تمتلك العديد من الحيوانات بأنواها من ثدييات وطيور وزواحف وأسماك قدرات إدراكية إضافية تسمح لهم بالتنبؤ بأشياء لايمكننا تخيلها، والجميع يعرف تقريبا الحواس الخمس وهي البصر، والشم، والسمع ، واللمس ، والتذوق، ولكن ماذا عن الحاسة السادسة والتنبؤ السلوكي بالكوارث الطبيعية عند الحيوانات. فهناك الكثير من الحيوانات التي لديها الحاسة السادسة وأحيانا سابعة وقد لا تتمتع الحيوانات بنفس القوة العقلية التي نملكها (رغم أنها ذكية جدا)، ولكنهم يمتلكون شيئا لا نملكه، ولا يمكن وصف هذه القدرات الحيوانية الغريبة إلا بالمعنى الحاسة السادسة، ولقد ساعدتهم هذه المزايا التطورية في التكيف والبقاء على قيد الحياة لملايين السنين، ومنحتهم القدرة تقريبا في الحصول على ما يطلق عليه الهواجس الحيوانية، وإذا بدا أن الحيوانات يمكن أن تستشعر الأشياء التي لا يمكن للبشر القيام بها، فذلك لأن لديهم القدرة الفائقة على فعل ذلك، وتستطيع الحيوانات التنبؤ بحدوث الكوارث الطبيعية ، إذ إنها تصدر سلوكيات قبل حدوث تلك الكوارث، ولقد سجلت تلك السلوكيات الحيوانية منذ 469 قبل الميلاد، ولكن العلماء لا يعرفون حتى الآن تفسير ذلك، كما أن البعض يعتقد أن تلك الحيوانات أكثر إحساسًا لما يحدث من تغيرات خفية بباطن الأرض. وسوف نتعرف بوضوح على تلك الحيوانات التي لديها الحاسة السادسة في هذا المقال.
الحاسة السادسة عند الحيوانات
تتعرض الحيوانات التي تتواجد في مناطق الزلازل لهزات أرضية شديدة، كما نجد أن الحاسة السادسة عند الحيوانات يمكن الاستدلال عليها من خلال إصدارها لسلوكيات معينة في فترة قصيرة، تكون ما بين وصول الموجات فوق الصوتية والموجات عالية التردد للزلازل، كما تنشأ عند حدوث تغير في الأنظمة الكهرومغناطيسية للأرض. كما تشعر تلك الحيوانات بالهزات الأرضية الناتجة عن الزلازل قبل أن يشعر بها الإنسان، ولديها قدرة على اكتشافها قبل انتقال الموجات من الأرض إلى أعلى والتي تنتج عنها فيضانات مدمرة.
التنبؤ السلوكي للحيوانات بالكوارث الطبيعية
تستطيع الحيوانات اكتشاف المؤثرات الحسية قبل أن يدركها البشر، فمثلًا الكلاب تشعر بقدوم أصحابها وتنتظرهم بالقرب من الباب. على الرغم من ذلك يصعب على العلماء تحديد السلوك الغريب للحيوانات في مثل تلك المواقف والذي يمكن أن تستمر ما بين بضع لحظات إلى أسابيع قبل حدوث الكوارث الطبيعية. ويرجح بعض العلماء أن تفسير تلك الظاهرة يرجع إلى أن الحيوانات لديها قدرات سمعية تستطيع بها اكتشاف الأصوات فوق السمعية الناتجة عن تصدع صخور الأرض.
تنبؤ الحيوانات البرية بالكوارث الطبيعية
تعتبر الحاسة السادسة عند الحيوانات وخاصة الحيوانات البرية قوية للغاية، حيث إنها تهرب لأماكن أخرى لمجرد الشعور بتلك الكوارث، فمثلًا نجد الفيلة تستطيع اكتشاف الهزات الخفيفة والموجات الصوتية ذات التردد المنخفض التي لا يدركها الإنسان، حيث يقوم الليمور وهو نوع من القرود بإصدار صوت عالٍ قبل حدوث تلك الهزات بوقت قليل، ويعاود نشاطه بعد انتهائها.
تنبؤ الحيوانات الأليفة بالكوارث الطبيعية
يظهر سلوك غير عادي على الحيوانات الأليفة قبل حدوث الكوارث الطبيعية، وهذا دليل على وجود الحاسة السادسة عند الحيوانات مثل الكلاب والقطط، حيث إنها تصرخ بصوت عالٍ، وتتحرك باستمرار نتيجة للشعور بالقلق، ويرجع العلماء ذلك إلى وجود دلائل تسبق الزلازل تتمكن بعض الحيوانات من اكتشافها مثل الكلاب، حيث إنها تشعر بالعصبية والقلق وتهرب من المكان بدون معرفة السبب، كما أنها تستطيع الكشف عن الذبذبات عالية التردد بباطن الأرض والتي لا تشعر بها أذن الإنسان. وتتمتع القطط بحساسية شديدة للاهتزازات الأرضية، حيث إن لديها نظام إنذار مبكرا يجعلها تتنبأ بحدوثها، كما أنها تشعر بالتغيرات التي تحدث بالمجال المغناطيسي، وعلى أساس ذلك تكون في حالة قلق شديد وسرعان ما تترك المكان الموجودة به، وبسبب الشعور الاستثنائي لها بتلك الحوادث اعتقد الناس بالعصور الوسطى أنها ذات قوى خارقة لذا قاموا بإحراقها، ولكن الحقيقة التي لابد أن نعرفها أن تلك القطط لديها غرائز طبيعية منحها الله سبحانه وتعالى لها.
تنبؤ الأفاعي بالكوارث الطبيعية
يمكن أن تلاحظ الحاسة السادسة عند الحيوانات وخاصةً الأفاعي، حيث إنها حساسة للاهتزازات الأرضية، مما يجعلها تهجر جحورها وتحاول تحطيم الجدران لتهرب منها. تستطيع التنبؤ بالزلازل على بعد 120 كم قبل حدوثها بخمسة أيام، وتشعر أيضًا بالإشارات الكهرومغناطيسية منخفضة التردد. وتمتلك الثعابين القدرة على التنبؤ بالكوارث الطبيعية المتعلقة بالطقس.
تنبؤ الأسماك بالكوارث الطبيعية
تستطيع الأسماك التنبؤ بالتغيرات الخفيفة في الحركات التي تحدث تحت الماء، كما أنها تسمع الأصوات الضعيفة الناتجة عن الموجات المضغوطة المارة عبر الوسط المائي. فمثلًا يستطيع سمك السالمون الشعور بالمجال المغناطيسي للأرض ويعتقد العلماء أن لديه رواسب المغنيتيت في رأسه لالتقاط المجال المغناطيسي للأرض، كما تستطيع تلك الأسماك بالتنبؤ بتغيرات الطقس مثل العواصف الشديدة.
تنبؤ الطيور بالكوارث الطبيعية
تمتلك العديد من الطيور المهاجرة قدرة مذهلة على اكتشاف المجال المغناطيسي للأرض، وهو إحساس تستخدمه مثل البوصلة للتنقل لمسافات كبيرة، فالحمام يعتبر من الحيوانات التي لديها الحاسة السادسة، وهذه الحاسة تسمى المغنطيسية، والقليل من الطيور يؤديها بشكل أفضل من الحمام، وخاصة الحمام الزاجل، والحمام لديه هياكل تحتوي على الحديد في المنقار، والتي يتم ترتيبها في نمط ثلاثي الأبعاد معقدة، وهذا يعطي الطيور شعورا حادا بالتوجه المكاني، مما يتيح لها تحديد موقعها الجغرافي. وتترك الطيور أعشاشها عند الشعور باقتراب العواصف، حيث إن ضغط الهواء الزائد الناتج عن تلك العواصف يمكن أن يتسبب في شعورها بالألم. يعتقد بعض العلماء بشأن هذا الأمر أنها تستطيع سماع صوت التردد المنخفض الذي يدل على قدوم العاصفة.
الخفافيش :العديد من الخفافيش الحشرية التي يشار إليها في كثير من الأحيان باسم الميكروبات قادرة على استخدام تحديد الموقع بالصدى لإلتقاط فريستها وللتصفح عبر الكهوف المظلمة والسماء الليلية، وهذه الحيوانات لديهما حنجرة قادرة على توليد الموجات فوق الصوتية، والتي تنبعث من خلال أفواههم أو الأنف، وبينما يتردد الصوت في محيطهم، ترتد الموجات الصوتية وتعطي الخفافيش رؤية تشبه الرادار لمحيطهم، وفي الواقع، غالبا ما يكون لهذه الخفافيش وجوه غريبة مجعدة تعمل كأذن لإلتقاط الصوت بشكل أفضل.
الدلافين وخنازير البحر الدلافين وخنازير البحر من الحيوانات التي لديها الحاسة السادسة، فتتمتع هذه الثدييات البحرية الجذابة بالحاسة السادسة التي لا تصدق من تحديد الموقع بالصدى، ونظرا لأن الصوت ينتقل في الماء أفضل منه في الهواء، فإن الدلافين قادرة على إنشاء تمثيل مرئي ثلاثي الأبعاد لمحيطها يعتمد بالكامل على الموجات الصوتية مثل جهاز السونار، وهذا تكيف ضروري، خاصة بالنسبة للدلافين النهرية، لأن الرؤية غالبا ما تكون محدودة للغاية في المياه المظلمة، ويمكن أن تنتقل الدلافين عبر نهر ذي فروع متشابكة بسهولة حتى لو كانت عيونهم مغطاة بالكامل.
أسماك القرش :الإستكشاف الكهربائي هو القدرة المذهلة لأسماك القرش وأسماك الراي اللاسع على اكتشاف الحقول الكهربائية في المناطق المحيطة بها، فهذه الحيوانات لديها أيضا الحاسة السادسة، وفي الواقع، شكل الرأس لدى قرش أبو مطرقة خصيصا لتعزيز الإحساس بالكهرباء، ولأن الماء المالح هو موصل جيد للكهرباء، فيمكن لأسماك القرش ذات الحاسة السادسة اكتشاف فرائسها من الشحنات الكهربائية التي تنبعث عند انقباض الأسماك لعضلاتها، وإن الحاسة السادسة لدى هذه الحيوانات المفترسة قوية للغاية لدرجة أن بعض أسماك القرش يمكنها التقاط التغير في التيار الكهربائي لبطاريتين تم توصيلهما على بعد 1000 ميل، حتى لو تم استنزاف أحدهما.
السلاحف البحرية :تفضل السلاحف البحرية أيضا العودة إلى العش على نفس الشاطئ الذي ولدوا فيه، وبالنظر إلى المسافات الشاسعة التي يسافرون إليها، فإن قدرتهم على تحديد موقع شاطئ موطنهم أمر رائع، كما هو الحال مع العديد من الحيوانات المهاجرة، وتنجز السلاحف البحرية هذا العمل الرائع عن طريق قياس المجال المغناطيسي للأرض، ومع ذلك، لا يمكن أن تفسر قدرتها على الإنحراف عن التيارات المحيطية، وتتجول بعض السلاحف بلا هدف لفترات طويلة في البحر عندما تكون التيارات قوية، وربما يفسر هذا العائق لماذا يعيشون حياة طويلة.
وفي نهاية المقال نستطيع أن الحاسة السادسة عند الحيوانات هي ميزة تنفرد بها تلك الحيوانات بين الكائنات الحية التي من بينها البشر، كما أن الإنسان على الرغم مما وصل إليه من تقدم إلا أنه لا يزال يعتمد عليها في التنبؤ بتلك الكوارث الطبيعية.
كاتب المقال ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد-مؤسس كلية الطب البيطري جامعة عين شمس ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان استاذ وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية- اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير التغيرات المناخية بوزارة البيئة- الأمين العام المساعد للحياة البرية بالاتحاد العربي لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية.