إذا وسع المواطن العربى نظرته وعمقها ليستقرىء الحقيقة ويستشفها من مواقف الدول العربية المختلفة ، يتضح له أن الازمات والاخطار التى أصبحت تهدد أمته بسوء المصير ، ما هى الا خلافات سياسية غير مستعصية الحل وان تسويتها بنجاح تتطلب الاتحاد فى المواقف التى تستند الى وحدة الصف ، والرأى ، والكلمة ، والى وحدة العمل ، والتخطيط . وتجتاز الامة العربية مرحلة دقيقة وعصيبة من تاريخها المعاصر ، لم تشهد من قبلها من ظواهر التفكك ، وارهاصات التمزق ، ما تشهده فى هذه الآونة ، اذ تتجاذبها أزمات شديدة ، ومحن عنيفة ، وتتنازعها سياسات مرتبكة المناهج ، الشىء الذى يعكس تدهور السياسة العربية ككل ، ويبين بوضوح علامات تأرجح الانسان العربى بين الشك واليقين ، كل ذلك وسط ضباب كثيف من الابهام والغموض ، ولكنه لا يمنع الانسان الواعى المفكر من رؤية جوانب مشرقة مضيئة ، فى سماء السياسة العربية ، لابد من احترامها ، وتأييدها ، وهى تتمثل فى مبادرات( مصــر) الشجاعة ومواقفها الصلبة الحكيمة .. ولكن بعض الساسة العرب قد غضوا النظر عن رؤية هذه الحقيقة ، وعجزوا عن فهم هذه العناصر الهامة ، فجروا شعوبهم الى ساحات الخلاف والنزاع ، والتخبط والضياع . ومن يمعن النظر فى حوادث وأحداث هذه المرحلة المحزنة ، ويتأملها بعين مجردة من التحيز ، والعناد والمكابرة . ولفهم حقائق الامور ، ومعرفة دخائلها ، وادراك كنهها حتى يكون المواطن العربى على بينة مما يدور حوله ، وتتم الحيلولة بينه وبين انجرافه فى تيارات التضليل السياسى وممارسته الخادعة ، التى تستخدم كوسيلة ماكرة تواكب المخططات التى تهدف الى تحقيق الاهواء الخاصة ، والغايات الفردية ، يجب على العرب جميعا ، من الخليج الى المحيط ، من خلال دراستهم الاوضاع الراهنة ، ومواقف ساستهم المختلفة ، وتحليلهم لها ، أن لا يمزجوا بين الاوهام الناتجة عن الخيال الجانح نحو التهور والغرور والادعاء ، والتخيلات المغرقة فى المغالطة والتزييف والافتراء ، وبين الحقائق الثابتة ، والمنجزات وليدة التأملات الصحيحة الخالصة . ولا يشك اثنان فى أن هؤلاء الساسة ، من الذين يريدون فرض زعامتهم فرضا ، وأن يظهروا بمظهر القادة عنوة ، انما يمارسون أساليب سياسية ، مقتبسة من هنا وهناك ، مرتبكة مضطربة وعقيمة ، تجعلهم يدورون فى حلقة مفرغة من التناقضات ، ينقضون وعودهم ، وينكثون عهودهم ، وينكرون اليوم ما اعترفوا به بالامس ، ويقبلون ما سير فضوله فى الغد ، لانهم سجنوا أنفسهم ، أو سجنهم الغير ، فى دائرة ضيقة تمنعهم من الانطلاق والحركة ، يدورون وراء جدران عالية يصعب عليهم هدمها أو اختراقها ، حتى يصيبهم الدوار ، ويضطرهم الى الوقوف ، أو السقوط فى سلبية وعجز ازاء المتغيرات السياسية التى تحيط بهم من كل جانب . ويرى كل عربى مخلص انه ليس من المقبول أو المعقول ان يستمر بعض محترفى السياسة فى رفع الشعارات الزائفة ، وان يواصلوا شن حملاتهم المسعورة على ( مصــر ) . ويؤمن الانسان العربى ، ايمانا راسخا ، ان (مصــر) قد استطاعت ان تفرض وجودها كدولة عربية قوية ومتحضرة ، فى ميدان القتال وفى المعترك السياسى ، ويتمنى ان تقوم الدول العربية ببحث خلافاتها مع (مصــر) القائدة والرائدة ، بجدية واخلاص ، وروح الاخوة العربية والاسلامية ، وبوعى كامل ، لابعاد سياستها ومراميها وان تفصل فيها بالحق ، لا عن طريق الانفعالات والنزعات ، والنزوات دون الالتزام بالمسئوليات التى تفرضها المرحلة العصيبة التى تمر بها الامة العربية