القلب المخبت هو القلب الرقيق المتواضع المطمئن الذي يسع الآخرين
وقد جاء مصطلح الاخبات بتصريفاته في القرآن ثلاث مرات منها مرة منسوبا إلى القلب مرة وكلها تدور حول الخشوع لله سبحانه وتعالى والتواضع العظيم إن صح هذا التعبير لانه تواضع عن رفعة بتوحيد الله وافرده بالعبودية وارتقاء إيماني وخضوع وعبودية خالصة له وهي العزة كلها،”ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين “
جاء في لسان العرب “الخَبْتُ: ما اطمأن من الأرض واتسع ” قال القتيبي: سأَلت الحجازيين، فأَخبروني أَن بين المدينة والحِجاز صحراء، تُعْرَف بالخَبْت متسعة مستويه ” .
وبالتالي وُصِف الإنسان ذا الخلق المتواضع المطمئن النفس غير الفزع بالمخبت أي أنهم أخذوا صفات هذه الأرض لتصبح فعلًا واسمًا وصفة مثلما كانوا يسمون كل مجتمع مدني يختلف عن مجتمع البادية بـ المصر وجمعه أمصار وهو مأخوذ من مصر”الدولة” باعتبارها أول مدينة في التاريخ فصارت كل مدينة تقام مصرًا كذلك عندما يقال على رجل بأنه حاتمي أي كريم وليس في اسم حاتم هذا المعني لكن حاتم الطائي كان كريمًا كرمًا جعلهم يطلقون اسمه أو ينسبون إليه كل كريم
وأَخْبَتَ إِلى ربه أَي اطْمَأَنَّ إِليه وخشع له . ورُوِي عن مجاهد في قوله: وبَشِّرِ المُخْبِتينَ؛ قال: المُطْمَئِنِّين، وقال عمرو بن أوس: المخبتون الذين لا يَظْلِمون، وإذا ظُلِموا لم ينتصروا.
وفي حديث الدعاء: “رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرِ الهُدَى إِلَيَّ، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ، رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا، لَكَ ذَكَّارًا، لَكَ رَهَّابًا، لَكَ مِطْوَاعًا، إِلَيْكَ مُخْبِتًا أَوَّاهاً مُنِيبًا، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي، وَأَجِبْ دَعْوَتِي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي، وَاهْدِ قَلْبِي، وَسَدِّدْ لِسَانِي، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي”
لكي نعرف اخبات القلب واخبات المؤمن لربه علينا أن نتأمل السياق القرآني في المواطن الثلاثي التي جاء بها الفعل بتصريفاته في القرآن الكريم .ففي سورة هود التي تبدأ بحديث تقريري عن القران الكريم “كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير” ثم أمر باتباعه واستغفار الله أي طلب المغفرة وأثر هذا الاستغفار وكذلك أثر الأعراض ورجوع الجميع إلى الله في النهاية ثم تستعرض الصورة سلوك المعاندين المعارضين ومنهجهم الانحرافي في التفكير والتعامل مع الأمور الواضحات وجدلهم التعجيزي الذي لايبغي الوصول إلى الحق بقدر التمادي في الغي الانتصار للباطل ثم تنتهي الآيات بتقرير واضح في أسلوب خبر يمنحك معلومة يقينية قائلًا:”أُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21)لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ” 22 ثم تقدم الآيات المقابل لهؤلاء إيمانًا وسلوكاً واعتقادًا ومنهج تفكير من اطمئنان النفس وسكينتها وخشوع لله واطمئنان لمنهجه يلتزمونه لأنه من عنده “﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ ليس هذا فقط وإنما تأتي الآية التالية مقدمة صورة للفريقين لمن أراد أن يتفكر أو يتعظ أو يتصور المآلات والنهايات”مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ كَٱلْأَعْمَىٰ وَٱلْأَصَمِّ وَٱلْبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِ ۚ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ” إذن الاخبات خضوع لله كاملا بحب لقضائه ورضى بحكمه وثقة في خيريتة وإيمانًا كاملًا بإنعامه ولو بدا به ما به من عناء ظاهر
أما الموضعان الآخران لتعريفات الفعل أخبت فكان في سورة الحج في
قوله تعالى : وقوله تعالى :وَلِكُلِّ أُمَّةٍۢ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلْأَنْعَٰمِ ۗ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ فَلَهُۥٓ أَسْلِمُواْ ۗ وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ” 34 و الآية التالية تقدم لنا صفات المخبتين هؤلاء وسلوكياتهم فتقول:” ﴿ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾35
أما الموضع الثاني وهو الآية 54من سورة الحج فتأتي في إطار تقرير حال فريقي الإيمان والكفر من عناد وجدل من الكافرين مهما تأتيهم من أدلة وثقة ،وفي مقابله اطمئنان من المخبتين وإيمان أرسخ من الجبال مهما وقع من حوادث قد تكون فوق إدراك العقل . يقول تعالى” لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ۗ “الحج٥٣و٥٤
ألسنا نري المشككين في كل عصر مهما تأتيهم من آية ونرى المخبتين المطمئن مهما شكك المشككين؟