تقوم الشبكات الإجرامية بالإتجار بمجموعة من المخدرات ولا سيما الحشيش والكوكايين والهيروين والميثامفيتامين. ومع ازدياد سهولة اختراق الحدود الدولية، ما فتئ تعاطي المخدرات والحصول عليها ينتشران في جميع أنحاء العالم. استطاع أباطرة المخدرات من تسخير التكنولوجيا والعلم في صالحهم، ليس فقط في مجال انتقال المخدرات بسرعة فائقة إلى جميع أرجاء العالم عبر وسائل الاتصال المتعددة،
بل إن الأمر تجاوز ذلك من خلال استخدام بعض الكيميائيين لتصنيع عقاقير مقلدة لها خصائص مماثلة للمواد الأصلية ولكنها تخرج من دائرة التجريم بحكم تكوينها الكيميائي المختلف، ومن هذه العقاقير بدائل الهيروين مضاهيات الفتانيل وتأثيرها أضعاف ما للهيروين من تأثير.
إن جرائم المخدرات المستعصية ينبغي معالجتها في ظل نظام عدالة جنائية مستقر تواكب فيه القوانين والتشريعات كل التغيرات وتستوعب جميع المستندات، وتعمل فبه أجهزة المكافحة على تطوير إجراءاتها باستمرار لتحقيق الوقاية الشاملة، ومواجهة كل أساليب التهريب والترويج والتعاطي الجديدة والتفاعل معها بمنهجيات البحث العلمي والدراسات المتخصصة والتجهيزات والمعدات الحديثة والتقنية المتقدمة والأساليب الابتكارية والإبداعية في إجراءات الضبط والمواجهة لبلوغ درجات متقدمة من تحقق مفهوم مجتمع بلا مخدرات.
تعد المخدرات من أخطر التحديات التي تعاني منها جميع دول العالم قاطبة، ذلك لأن آثارها بالغة التأثير على النواحي الصحية والنفسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية والإنتاجية للدول، وما زالت تعد مصدر تهديد العالم، ما لم تتضافر الجهود محلياً وإقليمياً ودولياً للتصدي يكل عزم وحزم لزراعتها وإنتاجها وتصنيعها وتهريبها وترويجها وتحجيم الاشتياق والعود إليها.
ويشارك في هذه التجارة الدولية مزارعون ومنتجون وناقلون ومورّدون وتجار. وهي تلحق الضرر بجميع البلدان الأعضاء في الإنتربول تقريبا، وتقوض الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتدمر حياة الأفراد والمجتمعات. وغالبا ما يكون المستهلكون والمدمنون ضحايا لشبكات تجارية قوية ومخادعة. وفي كثير من الأحيان، يرتبط الإتجار بالمخدرات بأشكال أخرى من الجريمة، مثل غسل الأموال أو الفساد.
كما يمكن للشبكات الإجرامية أن تستخدم مسالك الإتجار لنقل منتجات أخرى غير مشروعة. وفي ضوء اعتماد المجرمين أساليب أكثر ابتكارا لإخفاء المخدرات غير المشروعة أثناء نقلها، تواجه أجهزة إنفاذ القانون صعوبات في الكشف عن هذه المواد المخبأة.
وبالإضافة إلى ذلك، يتم إنتاج أنواع جديدة من المخدرات الاصطناعية بشكل منتظم، وبالتالي تحتاج الشرطة إلى أن تكون باستمرار على دراية بالاتجاهات الجديدة للسوق غير المشروعة والمنتجات التي تباع فيها.
المخدرات من أبشع التهديدات التي توجه المجتمعات الحديثة، وتسعى الدول إلى مكافحتها من خلال أجهزة متخصصة تعتمد التعاون الدولي والإقليمي آلية عمل لإنجاح جهود المكافحة. والمخدرات هي مجموعة من المواد تسبب الإدمان وتسمم الجهاز العصبي، ويحظر تداولها أو زراعتها أو تصنيعها إلا لأغراض يحددها القانون، ولا تستعمل إلا بواسطة من يرخص له بذلك.
يعاني المجتمع الدولي من إغراقه بالمخدرات التي طغت على النشاطات الإجرامية الأخرى لسيطرتها على الجريمة الدولية ولزيادتها للثروات بأسلوب مهيل. تُشكل المخدرات التحدي الحقيقي للدول لامتدادها بين مناطق الإنتاج والاستهلاك، ولوجود الكثير من الأشخاص والدول همزة وصل في آفة المخدرات، ولكونها تدخل ضمن النشاط الدوائي الذي يعد السيطرة على عدم استغلاله تحدياً آخر لمكافحة هذا الداء العضال. بدأت جهود مكافحة المخدرات في مراحل مبكرة
من أهم الاتفاقيات التي تُعنى بتنظيم عمليات التعاون الدولي في مجال مكافحة المخدرات الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لعام 1961م المعدلة ببروتوكول عام 1972م، واتفاقية المؤثرات العقلية لعام 1971م، واتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات لعام 1988م، والاتفاقية العربية لمكافحة الإتجار غير المشروع للمخدرات والمؤثرات العقلية عام 1994م، والتي تهدف جميعها مع غيرها من الاتفاقيات الثنائية إلى تعزيز التعاون لمكافحة هذا الداء الذي يتطلب التعاون الأمني الدولي المستمر.
شهدت الإنسانية خلال العقدين الماضيين تطوراً مذهلاً في مختلف المجالات، ومن أبرز تلك المجالات معطيات التقنية الحديثة وما أن تسعى البشرية إلى تحقيق الرفاهية والسعادة والنمو من نتاج هذه العلوم حتى يشاطرها الوجه الآخر الذي يُسخر مثل هذا التقدم العلمي للشر والتدمير، ومن ذلك تهريب وترويج المخدرات الذي أصبح يستغل كل ما هو متاح ويجعل منه ميدان لتدمير العقل وإبادة الإنسان بهدف تهميش دوره في التنمية المستدامة – التي تضمن التدرج في استخدام الموارد الطبيعية ودوام النمو والازدهار الوطني – وكذلك تحييد تأثيره في محيطه والمحيط الخارجي.
تشكل الجرائم الضخمة لتهريب وترويج المخدرات مظهراً من مظاهر الجريمة المنظمة التي ترتكب من قبل منظمة إجرامية مؤلفة من ثلاثة أشخاص على الأقل تكونت بهدف القيام بجرائم معينة ومحددة، وبصورة مستمرة وهدفها الربح.
يأتي التصدي للمخدرات بكل أنواعها في مقدمة الأولويات التي تسعى أجهزة المكافحة وأنظمة العدالة الجنائية للسيطرة عليها والحد من آثارها. وإذا كانت الدول المتقدمة أكثر مقدرة على الإفادة من التقنية فإن الدول النامية تسعى للأخذ بزمام المبادرة للوقاية من آثار التقدم التقني الذي تم توظفه في تطوير صناعة وتهريب وترويج المخدرات، والذي بدوره يعكس قوة الخطر الذي تنذر به آفة المخدرات في ظل التقدم التقني.
صاحب تطور المجتمعات وتقدمها تطور سبل ارتكاب الجرائم وتغير في بنيتها التي أخذت شكل النشاطات الأخرى في تكتلاتها وظهورها في شكل مؤسسات وشركات ومنظمات. هذا النسق البنائي الجماعي امتد أيضاً إلى جريمة تهريب وترويج وحتى استخدام المخدرات، فأصبحت تتشكل في مظهر النشطات الأخرى في المجتمع وتستحوذ على الشباب من الجنسين وتستأثر بأعداد كثيرة من النجباء الذين سيكون لهم دور حيوي في خدمة المجتمع في مجالات على درجة عالية من الأهمية في مجال الطب والصيدلة والهندسة وتقنية الحاسب الآلي وأنظمة المعلومات والمالية والاقتصاد والتربية والتعليم. وتعد هذه المجالات المحرك الرئيس لعملية التنمية التي تتأثر سلباً بهدر الإدمان الذي همش عدداً من القوى البشرية الوطنية، انبرت الدولة لمكافحة المخدرات المتميزة لتحمي الكثير من هؤلاء الشباب والشابات من مخاطر تعاطي المخدرات والإدمان عليها لتحقق الوقاية والمكافحة والعلاج في وقت واحد.
يعد تهريب وترويج المخدرات من أخطر مظاهر الإجرام في العصر الحديث لامتداد آثارها عبر دول متعددة وإلى أشخاص ومؤسسات عدة، كما أنها أعيت عبر أنماطها المتداخلة الدول وأجهزة المكافحة بها، مما حملها جهداً أكبر وزاد من متطلباتها على مستوى الوقاية والمعالجة والمواجهة، وتلافي الآثار وكذلك مواكبة التشريعات. ويأتي المنهج التعاوني إقليمياً ودولياً ومحلياً في مقدمة أساليب التصدي لداء المخدرات وكشف وسائل تهريبها وترويجها التي أضحت تتخفى وتستخدم شتى وسائل وأساليب الإخفاء والتمويه.
يرتبط السلوك الوظيفي بالمراحل الأولى التي يتم فيها توجيه الشخص للعمل ضمن منظومة معينة، وتتشكل شخصية من يعمل في المديرية العامة لمكافحة المخدرات من خلال الإعداد والتدريب والتوجيه والثقافة الإدارية والأمنية السائدة في المنظومة.
ولعل التراكمية المهنية الاحترافية أوجدت قوات لمكافحة المخدرات لا تهاب الموت وتحمل مضامين الشجاعة والإقدام والمسؤولية الوطنية الصادقة للتصدي لأخطر داء عرفته البشرية المعاصرة. وذلك طبقاً لاستراتيجيات وخطط مرسومة بعناية من قبل خبراء
صقلت مهاراتهم الممارسات اليومية والعمليات الميدانية ليتم من خلال الخطط المنسقة والإجراءات الدقيقة والمهارات التنفيذية القبض على أعتى مهربي ومروجي المخدرات وإفشال أضخم العمليات التي تشتمل على ملابين الجرعات، وفي بعض الأحيان كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمحظورات الأخرى.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان