تزايدت الاستغاثات عبر وسائل التواصل الإجتماعي تطالب بحقوق المظلومين. استغاثة تطالب بحق شهيد ” لقمة العيش” الذي دهسه سائق مستهتر يسير بسرعة متهورة وهرب ، وهناك الالاف من الحالات المتشابهة . واستغاثة ثانية تطالب بحق شهيد الشهامة ( وما اقلهم في زماننا ) الذي فقد حياته بطعنات شباب مستهترين بعد أن تدخل لحماية فتاة لا يعرفها من عبثهم ، واستغاثة ثالثة تطالب بحق شاب يعيش في حي شعبي دفع حياته ذبحا أمام أسرته لأنه تجرأ وتصدى لمجموعة من البلطجية ترهب كل أهالي الحي وترهقهم بالاتاوات دون أن تحرك من الأجهزة المعنية لحمايتهم .
واستغاثة أخرى من فتيات بريئات يطالبن بحقوقهن بعد تعرضهن لاستغلال بعض الذئاب البشرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي مما أدى لتشويه سمعتهن .واستغاثات تكشف الخلل المجتمعي تطالب بحقوق بنات صغيرات قتلن على يد الجارة طمعا في حلق ذهبي لا يتعدى ثمنه مئات الجنيهات ، أو قتلن على يد ابن الجيران بعد هتك عرضهن، وذلك بعد أصبح معظم الجيران لا يأمنون جارهم بسبب البعد عن تعاليم الدين الحنيف وتجاهلنا العمل بالأحاديث النبوية الشريفة فعن أَبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم :” والله لا يُؤْمن والله لا يُؤْمن والله لا يُؤْمن ” قيل من يا رسول الله قال: من لا يأْمَنْ جاره بوائقه ” متفق عليه .
وفي روايةٍ لمسلمٍ: لا يَدْخُلُ الجنَّة مَنْ لا يأْمَنُ جارُهُ بوَائِقَهُ”.
وحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورِّثه ” رواية السيدة عائشة رضي الله عنها وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما .
واستغاثات مملوءة بصرخات سيدات مطلقات واطفالهن يلهثون منذ سنوات لتنفيذ أحكام قضائية صدرت بحقوقهن.
ما ذكرته مجرد نماذج من واقع يئن بملايين الاستغاثات من رجال ونساء وأطفال ، من شباب وشيوخ ، من أفراد ومؤسسات وهيئات كلها تطالب بحقوق ضائعة بسبب تأخر صدور الأحكام القضائية أو من تأخر تنفيذ الأحكام لسنوات بعد صدورها.
وحتى نكون منصفين لا تتحمل إجراءات المنظومة القضائية الرسمية وحدها مسئولية هذه الأزمة . فهناك سلوكيات مجتمعية وفساد الذمم لبعض المحامين وبعض الموظفين تعرقل مسار التقاضي وتعطل تنفيذ الأحكام . فمثلا تنفيذ الأحكام يوكل إلى قسم أو مركز الشرطة وتقع في النهاية على مسئولية مخبر الحي أوالمنطقة الذي يتقاعس بدورة في البحث عن الشخص المطلوب واذا وجده يحدث ما نعرفه جميعا (يأخد اللي فيه النصيب) ليعود الى مقر عمله ويسجل العبارة المعروفة ” المطلوب غير موجود في محل اقامته ” . وأعلم هارب من حكم بالسجن لمدة عام في قضية تبديد ويسير “عيانا بيانا ” ليلا ونهارا في حماية أحد أقربائه يعمل أمين شرطة رغم احاطة ضباط بمركز الشرطة المعني بتنفيذ الحكم ، وهكذا حتى يسقط الحكم ويضيع الحق .
ويؤكد الخبير القانونى المتخصص فى الشأن الأسرى رمضان عويس أن بعض المحامين والموظفين الإداريين والمحضرين أول من يشارك فى تعطيل تنفيذ الأحكام . وقال في تحقيق صحفي نشرته صحيفة صوت الأمة :” ينصح بعض المحامى موكله – على سبيل المثال لا الحصر – بقول أن منقولات الزوجية التى أمرت المحكمة بالحجز عليها ليست ملكه أو يقوم بتغير محل الإقامة أو السفر أو غلق شقة الزوجية أو تأجيرها، وذلك بالتواطؤ مع أحد أفراد القسم التابع له والمحضرين القائمين على التنفيذ حيث يبلغونه قبل موعد التنفيذ”.
واضاف الخبير عويس قائلا بكل وضوح : ” عملية الرشاوى تسيطر بشكل كبير على عملية تنفيذ أحكام محكمة الأسرة لعدم تنفيذها من خلال عدم القيام بالإبلاغ أو يكتب الموظف أنه لم يستدل على الشخص أو العنوان”.
والحقيقة ان معوقات تنفيذ أحكام محكمة الأسرة ينطبق على تنفيذ غالبية الأحكام القضائية . وهكذا تهتز منظومة العادلة في المجتمع المصري بسبب عدم تنفيذ 10 ملايين حكم قضائي . وهذا الرقم الخطير ذكرته جريدة الاهرام قبل قرابة 6 سنوات ونشرت تحقيقا صحفيا مطولا في 24 يناير 2016 بعنوان : (بعد أن وصل العدد لـ 10 ملايين.. تنفيذ “الأحكام” حلم يمكن تحقيقه؟ ). وأعتقد أن الواقع يشير أن هذا الرقم يتزايد مع تزايد المشاكل في المجتمع وتزايد اللجوء الى المحاكم في غياب مجالس الصلح العرفية التي كانت تحل الكثير من المشاكل بعيدا عن ساحة القضاء ، وتراجع تاثيرها حاليا بسبب الخلل الذي أصاب القيم المجتمعية، وأهمها القيمة الذهبية وهي ”احترام الصغير للكبير وعطف الصغير على الكبير “.
والحل العملي والسريع طرحه كثيرون ويتمثل في إنشاء الشرطة القضائية . وأتفق تماما مع الرؤية التي طرحها المستشار أحمد عاشور رمضان بهيئة قضايا الدولة في جريدة الاهرام يوم 18 مارس 2016 وقال فيها : “وقد أضحت إشكالية تنفيذ هذه الأحكام معوقا للعدالة فى النظام القضائى المصرى والعربى ، لذلك أقترح انشاء جهاز الشرطة القضائية وأن تكون تبعيته الإدارية لوزير العدل ورؤساء المحاكم الابتدائية بالمحافظات ، بحيث يعمل بالتوازى مع الشرطة العادية غير أنه متخصص فى آلية التعامل مع معوقات تنفيذ الأحكام القضائية وسرعة تنفيذها ، كما أنه يتلقى أوامره مباشرة من الجهاز القضائى التابع له ويتعامل مع منظومة متكاملة تحوى قاعدة بيانات كاملة ومتجددة باستمرار للأحكام النهائية واجبة النفاذ”.
وركز المستشار المستشار احمد عاشورعلى نقطة حيوية جدا تتعلق بالتوعية المجتمعية بأهمية تنفيذ الأحكام فقال: “يجب أن يقترن إنشاء جهاز الشرطة القضائية أيضا بتغيير ثقافة أبناء الشعب من خلال وسائل الإعلام والتربية الثقافية على ضرورة احترام سيادة القانون وأن تنفيذ الأحكام يعد دليلا على احترام الحقوق والحريات داخل المجتمع” .
Aboalaa_n@yahoo.com