الإنابة هي الرجوع والعودة ، والانسان المنيب هو العائد ، وناب فلان الى الله تاب ورجع إلى الطاعة ولزمها وفي الدعاء “وإليك أنبت”
والقلب المنيب هو القلب العائد الى ربه وهناك فرق بين عودة الجوارح وعودة القلوب فالجوارح قد تعود مضطرة وتنضبط في سلوكها لأن هناك قانون تلزمها رهبته بالطاعة أوغاية تلزمها الرغبة في تحقيقها بالالتزام وبالتالى إذا نتفت الرهبة أو انتهت الرغبة تحولت الجوارح عما التزمته .
لكن إذا كان العائد هو القلب فإن الجوارح تنضبط على ما عاد إلية القلب انضباط الذي لا يجيد إلا الإنضباط، لا يتحول عنه حتى لو سعى إلى ذلك لأن مسيّر الجوارح وهو القلب انضبط على سلوك محدد ورغبة تملكه
وقد ذكر القرآن الكريم مصطلح الإنابة بمشتقاته ثماني عشرة مرة لكنه أضاف الإنابة للقلب مرة واحدة في سورة “ق ” في قوله تعالى: وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد، هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ ، من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود” وكلمة منيب اسم فاعل تعنى أن الإنابة عادة للقلب الذي يتصف بذلك مسيطرة عليه لازمة فيه فالإنابة فعل أصبح علامة على هذا القلب لذا كانت النتيجة والرد على هذا القلب في قوله تعالى ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود .
والعودة الى الله والإنابة إليه ليست دائما عن ذنب وإن كان كل ابن آدم خطاء ولكن هناك عودة ورغبة في العودة وبحث عن الخالق تتملك الانسان منذ إدراكه ووصوله الى وعي بما حوله وهى محاولة من الروح البشرية للوفاء بما عاهدت عليه ربها منذ كانت في ظهر أبي البشر آدم عليه السلام هذا العهد الذي نراه في قوله تعالى : وإذ أخذ ربكم من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ” والتالى فلا تجد قوم إلا ولهم إله يعبدونه لأن الشعور به والحاجة إليه موجودة في نفوسهم وجوارحهم التي شهدت به وبواحدانيته لكن البعض يصل الى الحق فيلتزمه والنموذج النبوي في ذلك سيدنا إبراهيم وكذلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذين عاشا يبحثان عن العودة هذه رافضين كل ما يعبد أهليهم والقرآن يسجل لسيدنا إبراهيم تجاربه هذه ويصفه بالأواب والإنابه والتأثر والرقة الإيمانية يقول تعالى إن إبراهيم لحليم أواب منيب “
لكن هناك من يضل الطريق الى الله الواحد فيتخذ ما يتخذ من آلهة ظنًا منه أنه الإله الذي يحتاج إليه وتدعوه روحه وجوارحة للعودة إليه ،بل أن وجود الملحدين الذين يعلنون أنه لا وجود للإله دليل على حالة البحث عن العودة هذه لأن انشغالهم بهذه القضية وحرصهم على نفي الإله دليل لوجوده وإلا ما نشغلوا به .
أما العودة الثانية فهي عودة من الانحراف عن الحق أوعن المعاصي والأخطاء الي يقع فيها العابد العارف بربه المدرك لتجلياته وجمال القرب منه وسعادة العبودية له والاتساق مع منهجه في تناغم يخلق للروح الانسانية طمأنينتها وأمانها ورضاها “يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي الى ربك راضية مرضية وادخلي في عبادي وادخلي جنتي” بل قد تكون العودة من الغفلة عن ذكره بما يتصور العابد أنها غفله مهما قلت والنوذج النبوي في ذلك هو سيدنا سليمان وهو ما نراه في قوله تعالى:ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب قال رب اغفرلي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب ” وهذه الآيات جاءت بعد حديث عن انشغاله عن الذكر فعاد مستغفرا ربه داعيا لله الذي استجاب وأعطاه ما طلب