منذ يومين توفي في منتجع مونرو في سويسرا أحد أهم رجال شاه إيران السابق وهو “اردشير زاهدي”، الذي زوجه الشاه رضا بهلولي من أبنته الأخيرة شهناز بعد أن قاد والده الجنرال “فضل الله زاهدي” الإنقلاب الشهير ضد حكومة محمد مصدق، الذي أعاد الشاه للعرش، فأصبح “اردشير” أشهر وزير خارجية وأخر سفير لإيران لدى أمريكا، حتى سقوط الشاه عام 1979، وتأتي وفاة زاهدي في وقت تتواتر فيها الأنباء، عن احتمال توصل واشنطن وطهران لاتفاق يتيح لإيران الاحتفاظ بالمواد النووية المخصبة، الأمر الذي قد يتيح لها الحصول على عضوية النادي النووي .
ومناسبة طرح هذا الأمر والالتفات إلى وفاة شخص فقد منصبه وحضوره وقدرته على التأثير في الأحداث، قبل أن يلقى ربه بعقود، هو أن ما كتبه الرجل فيما عرف ب “أوراق زاهدي”، وذكر فيه أنه رعى المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية في سبعينات القرن الماضي، بهدف تهيئة الأرضية لبناء مفاعلات نووية أمريكية في إيران بتكلفة قدرها 50 مليار دولار، وكشف زاهدي في أوراقه ان الإتفاق كان يتضمن مساعدة إيران في عمليات التخصيب النووي، أي تعزيز قدرتها على الوصول إلى مرحلة البرنامج العسكري، وتلك المساعدة الأمريكية تعني قبولاً واضحاً بمبدأ دخول إيران إلى النادي النووي .
كان ذلك الإتفاق قبل خمسين عاماً، حين كانت المخابرات الأمريكية تعد الشاه الجديد محمد رضا بهلوي، ليكون شرطي المنطقة، ومخزن السلاح التقليدي في الجوار الذي يمثل خاصرة الخليج العربي، وفي المقدمة منها بالطبع العراق، توطئة لرسم تاريخ جديد للعالم يبدأ من بغداد، التي تم رسم المخطط الشامل لإعادتها إلى الوراء عدة قرون، بينما تم التغاضي عن كل ما تقوم به إيران في ظل حكم الملالي، مما سمح لها أن تفرد أجنحتها وتنشر عقيدتها التدميرية، وأن تستخدم المجموعات المسلحة والميليشيات التي ترتقي كنفها، لتصبح أحد أهم أسلحة سياستها الخارجية، رغم كل العداء المعلن من جانب الغرب ضد إيران، ناهيك عن الإعتراض الظاهري على برامجها النووية .
وعندما تمخض الجبل الغربي المعادي ظاهرياً لإيران ولد إتفاقاً نووياً خالي الدسم، لم تلتزم به إيران يوما في 14 يوليو عام 2015، بعد خلافات حادة إستمرت أكثر من عشر سنوات بين إيران والدول الكبرى متمثلة بالدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا المعروفة بمجموعة 5+1، ويشمل الإتفاق تقليص النشاطات النووية الإيرانية مقابل رفع العقوبات الإقتصادية المفروضة على طهران بشكل تدريجي، غير أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إنسحب من الإتفاق بشكل أحادي الجانب وفرض عقوبات قاسية ضد إيران، لم تتأثر بها بشكل كبير لوجود بدائل مواتية تعوض أي خسائر، بالإضافة إلى وجود حلفاء جاهزين على رأسهم الصين، ناهيك عن عدم التزام دول أوروبية بتلك العقوبات، لأنها ضد مصالحها، ولا تستطيع تعويض النفط الإيراني في حال التوقف عن ضخه إلى أوروبا .
وبالنظر إلى إعلان علي “باقري كني”، كبير مفاوضي إيران في الملف النووي مؤخراً، إن محادثات بلاده مع القوى العالمية حول إعادة الإلتزام بالاتفاق النووي المبرم عام 2015، سوف تستأنف يوم 29 نوفمبر الجاري، نجد أنه يتوازى مع تزايد مخاوف الغرب مما تحرزه إيران من تقدم في المجال النووي، في وقت تسعى إيران إلى الحصول على مكاسب كبيرة من مجرد قبولها إستئناف المفاوضات مع الغرب، حيث غرد “باقري كني” على تويتر قائلاً “، إتفقنا على بدء المفاوضات التي تستهدف إزالة العقوبات غير المشروعة وغير الإنسانية في 29 نوفمبر في فيينا، وهو ما أكده في وقت لاحق بيانات الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي .
إن الإصرار الإيراني على إتمام برنامجها النووي الذي تزعم أنه سلمي، يتواكب مع دعم أمريكي غير معلن يمكن أن يؤدي في النهاية إلى دخول طهران تدريجياً إلى النادي النووي، لأن إيران ببساطة تقوم بأدوار مرسومة تستوجب المكافأة، باعتبارها دولة وظيفية، وأحد القوى الإقليمية التي تمتد ازرعها العسكرية الطويلة، وتحكم الواجهات السياسية للميليشيات التي تدعمها تدريباً وتسليحاً وتمويلاً أكثر من منطقة، في العراق ولبنان واليمن، وهو أمر لا يمكن تجاهله، ويؤكد أن ما فضحته “أوراق زاهدي” منذ خمسين عاماً، مازال قائماً ويجري تحقيقه على الأرض، وأن هذا العداء المعلن بين إيران والغرب، ربما يمثل غطاء كثيفاً، لتعاون وثيق بين الصديقين اللدودين، وهو ما يعني أن العرب يجب أن ينتبهوا لتلك الخديعة الكبرى، وأن يعيدوا قراءة التاريخ ويدركوا مكامن الخطر القادم من الشرق .