التقوي اسم من الفعل وقَى وتم تبديل الواو في “وقى ” فصارت تاء والياء فصارت واوًا فوقى وأتقى بمعنى واحد.ووقى يعني صان وحمى وحفظ وعندما نقول وقاه الله الشر أي صانه من الشر،جعل بينه وبين الشر وقاية وحاجزًا .يقول تعالى: “فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ” ويقول صلى الله عليه وسلم :” اتق الله ولو بشق تمرة فإن لم تجد فبكلمة طيبة” وفي الحديث أيضا من عصى الله لم ينفع معه واقِيَةٌ إلا بأحداث توبة ” أي لا تحميه أية حماية إلا إذا تاب وفي القرآن :”لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ ۖ وَمَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ (34) الرعد
وقد جاءت التقوي ومشتقاتها في القرآن ٢٤٠مرة وكلمة التقوى وحدها ١٥٥مرة .إذن فالتقوي التي هي اتخاذ وسائل الوقاية من موانع وحذر أمر مهم في ديننا وقد عرفها الإمام علي رضوان الله عليه بأنها: “الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد ليوم الرحيل” وعندما سأل سيدنا عمربن الخطاب أبي بن كعب: يا أُبَي! ما التقوى؟ فقال: يا أميرَ المؤمنينَ، أمَا سِرْتَ في طريقٍ ذِي شوكٍ؟ قالَ: بلى.قال: ما صَنَعْتَ؟ قال: شَمَّرْتُ واجتهدتُ. قال: فتلكَ التقوى”. أي شمر ملابسه وكان يضع قدمه بحذر شديد حتى لا يصاب فقال هذه هى التقوى.
وإذا كان القرآن تناول التقوي بمشتقاتها ٢٤٠ مرة فقد تناول تقوي القلب مرتين فقط: في قوله تعالى:ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ”الحج٣٢ وقوله تعالى : “إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ ۚ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ” الحجرات (3)
لأن تقوي الجوارح تختلف عن تقوى القلوب فتقوى الجوارح هي الامتناع عن المعصية وإتقاء الوقوع فيها وقد يتقي الإنسان المعاصي وتشتهيها جوارحه وقد يتجنب الشر وهو يفكر فيه ، لكنه يقاوم الفعل أي يجاهد نفسه الآمرة والإنسان في حل فيما يفكر فيه بينه وبين نفسه وفيما يتخيل ما دام لاينطق به أو يقدم على فعله وهو مع ذلك في منطقة التقوي التي ذكرت ٢٤٠ مرة أي لا يأثم .لكن تقوى القلب أمر يتجاوز منطقة التشهي للشر أو المعصية أو حب الأذى للآخرين إلى آمر آخر وهو تجنب القلب نفسه المعصية تجنبا يجعله لا يتفكر فيها مجرد التفكير ولا تراوضة الشهوات إليها ولا يستشعر لذتها في خياله وانما يصبح في حجاب عنها تماما .فلا تخطر على جوارحة مطلقا وإن أوقعته الظروف فيها لا يطيق فعلها ولا يستطيع مطلقا لأن الضابط في ذلك هو القلب الذي يضبط الجسد كله ويسيطر عليه ويحب ما يحب القلب ويكره ما يكره القلب ولما لا ..؟ وقد قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله
ومن هنا نفهم قوله تعالى :”ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب” فأداؤ الشعائر لون من الحب لها والعشق لفعلها والاشتياق إليها والاتجاه نحوها بهمة وسعادة والارتياح في أدائها ” أرحنا بها يا بلال” و اللذة الإيمانية وتنوّر القلب إثرها .كل ذلك لأن القلب في حالة تقوي ..حماية ضد المعاصي وفي طاعة تنضح على الجوارح
وفي سورة الحجرات تفسير لسلوك تقاة القلوب حيث أنهم يخفضون أصواتهم عند رسول الله إجلالًا له وتقديرًا لنبوته ورسالته فقال تعالى “أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى” وأمتحن كما يقول الامام الشعراوي أي اختبرها بما يخلصها من الخبث ، كما تُخَلّص النار الذهب من الشوائب فيصبح ذهبًا نقيًا. كذلك يختبر الله القلوب حتى تصبح نقية فلا يبقى فيها إلا التقوي التي تنضح سلوكا وأخلاقها تدل عليها .فاللهم اجعلنا من متقي القلوب المحبين لك ولدينهم ولنبيك ..آمين