على الرغم من اختلاف الفساد من مكان إلى آخر بصوره وأشكاله وحجم انتشاره وأثره على مختلف نواحي الحياة، يعتبر من أهم أسباب الضعف الداخلي والخارجي للدول. فالفساد في جوهره حالة تفكك تعتري المجتمع نتيجة فقدانه لسيادة القيم الجوهرية، ولعدم احترام القانون، وعدم تكريس مفهوم المواطنة، وغياب ثقافة حقوق الإنسان واحترامها بشكل طبيعي وتلقائي.
ومن هنا تبرز الحاجة إلى جعل مشكلة الفساد وتفشيه في المجتمع أولوية رئيسة من أولويات الدولة، فآثاره المدمرة على النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية تهدد قوتها ومكانتها على الصعيدين الداخلي والدولي.
لذا وجب عليها العمل على تعزيز قيمتي الشفافية والمساءلة في تشريعاتها واستراتيجية عمل مؤسساتها قصد نشر ثقافة مكافحة الفساد ومحاصرته وترسيخ قيم النزاهة ما بين مختلف شرائح المجتمع.
حدد الدستور المصري الصادر في 2014 وتعديلاته في 2019، عددًا من المواد التي تكفل مبدأ الشفافية وتكافح أوجه الفساد المختلفة، وتستعرضها «المصري اليوم» على النحو التالي:
ونصت المادة 27 من الدستور، على أن: «يهدف النظام الاقتصادي إلى تحقيق الرخاء في البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي، ورفع مستوى المعيشة، وزيادة فرص العمل وتقليل معدلات البطالة، والقضاء على الفقر.
ويلتزم النظام الاقتصادي بمعايير الشفافية والحوكمة، ودعم محاور التنافس وتشجيع الاستثمار، والنمو المتوازن جغرافيا وقطاعيا وبيئيا، ومنع الممارسات الاحتكارية، مع مراعاة الاتزان المالي والتجاري والنظام الضريبي العادل، وضبط آليات السوق، وكفالة الأنواع المختلفة للملكية، والتوازن بين مصالح الأطراف المختلفة، بما يحفظ حقوق العاملين ويحمى المستهلك.
ويلتزم النظام الاقتصادي اجتماعياً بضمان تكافؤ الفرص والتوزيع العادل لعوائد التنمية وتقليل الفوارق بين الدخول والالتزام بحد أدنى للأجور والمعاشات يضمن الحياة الكريمة، وبحد أقصى في أجهزة الدولة لكل من يعمل بأجر، وفقا للقانون.«
كما نصت المادة 218 من الدستور، على أن تلتزم الدولة بمكافحة الفساد، ويحدد القانون الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بذلك.
وتلتزم الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بالتنسيق فيما بينها في مكافحة الفساد، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية، ضماناً لحسن أداء الوظيفة العامة والحفاظ على المال العام، ووضع ومتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بالمشاركة مع غيرها من الهيئات والأجهزة المعنية، وذلك على النحو الذي ينظمه القانون.
أنه من ناحية أولى فإن المشرع الدستوري المصري – بموجب المادة 218 من الدستور الساري – وضع التزاما على عاتق الدولة بمكافحة الفساد، كما ألزم الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بالتنسيق فيما بينها فى مكافحة الفساد، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية من خلال عنصرين الأول ضمانًا لحسن أداء الوظيفة العامة والثاني الحفاظ على المال العام، ووضع ومتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد مع غيرها من الهيئات والأجهزة المعنية.
ومن ناحية ثانية فإن المشرع الدستوري – بموجب المادة 27 من الدستور – جعل هدف النظام الاقتصادي تحقيق الرخاء في البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية بما يكفل معدل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي ورفع مستوى المعيشة وزيادة فرص العدل وتقليل معدلات البطالة والقضاء على الفقر، بل ألزم المشرع الدستوري النظام الاقتصادي بمعايير الشفافية والحوكمة، ودعم محاور التنافس وتشجيع الاستثمار،
والنمو المتوازن جغرافيًا وقطاعيًا وبينيًا، ومنع الممارسات الاحتكارية مع مراعاة الاتزان المالي والتجاري، وضبط آليات السوق، وكفالة الأنواع المختلفة للملكية، والتوازن بين مصالح الأطراف المختلفة بما يحفظ حقوق العاملين ويحمى المستهلك.
من ناحية ثالثة، فإن المشرع الدستوري – بموجب المادة (28) من الدستور – جعلت الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية والخدمية والمعلوماتية مقومات أساسية للاقتصاد الوطني، وألزم الدولة بحمايتها، وزيادة تنافسيتها، وتوفير المناخ الجاذب للاستثمار، والعمل على زيادة الإنتاج، وتشجيع التصدير، وتنظيم الاستيراد، وتولي الدولة اهتمامًا خاصًا بالمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر في كافة المجالات، وتعمل على تنظيم القطاع غير الرسمي وتأهيله.
ولا ريب أن الحوكمة هي مجموعة من القوانين والنظم والقرارات التي تهدف إلى تحقيق الجودة والتميز في الأداء والرقابة عليها للوصول إلى الأهداف المرجوة وكم من حقوق ضاعت في عهود سابقة بسبب غياب المنهج العلمي للحوكمة كأسلوب للإدارة الرشيدة.
كيف تحاول مصر مكافحة الفساد؟
أ- أهم القوانين المحلية والإجراءات المتصلة بمكافحة الفساد
قانون العقوبات المصري هو الأشمل فيما يخص جرائم الفساد. فالباب الرابع من الكتاب الثاني منه مخصص لجرائم اختلاس المال العام والعدوان عليه. وينظم هذا الباب جرائم اختلاس الموظف العام لأموال، أو حصوله على أموال أو منفعة بدون وجه حق، أو تعدى على أرض زراعية أو فضاء بدون وجه حق، وغيرها من الجرائم المتعلقة بإساءة استخدام السلطة.
كما أولى المشروع عناية خاصة بالكسب غير المشروع، فأصدر قانون الكسب غير المشروع عام 1975 وتم تعديله عام 2015. ويُعرف القانون الكسب غير المشروع كأي مال يحصل عليه الخاضعون للقانون لنفسهم أو لغيرهم “بسبب استغلال الخدمة أو الصفة أو نتيجة لسلوك مخالف لنص قانوني عقابي أو للآداب العامة”
. ويلزم القانون في مادته الثالثة الخاضعين لهذا القانون (كل القائمين بأعمال السلطة العامة، ونواب مجلس الشعب وغيرهم) بتقديم اقرار الذمة المالية عن انفسهم وزوجاتهم وأولادهم القصر عند توليهم المنصب العام وكل 5 سنوات. ويتولى فحص اقرارات الذمة المالية والشكاوى الخاصة بالكسب غير المشروع هيئات “فحص وتحقيق” متعددة تُشكل من قضاة تختلف درجاتهم
وفي عام 2014، أطلقت مصر الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، التي أعدتها اللجنة الفرعية التنسيقية لمكافحة الفساد. وتبنت الاستراتيجية تعريفاً واسعاً للفساد مفاده أنه يشمل أفعال “إساءة استغلال السلطة المخولة لتحقيق مكاسب شخصية”. وهذا التعريف يتميز عن التعريف المعتمد من البنك الدولي الذي يُعرف الفساد بأنه “استغلال السلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة”. وبذلك وسعت الاستراتيجية مفهوم الفساد ليُطبق على القطاع الخاص كما العام. كما أشارت الاتفاقية إلى أنواع الفساد المختلفة في مصر من فساد مالي وإداري وسياسي، بالإضافة إلى التفرقة بين الفساد الذي يقوم به صغار الموظفين والذي يتم من خلال المسؤولين وكبار الموظفين.
وتعتمد الاستراتيجية عام 2008 كنقطة بداية لاهتمام الدولة المصرية بمكافحة الفساد من خلال الدراسات والتقارير المختلفة التي صدرت حول ظاهرة الفساد. واللافت أن الاستراتيجية المذكورة اعتبرت أن التقارير والدراسات الدولية حول الفساد في مصر غير دقيقة وتعكس صورة غير صحيحة حول واقع الفساد في هذا البلد.
ومن أهم الأسباب الاقتصادية للفساد التي نقرؤها في هذه الوثيقة، انخفاض الأجور وتفاوتها بشكل كبير، والمبالغة في الأنفاق الحكومي، والتوسع في أنشاء الصناديق الخاصة. أما الأسباب الإدارية، فهي القصور في الهياكل التنظيمية للجهاز الحكومي والإداري للدولة، والبيروقراطية الحكومية وتعقد الإجراءات وهو الأمر الذي يخلق مناخاً ملائماً لجرائم الفساد خاصة الفساد الذي يمارسه صغار الموظفين، وضعف الرقابة الداخلية على الأجهزة الحكومية، والقصور في نظم التعيين والتقييم والترقية في الوظيفة العامة، بالإضافة الى القصور في نظام المرتبات والأجور مثل عدم العدالة في توزيعها وعدم ربطها بالأداء الفعلي للموظف.
كما أشارت الاستراتيجية إلى الأسباب القانونية لوجود الفساد مثل ضعف حماية الشهود والخبراء والمجني عليهم في قضايا الفساد والمبلغين عنها، وطول الإجراءات القانونية والقضائية، والتراخي في تنفيذ العقوبات الصادرة في قضايا الفساد، وتعدد وتداخل التشريعات الخاصة بعمل الجهات الحكومية. كما ذكرت الاستراتيجية غياب الشفافية كسبب من أسباب الفساد واعترفت بقصور في حرية تداول المعلومات والبيانات والتي من شأنها عرقلة مهمة مكافحة الفساد، بالإضافة إلى أسباب أخرى. ومن خلال قراءة أسباب الفساد الواردة في هذه الاستراتيجية، نلاحظ أن الحكومة تدرك جيداً أسباب الفساد والقصور الموجودة في أجهزة الدولة المختلفة التي تحفز الفساد أو تعرقل مكافحته، فلماذا لا تتخذ الحكومة خطوات جدية ملموسة في حل هذه المشاكل والتخلص من الفساد؟
وحدّدت الاستراتيجية مدة 4 سنوات لتحقيق أهدافها، أي في عام 2018. ومن أهم هذه الأهداف، إرساء مبادئ الشفافية والنزاهة لدى العاملين بالجهاز الإداري للدولة، تطوير الإجراءات القضائية لتحقيق العدالة الناجزة،سن وتحديث التشريعات الخاصة بمكافحة الفساد، والارتقاء بالمستوى المعيشي للمواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية، وغيرها من الأهداف التي حددتها الاستراتيجية. وفي ظل الوضع الاقتصادي الحالي المتدهور في مصر، بسبب مشاكل اقتصادية وارتفاع سعر الدولار بالنسبة للعملة المحلية، وهي المشاكل الناتجة عن عدة أسباب، لا مجال لمناقشتها ، نجد انه من الصعب جداً ان يتم تحقيق هذه الأهداف خلال العامين القادمين، بمعزل عن وجود الإرادة السياسية أو عدمها.
ب- أهم أجهزة ولجان مكافحة الفساد في مصر
في مصر، تتعدد الجهات المعنية بمكافحة الفساد، ومن أبرزها
· جهاز الرقابة الإدارية: أنشئت عام 1964، ومن أهم اختصاصاتها: الكشف عن عيوب النظم الإدارية والفنية والمالية التي تعرقل السير المنتظم للأجهزة العامة واقتراح وسائل تلافيها، والكشف عن المخالفات الإدارية والمالية والفنية التي تقع من العاملين أثناء مباشرتهم لواجبات وظائفهم أو بسببها، وبحث الشكاوى التي يقدمها المواطنون عن مخالفة القوانين أو الإهمال في أداء واجبات الوظيفة، وبحث ودراسة ما تنشره الصحافة ووسائل الأعلام المختلفة من شكاوى أو تحقيقات صحفية تتناول نواحي الإهمال أو الاستهتار أو سوء الإدارة أو الاستغلال.
· الجهاز المركزي للمحاسبات: أنشئ في 1942 تحت اسم ديوان المحاسبة، ثم تم تغيير اسمه عام 1964 ليصبح الجهاز المركزي للمحاسبات مع توسيع اختصاصاته. وهو الجهاز الأبرز في الرقابة على اجهزة الدولة. وهو جهاز تابع لرئاسة الجمهورية ويقوم بالمراقبة على أموال الدولة وأموال الأشخاص العامة الأخرى
“ومراقبة تنفيذ الموازنة العامة للدولة والموازنات المستقلة ومراجعة حساباتها الختامية” ويقوم المجلس بالرقابة المالية بشقيها المحاسبي والقانوني، والرقابة على الأداء ومتابعة تنفيذ الخطة، والرقابة القانونية على القرارات الصادرة في شأن المخالفات المالية
· الهيئة العامة للرقابة المالية: التي أُنشئت عام 2009، وتختص بالرقابة والإشراف على الأسواق والأدوات المالية غير المصرفية
· الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة: أنشئ عام 1964، ثم صدر قرار بإعادة تنظيمه عام 1991. ويتولى الجهاز ”تطوير مستوى الخدمة المدنية، رفع الكفاية الإنتاجية وتحقيق العدالة في معاملة العاملين، والتأكد من مدى تحقيق الأجهزة التنفيذية لمسؤوليتها في ميدان الإنتاج والخدمات”
· هيئة النيابة الإدارية: وهي هيئة قضائية تتولى التحقيق في المخالفات الإدارية والمالية، ويجوز لها توقيع جزاءات تأديبية
· إدارة الكسب غير المشروع: منشأة بموجب قانون الكسب غير المشروع المذكور أعلاه. وهي إدارة تابعة لوزارة العدل، وتختص بطلب البيانات والإيضاحات المتعلقة بالشكاوى المتعلقة بالكسب غير المشروع.
· الإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة: وهي تابعة لوزارة الداخلية.
· وحدة مكافحة غسيل الأموال: وهي تابعة للبنك المركزي المصري، وهي تعني بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب
· اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الفساد: أنشئت عام 2010، وهي مُشكلة من ممثلين حكوميين. وتعنى بصورة رئيسية بتطبيق أحكام اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والاتفاقيات الدولية والإقليمية الأخرى، بالإضافة إلى أجراء تقييم دوري للتشريعات واللوائح والقرارات الوطنية ذات الصلة بمكافحة الفساد والوقاية منه
· لجنة الوقاية من الفساد المالي والإداري: وهي لجنة أنشأها وزير المالية السابق هاني قدري في فبراير 2016 بعضوية ممثلين حكوميين. ومن مهامها وضع التدابير اللازمة للوقاية من الفساد الإداري والمالي، والعمل على منع حدوثه. كما أن قرار أنشائها نص على ضرورة التنسيق وتبادل المعلومات مع اللجنة الوطنية التنسيقية للوقاية من الفساد ومكافحته