إن الفساد لا يخص مجتمعا بعينه أو دولة بذاتها , وإنما هو ظاهرة عالمية تشكو منها كل الدول , لما له من خطر على الأمن الاجتماعي والنمو الاقتصادي والأداء المالي والإداري, ومن هنا حازت هذه الظاهرة على اهتمام كافة المجتمعات والدول وتعالت النداءات إلى إدانتها والحد من انتشارها ووضع الصيغ الملائمة لذلك.
وبخاصة انه يؤدي الفساد لإعاقة النمو الاقتصادي، ما يقوض كل مستهدفات خطط التنمية طويلة وقصيرة الأجل، ويتسبب في إهدار موارد الدولة أو سوء استغلالها، ففي اليوم العالمي لمكافحة الفساد والذي يوافق 9 ديسمبر من كل عام، فقد بدأت منظمة الأمم المتحدة جهودها الرسمية في مكافحة الفساد قبل 17 عاماَ، وذلك بعد أن اعتمدت الجمعية العامة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ودائما تأتى هيئة الرقابة الإدارية المتصدر الأول كجهة رسمية في مواجهة الفساد، وهناك العديد من التشريعات التي كان لها دور كبير في القضاء على الفساد ولعل أبرزها.
قانون الخدمة المدنية
وضع القانون نظام جديد للتعيينات والرواتب للقضاء على حجج الموظف للفساد، وركز على إصلاح الجهاز الإداري للدولة، حيث إنه تم سن هذا التشريع في المقام الأول من أجل هذا الهدف، وشمل مواد لتقييم أداء العاملين بشكل موضوعي، مما يساهم في خلق جهاز إداري كفء وفعال يتسم بالشفافية والعدالة ويخضع للمساءلة، ويهتم برضاء المواطن عن خدماته، إلى جانب الآليات الواضحة للقضاء على البيروقراطية لتفكيك عقد الإجراءات الروتينية، وتضمن منظومة جديدة لتقيم الموظف وسلوكه الوظيفي لا تعتمد على مدير فقط.
قانون إعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكم التأديبية رقم117 لسنة 1958 وتعديلاته
هو القانون المنظم لاختصاصات النيابة الإدارية من حيث رقابة وفحص ومباشرة التحقيقات مع الموظفين العموميين، وكذا تحديد اختصاصات المحاكم التأديبية وأنواعها وكيفية مباشرة الدعاوى أمامها وطرق الطعن على الأحكام الصادرة منها.
تعديل قانون العقوبات
يتضمن مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم أنواع الجرائم والعقوبات، وهذه التعديلات من شأنها جعل التشريعات المصرية القائمة متسقة مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي انضمت لها مصر، وستساهم أيضا في رفع مكانة مصر ضمن مؤشرات مكافحة الفساد، ضمن المؤشر الدولي في اتفاقية مكافحة الفساد.
تعديل قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950
حدد التشريع اختصاصات المحاكم وترتيب الإجراءات أمامها وطرق الطعن على الأحكام، ويشمل عدد من اختصاصات سلطات التحقيق ومأموري الضبط القضائي وواجباتهم وكذا حالات وإجراءات القبض والتفتيش والتصرف في الأشياء المضبوطة.
قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972
ينظم تشكيل وترتيب الوظائف بمجلس الدولة وتحديد اختصاصاته وأنواع محاكمة (قضاء إداري/ تأديبية/ إدارية عليا) وطرق الطعن أمامها وكذا تنظيم أعمال قسمي الفتوى والتشريع وكافة الأمور المتعلقة بترقيات أعضائه ونقلهم وتأديبهم.
قانون الكسب غير المشروع
عالجت تعديلات القانون أوجه القصور التي أظهرها التطبيق العملي للقانون، وتحقيق المطالب الشعبية الملحة لاسترداد الأموال المنهوبة بما يدعم الثقة في دولة القانون، ويهدف لتحقق الغاية من التشريع المتمثل في ردع كل من تسول له نفسه تحقيق ثراء غير مشروع مستغلاً في ذلك وظيفته أو أن تكون طبيعة الوظيفة قد مكنته من هذا الاستغلال،
بما ترتب عليه زيادة ملاءته المالية دون وجود أي مصادر دخل تبرر تلك الزيادة، وخير رادع للمخالفين بما يحقق رفعة الاقتصاد وتوفير السيولة اللازمة للمشروعات القومية، وكذا ترسيخ قيم العدالة وتفعيل سياسة الدولة ودورها في ملاحقة الفاسدين، وهو ما يتفق مع التوجه الدولي في اتفاقية مكافحة الفساد والاتفاقيات ذات الصلة بمكافحة جريمة غسيل الأموال.
كما ويذكر أن الفساد المالي والإداري يحتوي على قدر من الانحراف المتعمد في تنفيذ العمل المالي و الإداري المناط بالشخص, غير أن ثمة انحرافا مالياً وإداريا يتجاوز فيه الموظف القانون وسلطاته الممنوحة دون قصد سيء بسبب الإهمال واللامبالاة, وهذا الانحراف لا يرقى إلى مستوى الفساد المالي والإداري لكنه انحراف يعاقب عليه القانون وقد يؤدي في النهاية إذا لم يعالج إلى فساد مالي و إداري .
1. الانحرافات التنظيمية , ويقصد بها تلك المخالفات التي تصدر عن الموظف في أثناء تأديته لمهمات وظيفته والتي تتعلق بصفة أساسية بالعمل , ومن أهمها :
• عدم احترام العمل , ومن صور ذلك :التأخر في الحضور صباحا – الخروج في وقت مبكر عن وقت الدوام الرسمي – النظر إلى الزمن المتبقي من العمل بدون النظر إلى مقدار إنتاجيته – قراءة الجرائد واستقبال الزوار – التنقل من مكتب إلى آخر .
• امتناع الموظف عن أداء العمل المطلوب منه , ومن صور ذلك : رفض الموظف أداء العمل المكلف به–عدم القيام بالعمل على الوجه الصحيح – التأخير في أداء العمل.
• التراخي , ومن صور ذلك : الكسل – الرغبة في الحصول على أكبر اجر مقابل أقل جهد – تنفيذ الحد الأدنى من العمل .
• عدم الالتزام بأوامر وتعليمات الرؤساء , ومن صور ذلك: العدوانية نحو الرئيس – عدم إطاعة أوامر الرئيس – البحث عن المنافذ والأعذار لعدم تنفيذ أوامر الرئيس .
• السليبة , ومن صور ذلك :اللامبالاة – عدم إبداء الرأي – عدم الميل إلى التجديد والتطوير والابتكار – العزوف عن المشاركة في اتخاذ القرارات – الانعزالية – عدم الرغبة في التعاون – عدم تشجيع العمل الجماعي – تجنب الاتصال بالأفراد .
• عدم تحمل المسؤولية , ومن صور ذلك :تحويل الأوراق من مستوى إداري إلى آخر – التهرب من الإمضاءات والتوقيعات لعدم تحمل المسؤولية.
• إفشاء أسرار العمل .
2. الانحرافات السلوكية , ويقصد بها تلك المخالفات الإدارية التي يرتكبها الموظف وتتعلق بمسلكه الشخصي وتصرفه , ومن أهمها :
• عدم المحافظة على كرامة الوظيفة , ومن صور ذلك : ارتكاب الموظف لفعل مخل بالحياء في العمل كاستعمال المخدرات أو التورط في جرائم أخلاقية .
• سوء استعمال السلطة , ومن صور ذلك :كتقديم الخدمات الشخصية وتسهيل الأمور وتجاوز اعتبارات العدالة الموضوعية في منح أقارب أو معارف المسئولين ما يطلب منهم.
• المحسوبية , ويترتب على انتشار ظاهرة المحسوبية شغل الوظائف العامة بأشخاص غير مؤهلين مما يؤثر على انخفاض كفاءة الإدارة في تقديم الخدمات وزيادة الإنتاج.
• الوساطة , فيستعمل بعض الموظفين الوساطة شكلا من أشكال تبادل المصالح .
3. الانحرافات المالية , ويقصد بها المخالفات المالية والإدارية التي تتصل بسير العمل المنوط بالموظف , وتتمثل هذه المخالفات فيما يلي :
• مخالفة القواعد والأحكام المالية المنصوص عليها داخل المنظمة .
• فرض المغارم , وتعني قيام الموظف بتسخير سلطة وظيفته للانتفاع من الأعمال الموكلة إليه في فرض الإتاوة على بعض الأشخاص أو استخدام القوة البشرية الحكومية من العمال والموظفين في الأمور الشخصية في غير الأعمال الرسمية المخصصة لهم .
• الإسراف في استخدام المال العام , ومن صوره : تبديد الأموال العامة في الإنفاق على الأبنية والأثاث – المبالغة في استخدام المقتنيات العامة في الأمور الشخصية – إقامة الحفلات والدعايات ببذخ على الدعاية والإعلان والنشر في الصحف والمجلات في مناسبات التهاني والتعازي والتأييد والتوديع.
مما تقدم نرى أن ظاهرة الفساد المالي والإداري ظاهرة عالمية شديدة الانتشار ذات جذور عميقة تأخذ أبعاداً واسعة تتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها، وتختلف درجة شموليتها من مجتمع إلى آخر، كما أن الآثار المدمرة والنتائج السلبية لتفشي هذه الظاهرة المقيتة تطال كل مقومات الحياة لعموم أبناء الشعب، فتهدر الأموال والثروات والوقت والطاقات وتعرقل أداء المسؤوليات وإنجاز الوظائف والخدمات، وبالتالي تشكل منظومة تخريب وإفساد تسبب مزيداً من التأخير في عملية البناء والتقدم ليس على المستوى الإداري والمالي فقط، بل في الحقل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي أي فيما يتعلق بالتنمية الشاملة، ناهيك عن مؤسسات ودوائر الخدمات العامة ذات العلاقة المباشرة واليومية مع حياة الناس، مما يحتم إنشاء نظام رقابي فعّال مستقل مهمته الإشراف ومتابعة الممارسات التي تتم من قبل الوزراء والموظفين العاملين في كل وزارة ومؤسسة.