يحكى فى قديم الزمان أن حاكم إيطاليا دعا فنانًا تشكيليًا شهيرًا وأمره برسم صورتين مختلفتين متناقضتين عند باب أكبر مركز روحي في البلاد، حيث أمره أن يرسم صورة ملاك ويرسم مقابلها صورة شيطان لرصد الإختلاف بين الفضيلة والرذيلة.
وقام الرسام بالبحث عن مصدر يستوحي منه الصور.. فعثر على طفل بريء وجميل تطل السكينة من وجهه الأبيض المستدير وتغرق عيناه في بحر من النقاء والسعادة، فذهب معه إلى أهله واستأذنهم في استلهام صورة الملاك من خلال جلوس الطفل أمامه كل يوم حتى ينهي ذلك الرسم مقابل مبلغ مالي فوافقوا.. وبعد شهر أصبح الرسم جاهزًا ومبهرًا للناس.. وكان نسخة من وجه الطفل مع القليل من إبداع الفنان أثمرا لوحة لا يوجد أروع منها في ذلك الزمان.
وبعدها بدأ الرسام على الفور في البحث عن شخص يستوحي منه وجه صورة الشيطان، وكان الرجل جادًا في الموضوع، لذا بحث كثيرًا وطال بحثه لأكثر من عشرين عامًا.. حتى أصبح الحاكم يخشى أن يموت الرسام قبل أن يستكمل التحفة التاريخية.
لذلك أعلن عن جائزة كبرى ستمنح لأكثر الوجوه إثارة للرعب.. وقد زار الفنان السجون والعيادات النفسية والحانات وأماكن المجرمين لكنهم جميعًا كانوا ملامح بشر وليسوا شياطين.
و ذات مرة عثر الفنان فجاة على “الشيطان”، وكان عبارة عن رجل سيء يحتسى زجاجة خمر في زاوية ضيقة داخل حانة قذرة.
اقترب منه الرسام وحدثه حول الموضوع.. ووعد بإعطائه مبلغ هائل من المال.. فوافق الرجل.. وقد كان قبيح المنظر، كريه الرائحة.. أصلع وله شعرات تنبت في وسط رأسه كأنها رؤوس الشياطين!.
وكان عديم الروح ولا يأبه بشيء ويتكلم بصوت عال، وفمه خال من الأسنان.. وقد فرح به الحاكم لأن العثور عليه سيتيح استكمال تحفته الفنية الغالية.
جلس الرسام أمام الرجل وبدأ برسم ملامحه مضيفًا إليها ملامح “الشيطان”.. وذات يوم التفت الفنان إلى الشيطان الجالس أمامه وإذا بدمعة تنزل على خده فاستغرب الموضوع.. وسأله إذا كان يريد أن يدخن أو يحتسي الخمر!.
فأجابه بصوت اقرب إلى البكاء المختنق:
(أنت يا سيدي زرتني منذ أكثر من عشرين عامًا حين كنت طفلًا صغيرًا واستلهمت من وجهي صورة الملائكة.. وانت اليوم تستلهم مني صورة الشيطان.. لقد غيرتني الأيام والليالي حتى أصبحت نقيض ذاتي!).
وانفجرت الدموع من عينيه وارتمى على كتف الفنان وجلسا معًا يبكيان أمام صورة الملاك.
العبرة:
إن الله يخلقنا جميعًا ملائكة يا صديقى.. ولكن بعضنا يصر على أن يخلق من نفسه احيانًا شيطان رجيم بسلوكياته وأخلاقياته.
فلنصنع أنفسنا بأنفسنا.. ولكن لاينبغى علينا أبدًا أن نفسد الفطرة السليمة اللى فطرنا الله عليها.