لم يكتف إبراهيم عيسى بالصحف والقنوات الفضائية والروايات التى ينفث سمومه من خلالها، وإنما صار يتمدد بكل همة فى السينما والدراما ليحاصرنا بأفكاره المنحرفة من كل جانب، الرجل له دور مرسوم ومعروف ومطلوب، منذ أن كشف مبكرا عن توجهاته فى مجلة “روزا اليوسف” بمقالات عن ” الأخطاء النحوية فى القرآن الكريم “، ومقالات يهاجم فيها ثوابت الدين وعلماء الدين، بالتأكيد هو ليس كائنا خارقا لكى يقوم بكل هذا النشاط متعدد الزوايا فى الصحافة والإعلام والسينما والمسلسلانت، لكنه يقينا يمتلك الجرأة على الدين أكثر من أقرانه، ويجيد أداء المهمة والتكسب منها، حتى صار من أغنى أغنياء بنى مهنته.
والذين يوظفون إبراهيم عيسى ويدفعون له لم يكفهم التخريب الذى أحدثوه على صعيد الوطن والدين والمجتمع، ولم يكفهم أن صارت مصر من أعلى دول العالم فى معدلات الطلاق ومعدلات الجريمة الأسرية، وتراجعت هيبة مؤسسة الزواج وصارت موضع تشكيك وتجريح صريح، وارتفعت معدلات عزوف الشباب عن الزواج، وتفشت ظاهرة الزواج العرفى والعلاقات غير المشروعة، وكلها أمور لاتصب فى صالح حقوق المرأة التى يدعون أنهم يدافعون عنها.
لقد بات الخطاب النسوى المتطرف يفرض نفسه على المجتمع والإعلام والمشرع، ولذلك بات الزواج عبئا ثقيلا على الشاب، يستنزفه ماليا ويحطمه نفسيا ويهدده وجوديا، ثم جاء إبراهيم عيسى ليضع بصمته على هذا الخطاب الرائج، ويلعب على أوتاره، لا ليحارب قضية المرأة، وإنما ليحارب قضايا إبراهيم عيسى نفسه.
كل الأبواب مفتوحة الآن أمامه، وكل المنصات مرحبة به جاهزة لتمويله، ليس لأنه عبقرى زمانه، ولكن لأنه مراوغ كبير ومثير، يصيد فى المياه العميقة، يضرب فى الدين تحت الحزام وفوق الحزام، وما أظن أن ” العدل جروب ” أقدمت على إنتاج مسلسله الأخير المتواضع فنيا ، إلا لأنه ” خلطة ” مشاغبة فى الدين.
لايمكن أن يقارن مسلسل ” فاتن أمل حربى ” بالأعمال الفنية التى أثرت فى الوعى المجتمعى، وقادت إلى تغيير اتجاهات الرأى العام، وحملت المشرع إلى تعديل القانون، مثل أفلام ” الزوجة الثانية ” و” جعلونى مجرما ” و” أريد حلا “، والسبب فى ذلك أن المسلسل غارق فى المباشرة والتكرارالممل، مفتقر إلى أسس الصراع الدرامى، ففى كل حلقة تعاد المقولات ذاتها، وتطرح الأسئلة ذاتها، ويبدو إبراهيم عيسى هوالذى يتحدث بكل فجاجته على لسان الممثلين، هو الذى يحاور ويناور ويطعن فى الدين، الأمر الذى يعمق الاستقطاب فى المجتمع، ويأتى بنتيجة عكسية لما هو مطلوب، فالشيء إن زاد عن حده انقلب إلى ضده.
مشكلة المسلسل ليست فى حقوق المرأة، فالخطاب العام يؤيد إنصاف المرأة، وقد بلغ القانون فى ذلك مبلغا غير مسبوق، وأية مزايدة فى هذا الشأن ستحدث خللا فى التوازن القائم مع حقوق الطرف الآخر، وإنما المشكلة الحقيقة فى الرسائل الملغومة التى حملها المسلسل وقوبلت بالرفض والاستنكار مثل :
ــ شيطنة الرجل ـ الزوج ـ وتحميله كل الموبقات، فهو مجرم أنانى بخيل، فاجر متهتك بلا دين ولا خلق، بينما المرأة ـ الزوجة ـ هى الضحية دائما، البريئة المتفتحة، حاملة أعباء الأسرة وتربية الأبناء، وهذا التعميم الخاطئ كفيل بحمل فتياتنا على كراهية الرجل، والنفور من فكرة الزواج، وكفيل بخلق جبهة مضادة مقاومة لحقوق المرأة، نعم هناك رجال أشرار، وهناك أيضا نساء شريرات، المسألة لا تتعلق بالجنس وإنما تتعلق بالتربية والتعليم.
ــ التهكم على فكرة ” طاعة الزوج “، باعتبارها مخالفة للدستور وحقوق الإنسان، ومقابلتها بالدعوة إلى طاعة الزوج لزوجته، ووضع الدستور فى مواجهة مع القرآن الكريم الذى يأمر صراحة بطاعة الزوج فى قول الله تعالى:” فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا “.
ــ التأكيد على فكرة ” الاستبداد الذكورى “، وتصوير مؤسسة الزواج على أنها حلبة صراع على السلطة بما يهدد السلم المجتمع، والسخرية من المفاهيم الدينية، مثل المودة والرحمة، والتعاون والشراكة والاحترام المتبادل، وقصر مفهوم ” قوامة الرجل ” على إنفاق المال دون أدنى حق له فى رعاية الأسرة وقيادتها، وتحمل مسئولية تقويمها وتربية الأولاد على القيم الصحيحة.
ــ التأكيد على فكرة المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة فى الحقوق والواجبات، وفى الميراث، اقتداء بالنموذج الغربى ” العادل والناجح “، وهو ما يعنى الغمز فى النموذج الإسلامى الذى يرتب حقوقا متكاملة لكلا الزوجين، حتى تسير بهما مركب الزوجية إلى بر الأمان، “ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة “، ودون أية إشارة إلى الفشل الذى انتهت إليه مؤسسة الأسرة فى الغرب، بسبب تلك المساواة المزعومة، وانتشار الزواج المدنى، والممارسات الجنسية خارج إطار الزواج للتحلل من تكاليفه والتزاماته، والتهرب من إنجاب أولاد وتحمل مسئولياتهم، وانتشار ظاهرة الزواج “المثلى”، والممارسات الجنسية الآمنة العابرة للنوع.
ــ الإلحاح على أن من تتبنى الفكر النسوى المتطرف وتتمرد على أحكام الشريعة الإسلامية هى دائما صاحبة الفكر التقدمى المستنير والحجة البالغة، القادرة على إقناع كل من يجادلها، وتحويله إلى تابع لها، مبهور بمنطقها وحكمتها وشجاعتها وسداد رأيها، الشيخ الأزهرى والقاضى ومن دونهما، أما من يختلف معها فهو متعصب متخلف سلفى بدائى.
فى الختام دعونى أذكركم مرة أخرى، هذه ليست رسائل المرأة “الخارقة” فاتن أمل حربى، وإنما رسائل الكائن “الخارق” إبراهيم عيسى، الرجل ذو الألف وجه، الذى يتهكم على القرآن الكريم ويرقص ساخرا من آياته ” سلطانيه .. سلطانيه “، وينكر المعراج، ويتهم الصحابة بأنهم “القتلة الأوائل”، ومع ذلك مازال يفتى ويعظ، ويعطينا دروسا فى صحيح الدين!!
لنا الله أيها الطيبون
كل عام أنتم طيبون.