افتتاح دورة اتحاد الإذاعات الإسلامية بأكاديمية الأوقاف الدولية
“المواطنة والسلام المجتمعي والعالمي”
والجماعات الإرهابية لا يمكن أن تعمل في ظل دولة قوية مستقرة
ويؤكد :
واجبنا العمل على استصدار قوانين دولية مُلزمة لمن يتطاول على ديننا أو على مقدساتنا
ودورنا كعلماء وإعلاميين هو البلاغ وليس الهداية ولا الحساب
كتب عادل يحيى
في إطار دور وزارة الأوقاف المصرية في نشر الفكر الوسطي المستنير داخل مصر وخارجها، افتتح معالي وزير الأوقاف أ.د/محمد مختار جمعة الدورة العلمية الدولية لاتحاد الإذاعات الإسلامية اليوم السبت 14 مايو 2022م بأكاديمية الأوقاف الدولية لتدريب الأئمة والواعظات وإعداد المدربين بمدينة السادس من أكتوبر ، بحضور كل من أ.د/ شوقي علام مفتي الديار المصرية ، والدكتور/ عمرو الليثي رئيس اتحاد الإذاعات الإسلامية ، والأستاذ/ محمد نوار رئيس الإذاعة المصرية، وأ.د/ حسام موافي أستاذ أمراض الباطنة بكلية الطب جامعة القاهرة، وبمشاركة نخبة ممتازة من رؤساء ووكلاء ومديري الإذاعات الإسلامية وكبار المسئولين و المذيعين باتحاد الإذاعات الإسلامية، وعدد من قيادات وزارة الأوقاف وعدد من السادة الإعلاميين ووسائل الإعلام.
وفي مستهل افتتاح الدورة دعا أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف الحاضرين للوقوف دقيقة حدادًا على روح المغفور له سمو الشيخ/ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة.
وفي كلمته رحب أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف بفضيلة أ.د/ شوقي علام مفتي الجمهورية ، كما رحب بالدكتور/ عمرو الليثي رئيس اتحاد الإذاعات الإسلامية ، والسادة ضيوف مصر الكرام والأئمة والواعظات والإعلاميين وممثلي وزارة الخارجية ، مؤكدًا أن موضوع هذه الدورة ذو طابع إسلامي خاص ، حيث تدور حول “المواطنة والسلام المجتمعي والعالمي” ، مؤكدًا أن المواطنة لا تتناقض مع العمل الإسلامي المشترك ، بل يدعمان بعضهما ويغذي أحدهما الآخر.
مشيرًا إلى أن مفهوم الوحدة الإسلامية عام وشامل ، حيث يضم تحت لوائه فيما يخص هذه الدورة اتحاد الإذاعات الإسلامية ، والتي تضم بدورها جميع دول مؤتمر العالم الإسلامي ، وهذا يُشكل نوعًا من أنواع الوحدة الإسلامية ، مبينًا أن الوحدة الإسلامية يتنازعها تياران ؛ الأول: تيار عقلاني وموضوعي وواقعي وشرعي ويتمثل في مثل هذا الاجتماع وهو أن يتعاون المسلمون في قضاياهم المشتركة ، سواء التعاون في المجال الاقتصادي بين الدول الإسلامية ، أم التعاون الثقافي في مثل هذه الدورات واللقاءات ، وتوحيد الرؤى والأهداف ، أو توحيد المواقف أمام المؤسسات الدولية ، فيكون لدينا رأي موحد أمام المحافل الدولية إذا واجهنا أمرًا يمس شرعنا وديننا ، كأن نتقدم بميثاق دولي مُلزم لتجريم الإساءة للأديان والمقدسات وليس الإسلام فقط ، وعندما يتم التطاول على مقدساتنا بمثل ما حدث في الرسوم المسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم) ، أو المحاولات الآثمة والمتكررة لحرق المصحف الشريف ، بأن يكون لنا صوت إعلامي وثقافي واحد نُشعر الناس بغيرتنا على ديننا ، ونسعى جميعًا لتجريم مثل هذه الإساءة ، ومحاولة إصدار قوانين دولية مُلزمة لمن يتطاول على ديننا أو على مقدساتنا ، إذًا فوحدة الصف الإسلامي من هذا المنطلق بما يخدم قضايانا الإسلامية ، وهذا هو التيار العقلاني الموضوعي ، أما التيار الآخر وهو الذي تاجرت به الجماعات الإرهابية والمتطرفة تحت دعوتهم إلى ما يُسمى بدولة الخلافة وهي في منظورهم جمع المسلمين جميعًا في دولة واحدة وعلم واحد وحاكم واحد ، وهذا أمر خارج عن العقل والمنطق والموضوعية، فكيف نطلب من جميع المسلمين في العالم أن يتركوا أوطانهم ويتكتلوا في منطقة جغرافية واحدة ، وهذا أمر غير قابل للتطبيق فلمن يكون ولاؤهم وهم في دولة أخرى؟
مؤكدًا أن مفهوم الدولة الآن له تشابكات كبيرة ، فما يحدث في دول العالم من حروب الآن لا يؤثر على المحيط الجغرافي لهذه الدول فقط وإنما يؤثر على العالم كله ، فمفهوم الدولة وتشابكات وتعقيدات الدولة الحديثة أمر مختلف تمامًا ، فالإسلام لم يضع قالبًا جامدًا ثابتًا لنظام الحكم ، وحين يطالب الشباب بالحكم بشرع الله فنحن كذلك أيضا نحب أن نحكم بشرع الله ، وهنا نسأل سؤالا وهو ما الذي لا نحكم فيه بشرع الله؟ فحين نطالع حديث الإسلام : “بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ شَهادةِ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ وصَومِ رمضانَ وحجِّ البيتِ لمنِ استطاعَ إليهِ سبيلًا”، فهذه هي أركان الإسلام الخمسة ، هل نص النبي (صلى الله عليه وسلم) فيها على قضية الخلافة ، وحديث الإسلام والإيمان : “أن تؤمنَ باللهِ وملائكتِهِ وكتبِهِ ورسلِهِ ولقائِهِ و القدرِ خيرِهِ وشرِّهِ أُرَاه قال : وحلْوِهِ ومُرِّهِ قال : صدقْتَ فقال النبيُّ هذا جبريلُ جاءَكم يعلِّمُكم أمرَ دينِكم” ، فلا هي من أركان الإسلام ولا من أركان الإيمان ، ولو كانت أصلا لتضمنتها هذه الأحاديث النبوية الصحيحة ، فما جاء في شأن الخلافة يحمل على أن يكون هناك نظام حاكم للناس ، وأن لا يترك الناس فوضى ، فلم يضع الإسلام تفاصيل دقيقة لنظام الحكم وإنما وضع ضوابط للحكم الرشيد ، منها: تحقيق العدل ، فغاية الحكم الإسلامي العدل بين الناس ، كما أنه يعمل على منع الفساد بكل أنواعه سواء أكان رشوة أم محسوبية أيًّا كان نوع الفساد ، كما أنه حكم يوفر حرية المعتقد ولا يضيق على الناس في إقامة شعائرهم ، كما أنه حكم يسعى لقضاء احتياجات الناس الحياتية ، فأي حكم يوفر هذه الأمور فهو حكم رشيد سمه بعد ذلك ما شئت ، ففي أي دين من الأديان لا يختلف اثنان على ضرورة هذه الضوابط لكل الشعوب.
مؤكدًا أن مصالح الأوطان من صميم مقاصد الأديان ، وأن الجماعات الإرهابية اتخذت من الهجوم على الأوطان خطًا ثابتًا ، لأنهم لا يمكن أن يعملوا في ظل دولة قوية مستقرة فهم لا يعملون إلا في الدول الرخوة اقتصاديًّا أو أمنيًّا ، فهم لا يبنون جماعاتهم إلا على أنقاض الدول ، والتجربة خير شاهد ، فعندما تتعرض الدول لهزة أمنية أو اقتصادية تنشأ هذه الجماعات ، والدول المستقرة لا مجال لعمل الجماعات فيها لذلك هم أعداء الاستقرار والأمن ودورهم هو زعزعة هذا الاستقرار ، إذًا الهوية الوطنية لا تتناقض أبدًا مع الوحدة الوطنية.
مشيرًا إلى أن الهوية الإسلامية ليست هوية انعزالية بل على العكس ؛ فهي هوية تعايش ، وميثاق المدينة خير شاهد فديننا دين التعايش وقبول الآخر ، يقول الحق سبحانه : “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ” ويقول سبحانه: “أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ” ، بل إن جمع الناس قسرًا تحت هوية واحدة عكس سنة الله في الكون ، ودورنا كعلماء وإعلاميين هو البلاغ وليس الهداية ولا الحساب يقول سبحانه : “إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ” لكن للأسف يقوم البعض بتنصيب نفسه حاكمًا على الناس أو الحكم على الناس بالتكفير ، كما تقوم به هذه الجماعات ، وكأنه يملك الجنة والنار ، فالحساب الدنيوي مجاله القانون والحساب الأخروي أمره إلى الله ، فلو آمنت أن دورك هو البلاغ فلا تذهب نفسك عليهم حسرات “إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ”، دورنا إذن هو البلاغ والتعايش فلو لم نعامل الناس بما يجب أن نكون عليه من السماحة كيف ننشر ديننا ويعلم الناس سماحة ديننا.
مؤكدًا أن الهوية الإسلامية لا تتناقض مع الهوية الوطنية ولا تتناقض مع العيش الإنساني المشترك ، فالدول ذات الأقلية المسلمة يجب على المسلم أن يكون وفيًا فيها لوطنه، سواء أكان يعيش في دولة ذات أغلبية مسلمة أم دولة ذات أقلية مسلمة، فيجب عليك أن تكون وفيًّا لوطنك هذا فقه العيش المشترك .
وفي ختام كلمته أشار معاليه إلى أننا مع قامات إعلامية وثقافية كبيرة مؤكدًا على ضرورة الاهتمام بالعلم من المهد إلى اللحد ، ومن المحبرة إلى المقبرة ، وبالنهاية : “وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا” ، “وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ” ، ففي مجال العلم والثقافة مهما كان علمك ومهما كانت ثقافتك ومهما كانت خبراتك فحيث تتوقف عن التحديث والتطوير والتعلم يسبقك الزمن ويسبقك الآخرون ، في زمن شديد التصارع كثيف المعلومات ، فمن اعتمد على خبراته ربما خانته أو توقفت به عند حد معين ، ولذا كان الشافعي (رضي الله عنه) يقول:
أأََبيتُ سَهرانَ الدُجى وَتَبِيتُهُ
نَوماً وَتَبغي بَعدَ ذاكَ لِحاقي
وكان المتنبي يقول:
كلامي منطق العربي الأصيل
وَكانَ بِقَدرِ ما عانيتُ قيلي
وَلَيسَ يَصِحُّ في الأَفهامِ شَيءٌ
إِذا اِحتاجَ النَهارُ إِلى دَليلِ
وكان أبو فراس يقول:
وَنَحنُ أُناسٌ لا تَوَسُّطَ عِندَنا
لَنا الصَدرُ دونَ العالَمينَ أَوِ القَبرُ
تَهونُ عَلَينا في المَعالي نُفوسُنا
وَمَن يخَطَبَ الحَسناءَ لَم يُغلِها المَهرُ
مؤكدًا أن مهر الثقافة والعلم أن تظل إلى آخر نفس تتعلم ، وقالوا الناس عندنا يتحدثون يدونون أفضل ما يقرأون ، ويقولون أفضل ما يحفظون ، فعلى قدر ما تكون من حصيلة علمية وثقافية تستطيع أن تؤدي ، والإنسان مهما كبرت سنه يظل في حاجة إلى طلب العلم، وإلى أن يتعلم لغات الآخرين ، فمن قال لا أعلم قلنا له تعلم ، ومن قال لا أستطيع قلنا له حاول ، ومن قال مستحيل قلنا له جرب.