أستكمل اليوم ـ كما وعدت ـ الرد على خزعبلات الدعى الأخرق الذى تردد اسمه مؤخرا على أنه مجتهد مجدد فى الدين، وهو فى الحقيقة مخادع جهول، ينقل شبهات المستشرقين ومن سبقه من الضالين المضلين، الذين اعتادوا تجريح الإسلام والسنة النبوية الشريفة والصحابة الكرام وعلماء الأمة، وتسفيه كل رمز إسلامى، حتى لايبقى من الدين غير فانوس رمضان وخروف العيد .
يزعم هذا الدعى الجهول فيما يروج من أكاذيب وضلالات أن ” الفتوحات الإسلامية كلها كانت متجهة إلى الشمال من أجل المرأة البيضاء، ولم تتجه إلى الجنوب حيث المرأة السوداء “، هل سمعتم بهذه السخرية من قبل ؟ هل تجرأ أحد على الجهر بهذا الافتراء البين الذى يكذبه التاريخ ويكذبه الواقع، ثم يدعى قائله أنه باحث مدقق، يتفوق معرفيا على ابن عباس وأصحاب المذاهب الأربعة وابن تيمية وابن القيم وأمثالهما .
كيف يجهل هذا ” الجهبذ ” أن الفتوحات الإسلامية انتشرت شرقا حيث الهند والصين وأواسط آسيا فى عهد الخلافة الراشدة، واتجهت إلى أفريقيا ” السوداء ” غربا وجنوبا أيضا فى عهد الخلافىة الراشدة، وذلك قبل أن تتجه الفتوحات إلى الشمال حيث ” أسبانيا ” لتأسيس الأندلس عام 92 هجري / 711 م على يد طارق بن زياد فى عهد الدولة الأموية، وقبل فتح القسطنطينية على يد السلطان العثمانى محمد الثانى ” الفاتح ” عام 857 هجرى / 1453 م ؟
وبمالناسبة فقد استمرت القارة السمراء قارة مسلمة لقرون طويلة حتى استعمرها الأوروبيون بعد اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح فى القرن الخامس عشر الميلادى، فاستعبدوا أهلها وغيروا أسماءهم ودينهم ولغتهم وهويتهم، وحولوها إلى سوق كبيرة لتجارة العبيد، ولم تتحررالقارة المظلومة من أشكال التمييز العنصرى المفروضة عليها إلا فى أواخر القرن العشرين .
ومن يقرأ فى الفتوحات الإسلامية سوف يزداد فخرا وامتنانا للفاتحين العظام الذين لم يكونوا فقط على درجة عالية من الشجاعة والإقدام، وإنما كانوا على درجة أعلى من العدل والرحمة والنبل الإنسانى، ولم يكونوا باحثين عن المرأة البيضاء كما يزعم هذا الجهول ورفاقه المشاكسون، بل كانوا حملة رسالة إلهية لتحرير الناس من القهر والاستعباد، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وفى قصة فتح مصر النموذج والمثل لمن يعقلون .
ومع هذه الحقيقة التى يعرفها أدنى الناس ثقافة وعلما يتجرأ الكذاب الأشر فيقول إن هؤلاء الفاتحين إرهابيون، ذبحوا النساء والأطفال ووأدوا النساء، ويطالب الأزهر بالاعتذار عن جرائمهم، ويفتى بتكفير من يعتقد بأنهم كانوا مجاهدين فى سبيل الله، فهل هذا رأى يرد عليه بالرأى والحجة، أم تضليل وافتراء يجب أن يحاسب صاحبه، الذى لم يأت أبدا على ذكر الجرائم البشعة التى ارتكبها الأوروبيون فى بلداننا العربية الإسلامية، أو الجرائم التى يرتكبها الصهاينة حاليا فى فلسطين الصامدة .
نحن لسنا أمام مجتهد يبحث عن الحقيقة، وإنما أمام توجه منظم لتشويه كل ما هو إسلامى، وتعمد عجيب لقلب الحقائق، خصوصا عندما يكون الكلام أمام الأجانب، فهو يقدم الإسلام فى مؤتمراتهم على أنه قتل المرتد ورضاع الكبير وزواج القاصرات وشرب بول الإبل وزواج المتعة ، وكأن هذه أعمدة الإسلام، أو كأن المسلمين يعيشون حياتهم وفق منظومة إجتماعية وأخلاقية شاذة، ولو أنه التزم الحد الأدنى من الصدقية العلمية لقال إن هذه القضايا التى يثيرها تحمل آراء واجتهادات بعضها مردود عليه، وبعضها كانت له خصوصيات وظروف تاريخية انتهت، ولم يعد لها وجود إلا فى صفحات الكتب، لكنه دائب على استدعائها فى كل محفل للتشكيك فى صلاحية الإسلام .
فى أحد مؤتمراته بفرنسا يقول لجمهوره الأوروبى : ” أنا لم أسمع عن أمة تتبع العته والخرق الفكرى وتتخذه دينا إلا أمتنا، فقد أصبحت عقولهم تقبل القتل والعدوان والخرافة، ومن ضمنها إرضاع الكبير ونكاح الوداع ـ معاشرة الزوجة المتوفية قبل دفنها ـ ويدرسون فى الأزهر مناهج تحمل فكر داعش، وكتبا تدعو لقتل الأسير، أو قطع يديه ورجليه، أو قطع يد واحدة ورجل واحدة ” .
هل هذه هى الروح التى يليق بمسلم أن يتكلم بها عن إسلامه أمام غير المسلمين، وفى غير بلاد الإسلام، أم هى روح كارهة مبغضة نافرة، ناهيك عن أن تكون جاهلة كاذبة خبيثة ؟
لقد تحدث علماؤنا كثيرا فى قضية إرضاع الكبير، وأكدوا أنها كانت رخصة خاصة لمولى أحد الصحابة، فلكى يكون محرما على سيدة البيت يشرب من لبنها فى إناء، لم يرضع من ثديها كما يروج هذا الكذوب، ولم تتكرر الرخصة لأحد غيره، لكن لأن الصحابة الكرام كانوا حريصين على تدوين كل شاردة وواردة فى عصر الرسالة فقد نقلوا الحادثة، وقد أخذت فى النقاش أكبر من حجمها، كما لو كان المسلمون يرضعون من أثداء النساء فى الشوارع والمكاتب والبيوت!!
ولست أصدق أن مناهج الأزهر تحمل فكر داعش بينما الأزهر هو أكبر مؤسسة حاربت وتحارب فكر داعش المنحرف عن الإسلام، ولست أصدق أن الأزهر يدرس كتبا تدعو لقتل الأسير بينما القرآن الكريم يحض بكل وضوح على الرفق بالأسير والإحسان إليه، ويجعل إطعامه من خلق المؤمنين : ” ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا “، ويعطى الأسرى عصمة الدم من لحظة الأسر، ويجعل أمرهم بين خيارين : ” فإما منا بعد وإما فداء “، إمأ التفضل عليهم بإطلاق سراحهم، أو أخذ الفدية مالا، ولكن لاقتل ولا قطع للأيدى والأرجل كما يدعى الجهول .