يرى أنصار نظرية الاختيار العام أنه يمكن تخفيض الفساد بالتقليل من الفرص المتاحة لجني الريع ، وذلك بالتحرر الاقتصادي، والحد من قوة الدولة من خلال مزيج من الإصلاحات الاقتصادية كالخصخصة وإزالة الرقابة على الأسعار، وعلى القطاع المصرفي، وإزالة المعونات وتخفيض التعريفات الجمركية وأشكال الرقابة الأخرى على التجارة والتوقع هو أنه بتخفيض حجم القطاع العام والتدخل المباشر في النشاط الاقتصادي وتخفيض فرص جني الريع يقل الفساد ( world Bank. 1997b )
ويمكن للإصلاح الاقتصادي أن يكون له نتائج عكسية على الفساد ولا سيما في الأجل القصير. فمثلاً في غياب قوة الإجبار في الإصلاحات الضريبية المخصصة لزيادة الإيرادات الحكومية يمكن أن يزيد الحوافز على الممارسات الفاسدة . كما أن الخصخصة في غياب إجراءات تنظيمية قوية فعالة ذات إمكانية كبيرة لتوليد مستويات عالية من السعي لجني الريع الاقتصادي ولا سيما في الاحتكارات الطبيعية، ويشير المنتقدون للإصلاح الاقتصادي إلى الحاجة إلى مصادر جديدة للدخل والعمالة خارج نطاق القطاع العام لتخفيض حوافز سلوك جني الريع من ناحية ، وللإصلاحات السياسية لتوفير بيئة مؤسسية يمكن من خلالها معالجة الفساد من ناحية أخرى. (White: 1996, Kong 1996)
وهذا الإصلاح يستلزم في نظرية الاختيار العام مزيداً من الرقابة المحكمة والتنظيم الصارم لهذه الإصلاحات حتى لا يكون المنتفع النهائي من هذه الإصلاحات النخبة التي تنتمي للدولة.
وعلاوة على ذلك ، فإن غياب الفرص الاقتصادية البديلة يحد من مجال تخفيض الفساد إذا ما ظل القطاع العام المصدر الأساسي للدخل والعمالة الرسمية ( World Bank, 1997a )
أما مدخل الجماعية فيرون إمكانية الحد من الفساد بخلق المؤسسات الديمقراطية الجديدة، كالمشرعون المنتخبون، ولجان البرلمانات المنتخبة والمؤسسات الرقابية ونحوها، لأن هذه الإصلاحات السياسية تساهم في خلق بيئة أكثر حفزاً في تخفيض الفساد لأنها تزيد استجابة السياسية لرغبة أفراد المجتمع (little, 1996)
ويرد على هذا الرأي بأنه رغم أن المنافسة السياسية تقدم نخباً سياسية جديدة يمكن أن تتخذ تصرفات جادة ضد الفساد، إلا أن هذا لا يمنع من اتخاذ تلك النخب لنفسها مزيداً من الفرص لجني الريع، كما بدا ذلك في القارة الأفريقية .
وعلاوة على ذلك فليس هناك ارتباط معنوي بين الحقوق والعمليات الديمقراطية والفساد، كما أثبت ذلك (Johnston) في دليله الإحصائي. ويضاف إلى ما سبق فإن هناك الكثير من الأمثلة لبلدان زاد الفساد، مما يعني أن هذه المؤسسات والوكالات لا يكتب لها النجاح في مقاومة الفساد إلا بتنظيم الأفراد لأنفسهم تنظيماً فاعلاً، وهو ما يطلق عليه (Johnston)مفهوم التقوية الاجتماعية، ويقصد بها نطاق الموارد الاقتصادية والسياسية المتاحة للمواطنين المدنيين كأساس لمقاومة الفساد المنتظم أو الممتد.
وعليه فالمظاهرات الجماهيرية ضد السياسيين الفاسدين كثيراً ما دفعت السلطات إلى إزالة هؤلاء الفاسدين من أمكانهم ومراكزهم في بعض الدول كما حدث لحكومة نظير بوتو في باكستان ، وكولردي ميلو في البرازيل .
ولكن هذه المظاهرات ليست حلاً جذرياً للمشكلة وخصوصاً عندما يكون الفساد ممتداً، وإنما قد تفضى إلى غياب مؤقت لها، ولكن سرعان ما تظهر على السطح
من خلال قنوات أخرى . لذا لا بد من دعم هذا المبادرات بإيجاد منظمات ومشروعات وشبكات داخل المجتمع المدني يمكن من خلالها مراقبة سلوك الأفراد الرسميين وزرع الثقة الجماهيرية فيما يقوم به موظفو الدولة الرسميون من واجبات ووظائف. ورغم كل ذلك فليس كل المنظمات داخل المجتمع على وتيرة واحدة في مكافحة الفساد، فقد يكون بعضها قوة دافعة لمكافحة الفساد، ومع ذلك فإن هناك مجموعات أخرى من هذه المنظمات منتفعة منه ومن ثم تقاوم التغيير، لذا يقترح البعض تدعيم هذا الأمر وتكميله بواسطة تدخلات مؤسسية .
مدخل الأشواك المتعددة:-
تقوم جهود مكافحة الفساد وفقا لمدخل الأشواك المتعددة على مجموعة من الإصلاحات السياسية والتشريعية والمؤسسية . وأما السياسية فكتقوية آليات إمكانية المحاسبة والرقابة على استخدام الموارد، وتحسين شروط تشغيل المستخدمين، وعدم محاباة الأقارب في التعيين ونحو ذلك. وأما التشريعية فكإصلاح النظام القانوني، بحيث يتضمن عقوبات وكذا صلاحيات كافية لردع الفساد ومن ذلك الحقوق الإجبارية للملكية والحقوق التعاقدية الإجبارية وكذا إجراءات تحسين الهيئة القضائية وجعلها أكثر مصداقية ونزاهة. وأما المؤسسية فكإنشاء وكالة لمقاومة الفساد ، وكذلك محاكم خاصة لمراجعة حالات الفساد، وإعلان ملكية الأصول لكل السياسيين والمستخدمين المدنيين . ولكن نجاح هذه الوكالات المتخصصة في مكافحة الفساد يتوقف على مجموعة واسعة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية وأشكال أوسع يفرضها الفساد في دول معينة، فعندما يكون الفساد ممتداً فإن تلك الوكالات يمكن أن تلعب دوراً محدوداً ، يتوقف على قوتها في البحث والاستقصاء والإجبار والذي يحد منه نفوذ السياسيين المؤثرين والمستخدمين المدنيين المتلبسين بالفساد. فكما يرى (Little, 1996)أن نجاح مقاومة الفساد يعتمد على الإرادة السياسية، وهذا غير متوفر في أفريقيا وأمريكا اللاتينية بسبب التهديد المحتمل الذي تواجهه المؤسسة السياسية والبيروقراطية.
العوامل الخارجية :
يحظى الفساد المؤسسي بتأييد كبير من ممثلين خارجيين وخصوصاً ما نحى المعونات الخارجية. ويمكن تخفيض الفساد بالإصلاح المؤسسي والذي لا يكون فاعلاً في تحقيق ذلك كالإصلاحات السياسية وإنما قد يكون ملائماً ربما في دول لا يكون الفساد ممتداً فيها أو يكون بها قوانين ووكالات لمحاربة الفساد، أو تأييد جماهيري واسع، لأن حكومات هذه الدول غالباً ما تأتي عن طريق التصويت الحر والعملية الديمقراطية، ولهذا فإنها تكون خاضعة للمساءلة والمحاسبة من الجمهور.
وبعض المراقبين حذرين من الفاعلية المحتملة للإصلاحات السياسية والمؤسسية، طالماَ أنها ستصل إلى مدى محدود في بلاد يكون الفساد فيها متجسداً في الهياكل الاجتماعية والاقتصادية. ولكل هذه الأسباب فإن هدف استئصال الفساد في هذه البلاد قد يكون صعباً. صحيح أنه يمكن الحد منه إلى مستويات مقبولة وغير عائقة للاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية.
ولذا فقد أدت محدودية الإصلاحات السياسية والمؤسسية مجتمعه إلى نمو الاعتراف بأهمية القوى الدولية كسبب من أسباب الفساد إلى استجابات دولية متنوعة.
ولما كان فساد المؤسسات في الدولة المصدرة من أحد عوامل انتشاره في الدول المستوردة، فإن هناك الكثير من الجهود الدولية المبذولة والمكملة للإصلاحات السياسية والمؤسسية في البلدان المستوردة . ومن أهم المبادرات الحديثة في الشأن مبادرة دول الاتحاد الأوربي “ O.E.C.D” ومع ذلك فهناك الكثير من الشركات الأمريكية المتورطة في تقديم رشاوي لمسئولين أجانب، مما يجعلها مرتكبة لجرائم طبقاً لقوانين الممارسات الفسادية الخارجية على مدار أكثر من عقدين.
وإضافة على ما سبق فهناك مبادرات مماثلة على المستوى الإقليمي داخل الاتحاد الأوربي وأمريكا اللاتينية تمثلت في اتفاقيات دولية متعددة الأطراف، الهدف منها الرقابة على الفساد سواء كان وطنياً أو دولياً، من خلال اتفاقيات دولية لتبادل المعلومات والتعاون في الإجراءات القانونية لمحاكمة المتورطين في الفساد.
كما أن لمنظمة الشفافية الدولية دوراً بارزاً في محاربة الفساد الدولي من خلال إجراءات متنوعة، لعل أحدثها تقديم المتعاقدين المحتملين والموردين للسلع والخدمات لا قرارات موقعة من قبلهم بعدم تقديم رشاوي تتصل بالعقود الرسمية. وفي الوقت نفسه تلتزم الحكومة نفسها بقواعد الشفافية، وذلك بمنع وقبول الرشاوي بواسطة المسئولين العموميين . وفي بعض الدول هناك مجموعات وطنية تعمل على تحقيق ذلك من خلال التزام المنتمين للحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص.وأخيراً يمكن القول بأن جميع النظريات تتفق على صعوبة القضاء على الفساد (وخصوصاً الممتد) لكن يمكن التخفيف منه وذلك الإرادة الصادقة لمكافحة الفساد، وذلك يستلزم مجموعة من الإجراءات والإصلاحات تختلف من نظرية لأخرى، فوفقاً لنظرية الاختيار العام يكون التخفيف من الفساد بتقليل الفرص المتاحة لجني الريع، وذلك بالتحرر الاقتصادي والحد من احتكار الدولة ونحو ذلك . هذا إلى جانب تأمين الفرص الاقتصادية . وفي المذهب الجماعي يكون التخفيف بالإصلاحات السياسية وذلك بخلق المؤسسات الديمقراطية والمؤسسات الرقابية والبرلمانات المنتخبة ونحو ذلك.
أما نظرية الأشواك المتعددة فيكون التخفيف بمزيج من الإجراءات والإصلاحات السياسية والتشريعية والمؤسسية، بل وكل الأنظمة التي تولد الفساد فالإصلاح السياسي يكون بتقوية الآليات ومؤسسات الرقابة على استخدام الموارد وتحسين ظروف العمل ونحو ذلك.
وأما التشريعي فيكون بإصلاح القانون الجنائي والمدني وتحسين كفاءة الهيئة القضائية وماشابه ذلك .
وأما المؤسسي فيكون بوجود أنظمة للرقابة والمراجعة،وكذا وكالة خاصة لمقاومة الفساد.
وأما العوامل الخارجية للفساد فيكون التخفيف من حدتها بإصلاح مؤسسي وسياسي من شأنه الحد منه إلى مستويات معقولة بحيث لا يعوق الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية.
كما يمكن الاستعانة ببعض المنظمات الدولية التي من شأنها تقديم المعونات لمؤازرة الإصلاحات الديمقراطية، وإقامة اقتصاديات أكثر قدرة على المنافسة والأخذ بتوجيه إداري أفضل ومن هذه المنظمات منظمة الشفافية الدولية .