيين في سيناء من خلال مشاريع شتى أغربها أثناء اجتماع بن جوريون رئيس الحكومة الإسرائيلية في القدس مع القنصل الأمريكي هناك في٤/١٨/ ١٩٤٩م حيث قال بن جوريون :إن إعادة التوطين هي الإجابة المنطقية لحل مشكلة اللاجئين ..مصر ذات كثافة سكانية كبيرة ولو أن الدول العربية حكيمة لقامت بإعادة توطين المصريين في العراق كما أنه لا يوجد سبب يمنع توطين اللاجئين العرب الفلسطينيين والإسرائيليين في العراق وسوريا حيث أن كلتا الدولتين ذات كثافة سكانية قليلة جدا “
طبعا توطين المصريين في العراق معناه اخلاء مصر أو تخفيف سكانها ليسهل احتلالها على المدى البعيد.
يقول المؤلف :كلام بن جوريون جاء في وثيقة كتب عليها سري للغاية مرسلة إلى وزير الخارجية الأمريكي في ١٩٤٩/٤/٢٠ وهي من الوثائق التي أفرجت عنها الخارجية الأمريكية بعد مرور أكثر من٣٠ سنة عليها لذا فإن إسرائيل لم تنسحب من سيناء مثلما انسحبت فرنسا وانجلترا تحت ضغوط سوفيتية وأمريكية إلا في ١٩٥٧م
يقول المؤلف في عام ١٩٥٤م شكلت إسرائيل لجنة سمتها سلطة تأهيل اللاجئين كانت مهمتها وضع خطة لتفريغ الأرض المحتلة من الفلسطينيين عبر ترحيلهم ألى وطن بديل خارج فلسطين وكان الوطن البديل كما رأت اللجنة هو سيناء باعتبارها امتدادا جغرافيا لقطاع غزة .لذا تأخرت في الانسحاب على أمل تنفيذ هذه الخطة لكن أيزنهاور لم يسمح لها بذلك وأرغمها على الانسحاب .
في ٢٠٠٦/٢٠٠٤ م قدم مجلس الأمن الإسرائيلي ورقة تحت عنوان : البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين وقد نشر هذه الورقة مركز بيجن /السادات للدراسات الاستراتيجية في عام ٢٠١٠م يقول فيها ينبغي على مصر والاردن بالذات أن يشاركوا بصورة فاعلة وإيجابية في صياغة حل إقليمي متعدد الأطراف فليس هناك منطق يقول أن تقف الدول العربية مكتوفة الأيدي في انتظار أن تقدم تل أبيب لها الحلول على طبق من ذهب أو فضة . ويقول : إن إسرائيل باتت ترفض بشكل واضح فكرة اقتسام تلك المساحة الضيقة من الأراضي مع الفلسطينيين لأقامة دولتين لشعبين ويرى أن هذا الحل يضرب نظرية الأمن الإسرائيلي في مقتل كما أنه يحرم إسرائيل من عمقها الاستراتيجي وينتهك الخصوصية الدينية الروحية التي تمثلها والخصوصية الروحية التي تمثلها الضفة الغربية بالنسبة للشعب اليهودي فضلا عن صعوبة اخلاء ٢٨٠ ألف مستوطن من بيوتهم لما يترتب على ذلك من تكلفة اقتصادية باهظة .
أما تفاصيل الخطة كما جاءت في الورقة المقدمة فهي :
١- تتنازل مصر عن ٧٢٠ كيلو متر مربع من أراضي سيناء لصالح الدولة الفلسطينية عبارة عن مستطيل عرضه ٢٤كيلو متر بطول ساحل البحر المتوسط ويبدأ من رفح غربا وحتى العريش وطوله ٣٠ كيلومتر يمتد غرب “كرم أبو سالم” ويتجه جنوبا بموازاة الحدود المصرية الإسرائيلية .
٢- هذه المسافة تساوي ١٢% من مساحة الضفة الغربية لذلك يتنازل الفلسطينيون عن 12% من مساحة الضفة لتدخل ضمن الاراضي الإسرائيلية.
٣- في مقابل الأراضي التي تتنازل عنها مصر تحصل على أراض مساوية لها من إسرائيل جنوب غربي النقب وادي فيران
٤- المكاسب الفلسطينية من المشروع تتلخص في أنه سيضيف إلى قطاع غزة ٢٤كيلو مترا من السواحل المطلة على البحر المتوسط بكل ما يترتب على ذلك من مزايا منها التمتع بمياه إقليمية تصل تصل إلى ١٢ ميلا بحريا وزيادة في فرص العثور على حقول الغاز الطبيعي في هذا المياه بالإضافة إلى إنشاء ميناء دولي كبير في القطاع الغربي من غزة الكبرى ومطار دولي على بعد ٢٥ كم من الحدود مع اسرائيل والأهم بناء مدينة جديدة تستوعب مليون شخص على الأقل وتشكل منطقة تطور ونمو طبيعي لسكان غزة والضفة بل ويمكنها استيعاب أعداد من اللاجئين الفلسطينيين في دول أخرى ..هكذا تقول الورقة
٥ – أما المكاسب المصرية فتقول الورقة إن إسرائيل ستسمح بشق نفق يربط بينها وبين الاردن بطول ١٠كم ويقطع الطريق من الشرق للغرب وعلى مسافة ٥كم من إيلات ويخضع للسيادة المصرية الكاملة وبالتالي فإن الحركة بين مصر والأردن وبعد ذلك شرقا وجنوبا للسعودية والعراق ستتم بدون الحاجة للحصول على إذن من إسرائيل ..كما سيتم مد خط سكك حديدية وطريق سريع وانبوب نفط ..كل هذه الخطوط ستكون داخل الأراضي المصرية بمحاذاة الحدود مع اسرائيل ..ثم تتشعب باتجاه الشمال الشرقي لتغذي كل من الاردن والعراق وإلى الجنوب باتجاه السعودية ودول الخليج وستحصل على نصيبها من الجمارك والرسوم مقابل كل حركة تتم بين الاردن والعراق ودول الخليج في اتجاه ميناء غزة وذلك لأن الطريق التجاري يمر بالأراضي المصرية .
٥- اتفاق السلام الذي يطرحه هذا المشروع سيضع نهاية لصراع استمر ١٠٠ عام بين إسرائيل والدول العربية ولن يشك أحد في أن هذا الإتفاق لم يكن ليحدث بين إسرائيل والدول العربية لولا مباركة الرئيس المصري .
٧- من هنا يصبح طريق الرئيس المصري “الذي يقبل بهذا الاتفاق” مفروشا بالورود للحصول على جائزة نوبل للسلام كما تحتفظ القاهرة بحقها في الدعوة لمؤتمر سلام دولي في مصر وتستعيد مكانتها الدولية المهمة التي تمتعت بها قبل عام ١٩٦٧م.
انتهت الورقة التي يعلق عليها المؤلف السيد هاني بقوله : هكذا يحلم الإسرائيليون بإقامة وطن للفلسطينيين في سيناء لكي تخلو لهم أرض فلسطين .ولكي يحققوا هذا الهدف كانوا ينكرون حقيقة أن سيناء ارض مصرية .هذا بالضبط ما جاء على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن جوريون في خطابه أمام الكنيست صبيحة انتهاء حرب ١٩٥٦م قال إن قواتنا لم تطأ أرض مصر ولم يكن هذا في حسابها .. لقد كانت عملياتنا الحربية قاصرة على شبه جزيرة سيناء وحدها لتحرير هذا الجزء العزيز من وطننا الذي يحتله الغزاة”
إذن الحديث عن خطط صهيونية أمريكية في سيناء حقيقة وهي خطط قديمة بدت واضحة فيما سمي صفقة القرن وربما كان رفض الرئيس مبارك – كما تردد – وراء تقليب الأمور عليه ويصبح السؤال الذي يشغلني هو هل كان لمحاولة توطين مصريين في العراق في فترة ما علاقة بهذه الخطط .أما الحقيقة التي لا يجوز إهمالها هي أن سيناء في خطر وأول وأبسط وسائل الحماية هي ان تمتلىء بالبشر والمصانع والمزارع بحيث لا ينظر إليها باعتبارها ارض خالية كمال يدعي الصهاينة .أما الأهم فهو أن تمتلىء عقول الاجيال من خلال كتب التاريخ والتثقيف بالخطر الصهيوني علينا وعلى ارضنا وان تبادل الأرض لا يختلف عن تبادل الأعراض وهو أمر لايقبله الاسوياء وأن تراب بلادنا لا يجوز مقايضتة بالذهب لانه تراب مزج بدمائنا ومات أجدادنا من أجله وسوف نموت من أجله أيضا