الخريطة العالمية التي ترصد تأثير النشاطات البشرية على الكائنات الحية، تقول إن ربعها على الأقل مهددٌ بالاندثار. وإن العالم يقترب من «الانقراض السادس» للكائنات الطبيعية؛ إذ لن يستطيع إنقاذها كلها في ظلّ تسارع اندثارها، هذا ما حذّر بة كريغ هيلتون تايلور المسؤول في الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة عن القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالإنقراض( IUCN Red List ) بعد تحديثها. ولا تنصح القائمة الحمراء بسياسات عمل، بل هي مجرّد عرض للحقائق. وعلى المسؤولين لاحقاً أن يحلّلوها ويحددوا ما ينبغي اعتمادها مستقبلاً لحماية تلك الأنواع المهددة بخطر الإنقراض وهناك الآن تقارير ودراسات علمية ميدانية ضخمة تفيد بأن الكائنات الحية على الأرض دخلت الانقراض الجماعي السادس، وأكد الباحثون أن الانقراض الجماعي هو مجرد واحد من التهديدات الوجودية المتشابكة التي تواجهها الحضارة البشرية.
وقد حدث أشهر انقراض جماعي على الأرض عندما ضرب كويكب عملاق الأرض وقضى على الديناصورات قبل 66 مليون سنة، كذلك على حوالي 76% من الأنواع في العالم، ولم يكن هذا الانقراض هو الوحيد الذى واجه الأرض عبر تاريخ كوكبنا البالغ 4.5 مليار سنة ولكن هناك خمسة، ويتساءل الخبراء، هل سيكون هناك انقراض سادس قريبا؟.
في البداية، حدد الباحثون الأنواع المُهددة وشبه المهددة بالانقراض، فوجدوا أن هناك 2120 من الطيور، و2060 من البرمائيات و1277 من الثدييات في طور التهديد الجدِّي بالانقراض، ثم نظر الباحثون في الضغوط البشرية في نطاق بيئات تلك الأنواع.
وفقا لما ذكرته صحيفة “ديلى ميل” البريطانية، حدثت جميع أحداث الانقراض منذ ملايين السنين، لكن العلماء الآن يخشون أن يحدث سادسها أمام أعيننا، ومع ذلك ، فإن هذا التهديد لا يأتي من كرة ضخمة من الصخور تندفع نحونا من الفضاء الخارجي، كما أنه ليس مرتبط بالطبيعة وهي تستعرض قوتها في شكل ثوران بركاني هائل أو تسونامي كارثي، ولكن المشكلة من أعمال البشر.
ان تغير المناخ بلا شك يؤدي دوراً في تواتر حرائق الغابات وقوتها. ولكن عندما يلاحظ الخبراء التهديدات التي تتعرض لها هذه الأنواع، فقد يشيرون إلى «زيادة تواتر الحرائق» بدلاً من التغيير المناخي، فمثلاً، فطر الشيتريد يقضي على البرمائيات في كل أنحاء العالم، ويرتبط ظهوره بالتغير المناخي، لكنه اليوم مصنف ضمن فئة التهديد ذي الصلة للأنواع الغازية. وتتمثل التحذيرات أيضا في أن الفيضانات والجفاف وحرائق الغابات الناجمة عن تغير المناخ يمكن أن تلحق أضرارًا كبيرة بكوكبنا مثل ما فعله كويكب عملاق أو انفجار بركاني ضخم من انقراض فيما سبق.
كما تشهد الأرض حاليًا أزمة في التنوع البيولوجي وفقدانة، وهو نتيجة تأثير غير مباشر للثورة الصناعية، بسبب الأنشطة البشرية مثل إزالة الغابات والصيد الجائروتدمير البيئات الطبيعية للكائنات الحية . كما أن انتشار الأمراض الغازية من التجارة البشرية، وكذلك التلوث وتغير المناخ الذي يسببه الإنسان، كلها تهديدات خطيرة لكوكبنا.
ووجدت الأبحاث التي نُشرت العام الماضي أن قطع الأشجار والصيد الجائر دفعت 500 من الثدييات والطيور والزواحف والبرمائيات إلى حافة الهاوية، وتختفي الأنواع بأكثر من 100 ضعف المعدل الطبيعي، وفقًا للباحثين بقيادة البروفيسور جيراردو سيبايوس من جامعة المكسيك الوطنية في مكسيكو سيتي.
وقيم الخبراء ما يقرب من 135000 نوع على مدار نصف القرن الماضي، وما يقرب من 28% منها معرضة حالياً لخطر الانقراض، مع فقدان الموائل والاستغلال المفرط والتجارة غير المشروعة التي أدت إلى الخسارة. وذهب الصندوق العالمي للطبيعة إلى أبعد من ذلك، مدعيا أن العالم يتجه نحو أكبر حدث انقراض جماعي منذ الديناصورات خلال العقد المقبل، مما دفع ملايين النباتات والحيوانات إلى الانقراض.
ويقول الخبراء إن هذا المعدل المتسارع والمقلق للانقراض، وفقدان الأنواع حاليًا أعلى من أي وقت مضى منذ أن تم القضاء على الديناصورات. وأنه إذا استمر المعدل الحالي كما هو، وإذا انقرضت جميع الأنواع المصنفة الآن على أنها مهددة بالانقراض أو المهددة بالانقراض أو المعرضة للخطر في القرن المقبل، فيمكننا أن نصل إلى مستوى الانقراض الجماعي في حوالي 240 إلى 540 عامًا.
وأخيرا يُمكن القول إن حياة البشر مُهددة هي الأخرى، وإن القطار الذي انطلق على قضبان الانقراض لن يتوقف حتى يصل إلى محطته الأخيرة، “تلك المحطة هي الإنسان”، كما يقول “كوي”، الذي يُؤكد أنه من الغباء تصوُّر أن ما يفعله البشر في محيطهم الحيوي لن يمسهم في نهاية المطاف، “نحن جزء من منظومة شديدة الاتساق.. وحين يحدث الخلل، سيصل تأثيره إلينا، وسينتهي نوعنا، وسيكون مصيرنا كمصير سادة الأرض السابقين.. الديناصورات”.
بقلم: ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد-مؤسس كلية ا البيطرى جامعة عين شمس ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان استاذ وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير التغيرات المناخية بوزارة البيئة- الأمين العام المساعد للحياة البرية بالاتحاد العربي لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية.