يُعتَبَر الطلاق من المشكلات الاجتماعيّة الخطيرة والتي قد تنجم عن أسباب مُتعدِّدة كعدم تفاهُم الزوجين وكثرة الخلافات بينهما، أو كثرة المتطلّبات والأعباء الماديّة والخلافات حول تربية الأبناء، أو تدخل الأهل، أو أسباب أخرى كثيرة، ويترتَّب على هذه المشكلة آثار سلبية خطيرة أهمّها تحطيم الزواج والأسرة والروابط الأساسيّة بسبب مساهمتها في خلق جوٍ من الخلافات والشقاق والعُنف ممَّا ينعكس بشكلٍ كبير على الأسرة وعلى المجتمع. إنّ للطلاق تأثيرات سلبيّة لا تنعكس على أفراد الأسرة فحسب بل تتعدّاه لتمس بأمن واستقرار المجتمع بأكمله، لأنَّ الأسرة هي النواة الأولى التي يتكوَّن منها المجتمع وهو نتيجة أصلاً لترابُط مجموعة كبيرة من الأسر، وعند وقوع الطلاق تُعاني هذه الأسر من التفكك مما يسبب اضطرابات عديدة تنعكس على المجتمع.
ومن الآثار السلبيّة للطلاق على المجتمع:
• إن وقوع الطلاق والانفصال يؤدِّي لتنمية مشاعر الكره والحقد والبغضاء بين الطرفين ممَّا يسبِّب مشاكل ويؤدِّي لوقوع المشاجرات وبالتالي عدم استقرار المجتمع.
• زيادة الأعباء الماديّة على الرجل أو المرأة بعد الطلاق والضغط النفسي المُرافق له من توتُّر وقلق في كيفيّة تأمين مُستلزمات أولادهما قد يؤدِّي بهما إلى سلك طرق غير صحيحة، أو غير شرعيّة أو منحرفة لتأمين المال اللازم لذلك، وهذه الطُرق جميعها تؤدّي لآثار سلبيّة تنعكس على المجتمع.
• جنوح الأولاد لاتخاذ سلوكيّات منحرفة وغير سويَّة نتيجة عدم تلقِّيهم الرعاية الكافية من قِبَل والديهم نتيجة التفكُّك الأسري، وتزايد عدد الأولاد المشرَّدين في الشارع والذين يلجأون له كبديل عن الأسرة التي تفكَّكت بعد الطلاق، ممَّا قد ينجم عنه ارتفاع في معدَّلات الجرائم وتزعزُع الأمن في المجتمع وزيادة الانحراف والأمراض النفسيّة.
• إنَّ الطلاق والتفكُّك الأسري يترك آثاراً متعدِّدة تبدو في تربية الأطفال، وانحراف الأحداث، والفشل الدراسي، والسلوكيَّات غير الأخلاقيّة، وكلما زادت ظاهرة الطلاق نقصت معها القدرة الكليّة للمجتمع على تحقيق الإنجاز في مجال الإنتاج والخدمات، كما يزداد تأثير الأشخاص القادرين على السير بالمجتمعات البشريّة نحو الاتجاهات التي تهدم مصالحها الجماعيّة العُليا.
• يسبِّب الطلاق اختلالاً في كثير من القِيَم التي يعمل المجتمع على ترسيخها في أذهان أفراده وسلوكيَّاتهم كالترابُط والتراحُم، والتعاون، والتسامُح، ومساعدة من يحتاج المساعدة وغيرها من القِيَم الإيجابيَّة المهمَّة في تماسك المجتمع واستقراره.
إذ يَخلق الطلاق شعوراً نفسيّاً بالإحباط يترك أثراً قويَّاً في كل أفراد الأسرة المتفكَّكة وقد يدفع هذا الشعور البعض إلى إلقاء اللوم على المجتمع الذي لم يساعد على تهيئة الظروف التي تقي من الطلاق والتفكُّك، فيُسْقِط لومه على تلك القِيَم التي يُدافع عنها المجتمع ويحث عليها، فيحاول الفرد كسر القواعد والخروج على هذه القِيَم وعدم الالتزام بها كنوع من السلوك المُعبِّر عن عدم الرضى غير المُعلَن. دفعت مُعدَّلات الطلاق المتزايدة بشكلٍ كبير الباحثين والمُعالجين في علم الإرشاد الزواجي والأسري إلى محاولة تقديم تدخّلات علاجيّة لمساعدة الزوجين على التوافق الزواجي والتكيُّف مع الاختلاف والضغوطات الزوجيّة والأسريّة، أمَّا في حال استحالة الحياة الزوجيّة واتخاذ قرار الطلاق وإنهاء العلاقة بين الزوجين،
فقد وضع الباحثون والمعالجون في مجال العلاقات الزوجيّة مجموعة من المقترحات والنصائح التي تُساهم بجعل تجربة الطلاق أقل وطأةً وضغطاً على الزوجين والأطفال، كما تجعلها أقل إيلاماً لهم وهذه النصائح أخذت مفهوم “الطلاق الآمن أو الطلاق الصحي”، فهم يرون أنّه لا حاجة لأن تكون تجربة الطلاق عاصفة، ومليئة بالضغط والتوتُّر. ومن النصائح المقدَّمة ما يلي:
• الجلوس مع الأطفال، وإنشاء حديث مُنفتح وشفَّاف وصادق معهم حول موضوع الطلاق بكونه قراراً يخص الزوجين، ويمثِّل انفصالاً بينهما وليس بين أطفالهما، وجعل هذه الجلسات دائمة ومستمرَّة خلال الفترات الزمنيَّة المُقبِلة، فالأطفال تزداد تساؤلاتهم ورغبتهم في الحصول على إجابات كلما كبروا في السن.
• حث الأولاد على التعبير عن مشاعرهم سواء السلبيّة منها أو الإيجابيّة وتشجيعهم على ذلك، مع ابتعاد الاهل عن تلقين المشاعر لأطفالهم أو إنكارهم لمشاعر أطفالهم أو رفضهم لها حتّى لو بدت أنَّها غير مناسبة من وجهة نظر الأبوين.
• يجب على الوالدين الحذر من إسقاط مشاعرهما السلبيَّة على أطفالهما – كتحويل العِدَاء والكراهية من اتجاه الأم نحو أحد الأبناء.
• يجب على الوالدين المُبادرة لتشجيع أبنائهم على مناقشة أفكارهم وإدراكاتهم حول موضوع طلاق والديهم، والتعامل معهم بشكل عقلاني وواعي، كما يجب عليهم أن يُبادروا لتقديم تفسيرات منطقيَّة للأسباب التي دفعتهما لاتّخاذ قرار الطلاق، وتصحيح الأفكار والمعتقدات الخاطئة التي قد تتكوَّن لدى الأطفال مثل أنَّهم السبب في طلاق والديهم.
• إبعاد الأطفال عن مُشاهَدَة الصراعات والخلاقات بين الزوجين -رغم صعوبة هذا الأمر- إلّا أنّه من العوامل المهمَّة والأساسيَّة لتحقيق تكيُّف الأطفال لاحقاً في مرحلة ما بعد طلاق والديهم.
• الامتناع عن التحدُّث عن الأب أو الأم خلال غيابهما بكلامٍ سيِّء أو مُشِين أمام الأطفال كمحاولة لجذب الأطفال إلى صفِّ الُمتحدِّث والحصول على دعمه وتحالُف الطفل ضدَّ الشريك السابق الغائب، والحِرص على احتفاظ الأولاد بصورة إيجابيَّة لكلٍّ من الأبوين.
فالخلل العاطفي الذي يتعرَّض له الطفل سببه الرئيسي النميمة داخل العائلة. ذلك أنّ تعبير أحد الوالدين عن رفضه للطرف الآخر بالكلام عنه بشكل سيِّء يَخْلِق جرحاً عاطفيّاً عند الولد، والمُقابل كلما أعطى الحديث قيمةً للطرف الآخر في غيابه، كلَّما تقبَّل الأولاد فكرة انفصال الوالدين لعدم توافقهما بشكلٍ أسرع، وأدرك أنَّ الأمر يخصُّهما وحدهما، ولا علاقة له هو.
• الامتناع عن جعل الأطفال مرسال أو وسيط لنقل الرسائل بين الزوجين، والبحث عن طرق أخرى للتواصل مع الشريك السابق بعيداً عن الأطفال.
• تعلُّم استراتيجيَّات التعامُل مع الضغوط النفسيَّة للزوجين، والاهتمام بالعناية الشخصيَّة، وعدم الخجل من اللجوء لطلب الدعم العاطفي والاجتماعي من الأهل والأصدقاء والذي من شأنه أن يساعدهما على مواجهة الصعوبات والضغوط والتحدِّيات الحياتيَّة بشكلٍ أفضل.
تعد ظاهرة الطلاق ظاهرة اجتماعية إنسانية فهي ظاهرة اجتماعية لكونها ذات علاقة بأهم مؤسسة اجتماعية في المجتمع ، ولأنها ذات أثر بالغ في حياة الأسرة والأولاد وعمليات التنشئة والتربية والتثقيف الاجتماعية وهي إنسانية لكونها لا تنطبق على المجتمع السعودي أو المجتمعات العربية أو الإسلامية فقط ، بل إنها ظاهرة قديمة حديثة تحدث بنسب متفاوته في جميع المجتمعات الإنسانية ولأن هذه الظاهرة تأخذ صفة الاستمرارية
فإن أسباب حدوثها متغيرة من مجتمع إلي آخر ومن جيل إلي جيل وهذا التغير يخضع لمجموعة من الأسباب منها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والصحية والتعليمية وكذلك الأسرية وغيرها ، وتعد ظاهرة الطلاق إحدى الظواهر الاجتماعية التي عاني منها المجتمع ومن هنا تأتي أهمية التدخل من المحيطين بهم والمهتمين بشئونهم والخائفين عليهم لتحسين هذه الأوضاع ولمحاولة رأب الصدع وحل الصراع ، وإذا لم ينجح كل هذا فلا أقل من حماية كل الأطراف من الآثار المدمرة لهذا الجو المضطرب وذلك من خلال الارتقاء بلغة الخلاف ومن خلال وضع ضوابط وحدود لأدوات الصراع وآلياته .
والطرف الثالث الذي يتدخل بين الزوجين يضبط إيقاع العلاقة المضطربة قد يكون أحد الأقارب من عائلة الزوجة أو الزوج ، أو يكون اثنين أحدهما من عائلة الزوجة والآخر من عائلة الزوج وهو ما جاء في القران الكريم ” وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما ” (النساء 35) والحكمة في هذا الاختيار الثنائي أن نضمن العدالة وعدم التحيز الذي قد ينشأ عن الانتماء العائلي والتحيز العاطفي.
وفي حالة عجز الآليات العائلية عن الإصلاح بين الزوجين ، قد ينتقل الأمر كمرحلة تالية إلي أحد المتخصصين النفسين أو الاجتماعيين لمساعدة الطرفين المتصارعين على الاستبصار بطبيعة الصراع وأسبابه وأدواته ثم محاولة الاستفادة من هذه البصيرة في إطفاء بؤر الصراع لدى وبين الطرفين أو على الأقل إدارة الصراع بطريقة متحضرة على أمل الوصول في وقت ما إلي مرحلة حل الصراع والشخص المتخصص هنا سواء كان طبيباً نفسياً أو أخصائيا نفسياً أو اجتماعياً يتميز بالخبرة والحيادية وعدم التحيز ( أو يجب أن يكون كذلك ) إضافة إلي احتفاظه بأسرار الطرفين وإدراكه لحساسية موقف الأطفال وضرورة رعايتهم في وقت احتدام الصراع .
دكتور القانون العام والاقتصاد
وخبير امن المعلومات
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان