لا يمكن لعاقل ان ينكر حالة الرضا والتطلعات الكبيرة التى تملأ الساحة العربية من اقصاها الى اقصاها بعد كل لقاء عربي خاصة اذا كان على مستوى القمة ويشارك فيها اكثر من رئيس وامير وملك. لا اعرف ان كان هناك جهات خاصة رسمية او شبه رسمية او مؤسسات بحثية ترصد ردود الافعال وتاثير اللقاءات ومدى التجاوب معها سواء داخل الكتل الشعبية وحتى جماعات النخبة اياها رغم ما تعانيه او حالتها المأساوية التى وصلت حد الموت ما بعد الاكلينكي.
الحقيقة ان كل لقاء يعطى دفعة امل كبرى للنهوض وانقاذ ما يمكن انقاذه بعد سنوات طوال من الفرقة والقطيعة والالم تضرر فيها الجميع بلا استثناء. لقد وصلت الامور الى درجة يصعب معها الاستمرار ولابد من خطوات جريئة جدا للقفز فوق الحواجز المهينة والالتفات بشكل افضل الى المصالح الحقيقية لشعوبنا ودولنا بعد ان اتضحت كل الخيوط وانكشفت كل السوءات والعورات وظهر اللاعبون والمتلاعبون على حقيقتهم وتبين بما لا يدع مجالا لشك من هو العدو ومن هو الصديق ومن هي فرق الابتزاز الدولي والراقصون على كل الحبال لا يعنيهم الا المصالح الخاصة وجمع الثروات ولتذهب كل المبادئ والشعارات اياها الى الجحيم!
التداعيات على الساحة الدولية كانت كاشفة بجلاء للخطوط المفصلية للعبة الدولية وحقيقة التحالفات الاقليمية والدولية وفزاعات محاربة الارهاب ونشر الديموقراطية اياها.وقد فاجأت التطورات المتسارعة اخيرا الجميع بعد عدة عقود من الصبر والمعاناة وتحمل الضيم وشظف العيش فلا الارهاب قضي عليه ولا ديموقراطية تحققت.ويصدم كبيرهم العالم بالقول ان قواتهم لاتذهب الى مناطق العالم لنشر الديموقراطية قواتهم تحافظ فقط على مصالح بلادهم العليا والتى لايعرف احد حقيقتها حتى الان او ماهي فهي مصطلح هولامي مطاط مثل الامن القومي.انهم يرهبون العالم ويحتلون دولا ويدمروها ويحولوها الى دول فاشلة او خارج خريطة التاريخ والجغرافيا تحت لافتة خداعة اسمها الامن القومي وهومفهوم يحتاج الى اعادة صياغة وفق القواعد الدولية حتى لا يتخذ دريعة للقهر والهيمنة على مقدرات الدول واذلال شعوبها.
قمة بغداد الاخيرة او مؤتمر بغداد للشراكة والتعاون احد النماذج المهمة للقاءات المطلوبة عربيا ودوليا وكانت رسائله قوية على المستويين العربي والدولي خاصة وانه جاء في توقيت بالغ الحساسية نظرا لتداعيات الاحداث على الساحة والموقف الحرج الذي وجدت الادارة الامريكية نفسها محشورة فيه وافقدها قدرا من عدم التوازن والارتباك فيما يتعلق بسياسة احتلال الشعوب وتدمير الدول وعجزها امام قوى المقاومة الوطنية.
كما ان انعقاد المؤتمر في بغداد له دلالات كثيرة ومهمة على المستويين الوطنى والعربي حيث توجد بقايا قوات احتلال اميركية تستعد للرحيل رغم وعود رئاسية سابقة بسحب قوات الاحتلال في عهد الرئيس السابق وتجددت في عهد الرئيس الحالي جوبايدن..
رسالة بغداد الاقوى لتلك الدول والقوى الحليفة معها نطرح سؤالا مهما هل ستسمح بعد انسحابها ببناء دموقراطي حقيقي في ظل قوات احتلال وقواعد رابضة وجاسمة على الصدور والتمسك بمساندة ودعم ميليشيات بعينها موجودة على الارض ومتحفزة لفعل اي شيئ دون نظر واعتبار لمصالح الوطن وامنه وسيادته واستقراره طالما ان حنفيات وبوابات التمويل الخارجي مفتوحة على مصاريعها..
من المفارقات المهمة ان بغداد التى كانت ساحة للحرب بل لحروب طوال ومريرة الان تفتح كل اذرعها للسلام والشراكة مع الجيران الاعدقاء والاشقاء.
قمة بغداد اكدت بوضوح ان لقاء الاشقاء والجيران ضرورة وان لقاء الفرقاء ومن كانوا متشاكسين ليس مستحيلا بل وضرورة ايضا (القمة عقدت بمشاركة مصر الأردن وتركيا وإيران والسعودية والكويت وقطر والإمارات وفرنسا إضافة إلى الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي)
لقاء الشركاء ومن كانوا فرقاء احد ابرز علامات اللقاء وكان الجميع على مستوى التحدي وهو ما وسع من خريطة التفاؤل والامل في المستقبل وان القادم باذن الله سيكون خيرا للجميع ..
الحضور المصري كان مهما ومحوريا ولافتا ايضا باللقاءت والمباحثات التى اجراها الرئيس السيسي مع الرؤساء وامير قطر على وجه الخصوص وهو اللقاء الذي حظي بمباركة وترحيب كبيرين على الساحة وشغل مساحة كبيرة من تغريدات ورسائل السوشيال ميديا .
فوق ذلك كله كان لافتا الافكار المهمة التى قدمتها مصر للقمة وهي بمثابة اجندة عمل وقواعد لافضل سبل التعامل والتعاون من اجل مصلحة الجميع في اطار من الحب والاحترام المتبادل وعدم التدخل في شئون الاخرين ومراعاة القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار
من اهم تلك الافكار التى عرضها السيسي:
*ضرورة التعاون بشكل بناء لمواجهة أزمات اليوم من منظور الواقع الذي نعيشه وليس اتباعاً لتطلعات غير مشروعة تصطدم بقواعد القانون الدولي ولا تحترم إرادة الشعوب وخياراتها السياسية *لابد من الإسهام الواضح في الجهود العلمية الهادفة لتقدم البشرية وتعزيز قدراتها على مجابهة الواقع والازمات العالمية التى تتعرض لها.
*ضرورة اعتماد سياسات تنموية حقيقية تحفظ لنا كوكبنا وبيئتنا.
*ضرورة ترجمة الإرادة السياسية للدول إلى واقع ملموس وتعزيز مفهوم العمل العربي المشترك وتعظيم التشابك بين مصالح الشعوب من خلال مسارات عملية ومدروسة للتعاون يشعر بها المواطن في كل مكان.
*تقوية الدولة الوطنية ومؤسساتها بما يمكنها من الاضطلاع بمهامها في صون أمن واستقرار البلاد وحماية مقدرات الشعب ووحدة أراضيه
*رفض كافة التدخلات الخارجية في شئون الدول والاعتداءات غير الشرعية على أراضيها ودعوة مختلف القوى لاحترام سيادة البلاد.
*الالتزام بالمبادئ الثابتة في العلاقات الدولية والتي لا خلاف عليها وهي حسن الجوار وعدم الاعتداء والاحترام المتبادل لسيادة الدول والامتناع غير المشروط عن التدخل في شئونها الداخلية والتوقف عن سياسة فرض الأمر الواقع باستخدام القوة العسكرية أو المادية
*عدم توفير ملاذات آمنة أو أي شكل من أشكال الدعم للجماعات الإرهابية والمتطرفة أو نقل عناصرها من دول إلى أخرى.
..هناك نقطة جوهرية في دلالات انعقاد المؤتمر في بغداد في هذا التوقيت الصعب وهي مرتبطة بما يسميه علماء الجيبوليتيكا او الجغرافيا السياسية بخطوط التماس والاحتكاك الحضاري.
وهي دائما مناطق ساختة يصل فيها الاحتكاك والتفاعل الى حد الصراعات المدمرة اذا غابت الحكمة والرؤية الصحيحة للتبادل الحضاري في صورته السامية .او اذا عزفت عليها قوى الاستعمار واخواتها ممن يسعون في للارض فسادا ويهلكون الحرث والنسل.
والحقيقة يوجد دائرتان مهمتان في خطوط التماس الحضاري ومرتبطتان بقوة بالامن القومي لكل الدول الاسلامية والعربية
الحزام الاول يضم العراق ودول الخليج العربي خط التماس الحضاري المباشر مع المنطقة العربية. في الخلفية اوالواجهة تركيا وايران.
الحزام الثاني وهولايقل اهمية وتمثله ماعرف اسلاميا ببلاد ما وراء النهر وتعرف الآن بـوسط آسيا وتشمل أراضيها أوزباكستان والجزء الجنوب الغربي من كازاخستان والجزء الجنوبي من قيرغيزستان.وأطلق المسلمون على تلك المنطقة اسم “بلاد ما وراء النهر” عندما فتحوها في القرن الهجري الأول ومن أهم مدن بلاد ما وراء النهر سمرقند وبخارى وفرغانة وطشقند وخوارزم ومرو وترمذ.والإسلام الديانة السائدة في تلك المناطق.
ولذلك قالوا في تعريف حدود العالم الاسلامي انه يمتد من غانا في غرب افريقيا الى فرغانة باسيا الوسطى.
والان بعد ان وصلت طالبان الى الحكم في هذه المنطقة الحيوية اعتقد ان خطوط وحدود الامن القومي تحتاج الى نظرة جديدة تراعي كل اعتبارات الجغرافيا والسياسة بما يحقق مصالح العالم الاسلامي ويحميه من اطماع الطامعين..
والله المستعان..
Megahedkh@hotmail.com