الفساد الإداري والمالي مفسدة للمجتمعات البشرية عن طريقه تضيع وتهدر أموال الدولة والحقوق والقيم الأخلاقية والثقافية لينتج عنها مشكلات جمة على جميع المستويات فالفساد مصطلح يتضمن معاني عديدة إذ انه موجود في القطاعات الحكومية والخاصة منها كما أن له عدة أسباب وله أنواع متعددة فهنالك الفساد السياسي والفساد الاقتصادي والفساد المالي والفساد الإداري مما استوجب بنا بحث الفساد السياسي من خلال بيان المظاهر القانونية لجرائم الفساد في وتناول الملاحقة الإجرائية له كالاتي:
أولاً: المظاهر القانونية لجرائم الفساد
للفساد عدة معاني منها المادي الذي ينصرف إلى الأشياء المادية فيقال فسد الشيء أو تعفن والفساد لغة هو البطلان فيقال فسد أي بطل واضمحل وهو ضد المصلحة، وحسب التعريف المقدم من معجم أكسفورد فإن الفساد هو انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة، وقد عرفت منظمة الشفافية الفساد بانه إساءة استعمال السلطة الموكلة لتحقيق مكاسب خاصة.
عليه نجد أن الفساد في الصفقات العامة ظاهرة كونية يشترك فيها كل الأطراف سواء البلدان المستوردة أم البلدان المصدرة إضافة إلى تغلغل قيم جديدة في ممارسة الفساد والتي تتمثل بالتحولات العميقة التي شهدتها منظومة الإنتاج العالمي منها عولمة وقيم ومظاهر الفساد، حيث أن القوانين الجنائية في كافة الدول تفرد نصوصا كثيرة لمعالجة جرائم الفساد.
ومن الجدير بالذكر فان التشريعات العراقية جاءت خالية من تحديد مفهوم الفساد ألا أن قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 وكذلك قانون النزاهة رقم 30 لسنة 2011 ذكر الحالات التي تتعلق بالفساد ومنها (الجرائم المخلة بالوظيفة وهي الرشوة والاختلاس وتجاوز الموظفين حدود وظائفهم ونص عليها بالمواد من 307- 341 في قانون العقوبات العراقي) أما قانون هيئة النزاهة فقد نص في المادة (18) منه على الكسب غير المشروع بانه (كل زيادة في أموال المكلف بتقديم تقرير الكشف عن الذمة المالية 6 أو أموال زوجه أو أولاده التابعين له لا يتناسب مع مواردهم العادية يعد كسبا غير مشروع مالم يثبت المكلف انه قد تم كسبه من مصادر مشروعة)،من خلال الجمع بين مواد قانون العقوبات وقانون هيئة النزاهة يتحدد الفساد في التعسف في استعمال السلطة الرشوة، واستخدام السلطة بشكل غير قانوني بشكل يتعارض مع المصالح المشروعة للمجتمع والدولة للحصول على فوائد مادية (الكسب غير المشروع). ألا أن من الأهمية التطرق إلى نوعين من الفساد ينخر في أجهزة الدولة وهو الفساد الذي يقوم به كبار المسؤولين والموظفين لتحقيق مصالح مادية أو اجتماعية كبيرة وهو اهم واشمل واخطر لتكليفه الدولة مبالغ ضخمة
، حيث أن الفساد السياسي له صور كثيرة منها فساد القمة وهو الصورة الواجب دراستها بعمق والتركيز عليها من بين صور الفساد لأنها تشكل المرتكز الأساس لفساد المستويات الدنيا وتجعل أثاره اخطر أنواع الفساد وترجع خطورته إلى ارتباطه بقمة الهرم في النظم السياسية8 لذا فان الانتهاكات التي تعتبر أساس الفساد هي الرشوة والتي تعد من الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة وخاصة (الرشوة الانتخابية والرشوة الدولية) لذا استوجب بنا بحثها وكالاتي:
1- الرشوة الانتخابية
الرشوة هي مفتاح كل الآفات وكل الانعكاسات المدمرة لكيان المجتمع العربي بفضل ما تقدمه من تسهيلات لخرق القانون والتحايل عليه وتمرير الصفقات المشبوهة وما ينجم عن ذلك من أثار مباشرة تكبح كل عناصر النمو والتنمية وتزيد من تردي الأخلاق والانحلال الأسري وكبح الاستثمار المنتج الفعال الذي يساهم في خلق الثروة ورقي المجتمعات فمن بين هذه الأثار زعزعة الاقتصاد وضرب المشاريع وزيادة الثراء الفاحش دون جهد وتبذير الأموال وما ينتج عنها من أفات وفي الأصل أن الموظف العام يمنح سلطات أو صلاحيات كي يستعملها في الحدود التي رسمها القانون وتحقيقا لما ابتغاه فاذا استخدامه بغير ذلك عد مرتكبا لجرائم الفساد، ولذا تعرف الرشوة بانها الإتجار بأعمال الوظيفة أو الخدمة9، وبما أن الرشوة إتجار الموظف العام بوظيفته واستغلالها لفائدته الخاصة فتتخطى بذلك مقومات العدالة بحصول الراشي على ميزات أو خدمات يعجز عن الحصول عليها بدون الرشوة متخطيا حقوق الأخرين فتثير الاضطرابات في العلاقات الإنسانية وتحدث إهدارا للقيم والعائدات السائدة وتشكل تهديدا لسلطة الدولة والقانون باعتبارها من اخطر الآفات التي تصيب الوظيفة العامة.
وبما أن الفساد ظاهرة متعددة الأشكال وان العلاقة بين الفساد السياسي والفساد الانتخابي كبيرة إذ هنالك من يذهب إلى تقسيمه تقسيمات أخرى ومن اكثر من زاوية ورغم وجود هذه الأنواع الكثيرة ألا أن أشكاله واحدة في كل الأنواع.
ففيما يتعلق بالفساد الانتخابي موضوع بحثنا فله عدة أشكال حسب القانون الذي يحكمه كالقانون الجنائي والقانون الانتخابي، وان الجرائم الأكثر شيوعا في العملية الانتخابية هي: استخدام موارد الدولة في العملية الانتخابية وكذلك الرشوة التي تستخدم من قبل هؤلاء المسئولين وبمختلف الطرق. ألا أننا سوف نبين أولا الأشكال الرئيسية للفساد في العملية الانتخابية:
- التمويل غير المشروع للحملات الانتخابية ويقصد به توفير الدعم المالي من قبل الأشخاص الذين يملكون السلطة للمرشحين أو الأحزاب السياسية أثناء الحملات الانتخابية أذ نصت المادة 29 من قانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم 45 لسنة 2013 نصت على (يحظر الأنفاق على الدعاية الانتخابية من المال العام أو من موازنة الوزارات أو أموال الوقف أو من أموال الدعم الخارجي.
- استخدام ممتلكات الدولة وذلك عن طريق استخدام الأشخاص أو المرشحين بحكم مناصبهم العسكرية أو المدنية ممتلكات الدولة أو الخدمات البلدية بغض النظر عن ملكيتها في تغطية الحملات الانتخابية، وقد أشارت المادة 27 من القانون نفسه على إن لا يجوز لموظفي دوائر الدولة والسلطات المحلية استعمال نفوذهم الوظيفي أو موارد الدولة أو وسائلها أو أجهزتها لصالح انفسهم أو أي مرشح بما في ذلك أجهزتها الأمنية والعسكرية بالدعاية الانتخابية أو التأثير على الناخبين.
- الرشوة: ان ممارسة الرشوة أثناء فترة العملية الانتخابية تلعب دور كبير في التأثير على الإرادة الحرة للشعب. وذلك اخطر ما يمكن تصوره في هذا المجال هو استخدام المال للتأثير على صحة التمثيل النيابي لأفراد الشعب في مرحلة الانتخابات من خلال إغراء الناخب بالوعود والهبات والهدايا لتوجيه إرادته نحو التصويت لمصلحة حزب أو مرشح معين حينما يستغل صاحب المال حالة الفقر أو المرض أو البطالة أو انعدام الخدمات لدى الناخب ومن ثم السعي لسلب حريته في الاختيار من خلال تقديم الهبات المالية والوعود بالتوظيف أو تقديم الخدمات أو منح المساكن ما ينتج عنه أن التمثيل النيابي لا يعكس الإرادة الحقيقية للمواطنين.
ومما تجدر الإشارة إليه أن النماذج المبينة أعلاه لا تعني أن كل جريمة منها ترتكب على حدة بل يمكن أن ترتكب تلك النماذج من شخص واحد وان أكثرها ارتكابا هي الرشوة والتي تتم باستخدام موارد الدولة.
حيث نلاحظ أن المشرع العراقي عنون الفصل السابع من قانون انتخاب مجالس المحافظات والأقضية والنواحي 2008 لسنة 36 بـ(الجرائم الانتخابية) وقد ذكر في مواده 38-45 تلك الجرائم على سبيل الحصر، وقد خصص المشرع فقرتين من نص المادة 39 لصورتي جريمة الرشوة الانتخابية، كما تم إصدار نظام (الجرائم والعقوبات المتعلقة بالانتخابات والاستفتاءات رقم 14 لسنة 2008 ومن الانتقادات التي يتم توجيهها لهذا النظام بان الأصل بان مجلس المفوضين مخول بإصدار الأنظمة والتعليمات التي تضمن نزاهة العملية الانتخابية بما لا يتجاوز به الاختصاصات التي يمنحها الدستور لسواه من السلطات في الدولة، فلا يكون من شأن هذا التخويل القانوني لمجلس المفوضين أن يتعدى حدود التنظيم العام للعمل والتي لا تصل بحال من الأحوال إلى تجريم الأفعال المعاقب عليها. وهو رأي نميل إليه حيث لا يمكن أن يكون أساس التجريم والعقاب في مثل هذا النظام.
ولاريب أن البرلمانية في العراق كانت هي الأخرى من بين التحولات التي شهدها عراق ما بعد 2003، إذ أن النظام السياسي في العراق بموجب دستور 2005 هو نظام برلماني،1 ولما كان مجلس النواب العراقي – كأي برلمان أخر – يعد احدى الدعامات الأساسية في أي نظام نزاهة، واي محاولة للقضاء على الفساد في الدولة تبدأ منه، باعتباره – أي البرلمان – يشكل حلقة وصل ما بين الحكومة والمجتمع، ويلعب دورا هاما في إخضاع الحكومة لمساءلة جمهور الناخبين الذين يمثلهم البرلمانيون الذين صوت الناس لهم في الانتخابات بهدف تطبيق مبادئ النزاهة، والمساءلة والشفافية في الحكم إسهاما في مكافحة الفساد.
دكتور القانون العام والاقتصاد
وخبير امن المعلومات
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان