الكبير دائمًا يُعانى، لا لشىءٍ سوى أن القدر ألقى عليه بكل ثُقلٍ عبء المسئولية ليتحمَّل واجباته، ومنذ فجر الخليقة كانت مصر دائمًا على العهد، تُدافع عن بقائها وأشقائها وجيرانها وقارتها وعالمها، ضد إرهابٍ عنيدٍ لا يعرف حُرمةً للدماء مصريةً كانت أم غير مصرية، وقد قاد جيشها الوطنى وشرطتها الباسلة معارك ضارية معه فى سيناء وعلى الحدود مع غزة، وضد المُتسللين للداخل من كل الاتجهات، القادمين من بلدان النزاعات والصراعات العرقية، والمُنتمين للحركات والجماعات المسلَّحة التى تُؤمن بالعنف سبيلًا، وتتبنى الأفكار المتطرِّفة طريقًا، ودفعت فى سبيل ذلك أرواحًا زكيةً من خِيرة شبابها، لينعم بنو آدم جميعًا بالأمن والسلام الذى تحلم به البشرية، وتأمل أن تراه فى الغد القريب واقعًا ملموسًا تحياه مُعاشًا على الأرض.
وإيمانًا برسالتها العُظمى، واصلت مصر مشوارها فى فرض الأمن المحلى والإقليمى والدولى؛ بتبنيها مجموعةً من الأهداف التى عملت عليها، وكان من شأنها تقويض شأفته، وكسر شوكته، ودحره قرونًا للوراء، إذ كلَّفت الدولة، وبتوجيهاتٍ من قيادتها السياسية الحكيمة، التى تعرف قدر الأرواح والممتلكات، ومعنى وحدة الدم والمصير، مؤسساتها الدينية بتطوير الخطاب الدينى، الذى يتماشى وواقع العصر، ويشعر المُتلقِّى من خلاله بفريضة التآلف والتآخى، والعيش المشترك، ومن ثمَّ قبول الآخر المُختلف معنا فى اللون والجنس والمُعتقد، كما أطلقت حملاتها العسكرية ضد الأوكار والمخابئ والجبال التى يتخفَّى فيها الإرهابيون، ونجحت خلال فترةٍ وجيزةٍ، فى تحقيق نصرٍ كبيرٍ عليه، ما جعل من سمعتها داخليًا وخارجيًا، بأنها الدولة التى تُحارب الإرهاب نيابةً عن العالم.
نعم، لقد فعلتها أم الدنيا كثيرًا، حين دافعت وبكل قوةٍ عن أرضها وشعبها ومقدَّراته، ليس فى محيطها وعلى طول محافظاتها المُترامية الأطراف، من جماعات الشر والمتأسلمين فحسب، بل أزالت الأخطار التى تتهدَّدها وتُكدِّر صفو جيرانها خارج حدودها، فى بر ليبيا بمواجهة المرتزقة والقوات الأجنبية، وضد الطامعين فى ثرواتنا وثروات أصدقائنا من حقول البترول فى مياه المتوسط، وشاركت فى التحالف العربى دفاعًا عن سلامة المملكة العربية السعودية ضد جماعة الحوثى المارقة باليمن، كما خاضت حروبًا شعواء ضد المحتل الإسرائيلى المُغتصب لأراضى فلسطين وسوريا ولبنان والأردن، وما زالت تُواجه بمواقفها حتى اليوم، فرضًا للسلام الشامل والعادل، وتحقيقًا للمبدأ الإنسانى الذى جاء الإنسان من أجله، وهو إعمار الكون والسعى فى مناكبه للرزق فى أمنٍ وطمأنينةٍ، لأننا سواسية بحكم السماء والقانون الوضعى الذى خطَّه البشر أنفسهم.
حين يُعلن رئيس وزراء مصر، د. مصطفى مدبولى، فى كلمته التى ألقاها نيابةً عن الرئيس السيسى، فى قمة الاتحاد الأفريقى، عن ضرورة صياغة استراتيجية أفريقية واضحة للقضاء على خطر التطرُّف والإرهاب، وتجفيف منابع تمويله، واستعداد مصر فى ذلك لتقديم المساعدة لدول القارة؛ من خلال تكثيف الدورات التدريبية المُقدَّمة لكوادرها فى مجال مكافحة الإرهاب، والمشاركة فى بعثات حفظ السلام الأممية، ومواصلة تلك الجهود بواسطة مركز الساحل والصحراء لمكافحة الإرهاب من مقره بالقاهرة، وتقديم المزيد من الدعم، سواء على المستوى الثنائى أو من خلال آليات الاتحاد الأفريقى، فاعلم أننا اكتسبنا الخبرات التى تُؤهِّلنا لذلك، والقُدرات التى تُمكِّننا من تحقيقه، وأن أمن القارة السمراء لم يكن أبدًا يومًا غائبًا عن عقل المحروسة وقلب قائدها، كما أن القاهرة، وكما جاء فى كلمة مدبولى، لن تدخر جهدًا نحو العمل مع أشقائها الأفارقة، بما يُسهم فى تخطى التحديات التى تُواجه بلدان القارة، وتحقيق تطلعات شعوبها نحو الأفضل.
يقينى ثابتٌ بأن الرؤية المصرية لهذا الملف ستلقى قبولًا واسعًا لدى الشعوب الأفريقية قبل قادتها، وأيضًا استجابةً سريعةً من الاتحاد الأفريقى نفسه، لأن ما تُعانيه أفريقيا حاليًا من ويلات التطرُّف والإرهاب، وما تُمارسه الجماعات المُسلحة الخارجة عن القانون، والحركات المتمرِّدة على السلطات، خلافًا لحالة عدم الاستقرار فى كثيرٍ من بلدانها؛ نتيجة هذه الآفة الخطيرة، يدعو للإسراع فى تبنِّى وجهة النظر المصرية، وقد رأى الأفارقة وشاهدوا بأم أعينهم، كيف استطاعت مصر التغلُّب على تحديات الإرهاب الجبان، وكيف اقتلعته من جذوره فى بضع سنواتٍ قلائل، هى فترة حكم الرئيس السيسى لمصر، كما أنهم لمسوا جيدًا ما فعلته وتفعله مصر للقارة جمعاء؛ لأجل تنمية مواردها وازدهارها، وهو ما لا يستقر فى وجود خطر الإرهاب الخسيس.
على قادة السمراء واتحادها أن يستجيبوا لصوت العقل مرة، لكون المكاسب لأفريقيا وفيرة فى هذا الشأن، ويكفى أن النداء يخرج من دولةٍ أفريقية ذات وزنٍ وثقلٍ دوليين، وجيشها يحتل تصنيفًا عالميًا فى قوته يدعو للفخر، وبدلًا من جلب الجنود الأجانب بالعملات الصعبة لتحقيق الأمن الزائف، فها هو السند الأفريقى من بينهم موجودٌ يحفظ ويُؤمِّن ويُدرِّب ويدفع الخطر، ويُمهد الطريق لأن تبقى أفريقيا قارة الاستثمار والنفوذ والكلمة، بما تمتلكه من موارد وثروات وكنوز لم تُعط لغيرها، كما أن الرئيس السيسى يحتضن كل ما هو أفريقىٌّ، لأنه من أبناء القارة السمراء، وسليل نبتها الطيب ونيلها العذب.. تحيا مصر صاحبة الأيادى البيضاء عبر التاريخ.