لعل الأزمة الحقيقية التى يواجهها مشروع الكد والسعاية هي تلك المفاجأة التي أصابت دعاة تحرر المرأة بالدوار.لقد كان الفكر محصورا في كيفية اقتسام الزوجة لثروة زوجها على طريقة بعض الدول الغربية وظنوا أن القضية جديدة ومستحدثة وأنهم أتوا بما لم يأت به الاوائل..فكانت الصدمة كبيرة بأن القضية لها جذور واصول إسلامية اوضحها وابانها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ثم توالى الحديث والاستخراج والاستنباط والنماذج المطبقة في قوانين بعض الدول خاصة في المغرب العربي وجنوب شرق آسيا..
المفاجأة الأكبر التى ظهرت بوضوح ذلك الاصرار على النموذج الغربي وضرورة وجود نص قانوني ملزم يعطى الزوجة الحق في نصف ثروة الزوج وأقتسامها معه مهما كانت الأسباب سواء كانت تعمل او لا تعمل مشاركة له ام غير مشاركة..ولعل هذا ما ظهر جليا في المنشورات والمواد الدعائية التي تروجها تلك الجماعات عن مطالبها من قانون الأحوال الشخصية الجديد..وبعض هذه المطالب مخالف مخالفة صريحة لنصوص القران والسنة فهم لا يأبهون بذلك ولا تأخذهم في دين الله الا ولا ذمة خاصة فيما يتعلق بالمواريث وهي محددة تحديدا صريحا في ايات القران الكريم وكذا الامر بالنسبة للطلاق والزواج..المطالب المعلنة تؤكد ان وراء الاكمة ما وراءها وليست متعلقة بحقوق المراة وحمايتها والحفاظ عليها من ذئاب الانس والجن كما يدعون..
الحقيقة أنهم لا يريدون كدا ولا سعاية لا يريدون شيئا ما يمت للشريعة بصلة لا يريدون أن يسمعوا مجرد اسم الفقه والفقهاء وهم معذورون فكم من حوائط أقيمت بينهم وبين الفكر الإسلامي وكم من حملات تشويه للفقهاء واتهامات بالتخلف والرجعية وفي ابسط الأحوال يقولون هم رجال ونحن رجال..أو كانوا في زمان غير زماننا واجتهاداتهم لا تلزمنا.
لذلك فإنه مهما بذل العلماء من جهد في الكشف والأبانة عن فقه الكد والسعادة فإنهم سيجدون آذانا صماء لدى هؤلاء وللاسف فهم الاعلى صوتا والاكثر صخبا وجلبة ولهم أنصار في الداخل والخارج من العلمانيين واللادينيين ومن شايعهم.
وبالتالي سيستمر التوتر وحالة البلبلة. والخوف كل الخوف أن يحدث مثلما كان يحدث مع قوانين الأحوال الشخصية السابقة من محاولات للتلفيق والتمويه أو ما يسمونه التوفيق فتصدر قوانين معيبة مشوهة ضررها أكثر من نفعها ونفاجأ بعد مدة ليست بالطويلة أننا أمام وضع صعب يلزم معه تغيير قانون الاحوال الشخصية ومعالجة الكوارث التي نجمت عنه والتداعيات التي أدى إليها..
السؤال الان ..وما العمل إذن أو وما الحل للخروج من المأزق؟!
الجواب ببساطة يكمن أولا في مسألة الوعي..وهي قضية اهملناها كثيرا وسمحنا لتيارات العبث بالعقول أن تتمدد وتتوغل وسمحنا لجمعيات مشبوهة أن تمارس عملها بكل حرية وهي معروفة بأهدافها واتجاهاتها نحو المرأة جمعيات غربية تعمل تحت ستارات مختلفة ترفع شعارات دعم المرأة وقضاياها وهي في الأساس تعمل على تغريب المرأة وخلق نماذج متمردة على المجتمع والقيم الإسلامية تحديدا وكلما زاد التمرد والخروج والسفور والنفور والتحلل والانحلال كان الدعم اكبر..وكانت المنح للسفر إلى الخارج والمكافآت وغيرها اكبر واسهل..
بالطبع لا يمكن أن نعفي المؤسسات الثقافية والدينية والاجتماعية ومؤسسات التنشئة الاجتماعية عموما من المسئولية عن جريمة التقصير وعدم القدرة على المواجهة وتصحيح الأفكار الهدامة والحد من خطورة عمليات التغريب المستمرة بلا هوادة ولا أبالغ إذا قلت إن هذا التقاعس أو التراجع تدفع ثمنه الان من مصداقيتها وقوة تأثيرها ويجعلها هدفا سهلا في مرمي نيران حتى المتردية والنطيحة!!
تصحيح صورة العلاقة بين المرأة والرجل بات أمرا ضروريا..آن الأوان ان تتغير تلك النظرة التي يحكمها الصراع وتتحكم في تحريكها النزوات وتشعلها نيران الكراهية وتتحول الى نظرة تكامل وحب وود وتفاعل مثمر إيجابي لاتناقض ولاتنافر فالرجل ليس عدوا للمرأة..الرجال شقائق النساء هذه الصورة الصحية والعبقرية للعلاقة بينهما في الاسلام بعضكم من بعض..أما قلبها وجعل الأمر مواجهة حامية الوطيس الغلبة فيها للاقوى بأي وسيلة فهذا خطأ فادح وظلم بين للمجتمع قبل أن يكون للمرأة والرجل معا..من الخطأ الذي يصل حد الخطيئة ان تتحكم في النظر للعلاقة بين الرجل والمرأة تلك النظرات الضيقة التي يسيطر عليها فكر الشواذ من ناحية او القياس على الحالات الشاذة من ناحية أخرى وتلك كارثة كبرى..
مطلوب حالة انفتاح جديدة على الفقه الاسلامي سواء من العلماء المجددين المعاصرين ومعهم المجامع الفقهية المشهورة وتقديم رؤى حية لوقائع ومستجدات العصر في الوقت المناسب وليس بعد خراب مالطة كما يقولون.
بعض العلمانيين واشياعهم في هجومهم على الفكر الإسلامي يحملون الدين أخطاء وخطايا تصرفات بعض المنتسبين إليه.. ويحاولون ايجاد ذريعة للهجوم أو التبرير لدعاويهم الباطلة فمثلا .. يريدون العبث في نظام المواريث لان البعض يتصرف بطريقة ما مع ميراث الانثى فلا يعطيها الأرض مثلا ولكن يعطيها قيمتها أو حتى أقل بزعم أن هذه ملكية العائلة لا تذهب لغريب..أو أن يعطى الأخ او العم اوالجد نفسه الحق في التصرف في مالها وينسى قاعدة أن المرأة لها ذمتها المالية المستقلة ولها الحق في التصرف فيها كيف تشاء..
وفي الوقت نفسه فإن كشف وتعرية الدعوات والأفكار الهدامة التى تريد النيل من هويتنا وخصوصيتنا الدينية والثقافية لم تعد مسألة ترف يجوز التهاون معها أو التعامل معها بتراخ خاصة بعد أن سقطت نظرية العولمة وفشلت فشلا ذريعا ولم يستطع أصحابها فرضها ولو على أنفسهم.
نقطة بالغة الأهمية وهي الاستعجال أو ما يعرف ب سلق القوانين فإذا جاز الأمر مع قضايا أخرى في الاقتصاد مثلا لمواجهة حالة طارئة فإنه غير مقبول مع الأحوال الشخصية التى يفترض أنها تتمتع بدرجة عالية من الاستقرار والثبات على الأقل في الركائز الأساسية أما الفروع والمستجدات للحياة العصرية فتكون مسألة بسيطة.
هناك فتوى شاملة للأزهر في الكد والسعاية ترسي مجموعة من القواعد المهمة والحاكمة في هذا الصدد اعتقد انها تتفوق في مبادئها عن أي تشريعات أخرى فيما يتعلق بنصيب الزوجة وحقها في ثروة زوجها سواء كانت في عصمته او انفصلت عنه او حدثت الوفاة على سبيل المثال:
ان حقّ الكدّ والسّعاية ليس خاصًّا بالزوجة في مال زوجها بل ما يستحقه كل من ساهم بماله أو بجهده في تنمية أعمال أحدٍ وثروته كالابن والبنت إذا ساهموا.
حقّ المرأة في ثروة زوجها لا يتعلق باقتسامها ولا يُقدَّر بنصفها أو ثلثها وإنما يُقدّر بقدر مالِ الزوجة المُضاف إلى مال زوجها وأرباحه وأجرة سعيها وكدِّها معه ويمكن للزوجة المطالبة به أو المسامحة فيه أو في جزء منه.وان من إنصاف الزوج وحسن عشرة زوجته أن يعطيها حقها في حياته بنفسه.
ان أعمال المرأة المنزلية لا تدخل في الكدّ والسّعاية فعمل الرّجل خارج المنزل خدمة ظاهرة لزوجته وأهل بيته حتى يُوفر لهم النّفقة وأعمال المرأة المنزلية خدمة باطنة لزوجها وأبنائها حتى يتحقّق السّكن في الحياة الزّوجية.
وغير ذلك من أمور مهمة مطلوب استيعابها اذا اردنا انصافا واذا كنا نسعى لتحقيق الاستقرار والأمان الاجتماعي والنفسي والاسري.
والله المستعان..
Megahedkh@hotmail.com