مع مرور الزمن أثبتت النساء عن جدارة استحقاقهن مشاركة الرجال في بناء المجتمع وتطويره، ويعود سبب ذلك إلى النجاحات العديدة التي حققتها النساء في مختلف مجالات العمل، دائماً كانت المرأة تعد الكائن الأضعف والذي يحتاج إلى رعاية وحماية واهتمام كونها عاجزة اقتصادياً واجتماعياً وعاطفياً، ولكن مع مرور الوقت ومع تمكن المرأة من الاستقلالية والريادة في أغلب المجالات، لم تُعد المرأة الكائن الأضعف في أغلب المجتمعات،
ولكن يجب على كل امرأة عصرية وعصامية التوفيق بين سائر واجباتها في آن واحد، وذلك يتضمن نطاق العائلة والبيت الزوجي والأولاد. وفي بعض الأحيان قد تضطر المرأة العصرية والعصامية على الاستقلالية والريادة، وذلك لدعم عائلتها وتوفير حياة أفضل لهم، وهذا ما يقوي شخصيتها ويجعلها تتمكن من التفوق على مخاوفها، ويزداد الضغط على المرأة في أنها لا يجوز إطلاقاً أن تتفوق في قطاع معين على حساب قطاع آخر، حيث يجب عليها الموازنة بين مختلف الأدوار التي تمثلها، حيث إن المرأة العصرية الناجحة هي تلك القادرة على التوفيق بين مختلف جوانب حياتها، وذلك بترتيب أولوياتها وجدول أعمالها للتأقلم مع أي تغيير يطرأ على حياتها.
ثبتت المرأة على مر العصور قدرتها العلمية والمعرفية وإسهاماتها في مجال العلوم. ولعلنا دائما نستذكر قول الشاعر حافظ إبراهيم في قصيدته “العلم والأخلاق”: “الأم مدرسة إذا أعددتَها.. أعددت شعباً طيّبَ الأعراق”.ومن هذا المنطلق تكمن أهمية المرأة في بناء المجتمعات ورقيها بالأخلاق والعلم والمعرفة. وللتمعن في دور النساء في مجالات العلوم والحياة العلمية نجد أنها ليست وليدة اليوم،
فمنذ بزوغ فجر الحضارة الإسلامية كانت لهن مشاركات فعالة من خلال حضورهن مجالس العلم، بل غدت بيوتهن منارة مشعة للعلم والمعرفة، وتتلمذ على أيديهن العديد من العلماء والفقهاء والأدباء مثل: ابن حجر وغيره، وفق ما ورد في كتابه “المعجم المفهرس” وكتاب “المجالسة” لأبي بكر الدينوري وكتاب الإمام الذهبي “معجم شيوخ الذهبي”، إضافة إلى منحهن ألقابًا تناسبت مع تلك الإسهامات العلمية والفكرية النبيلة، منها: ستّ العلماء والفقهاء، ستّ الخطباء والقضاة، فخر النساء، وغيرها من الألقاب التي اختُصصن بها نتيجة دورهن في تطور المجتمع.
تعد المرأة إحدى أهم الأطراف المساهمة في تحقيق التنمية المستدامة والسعي من أجل بيئة نظيفة خالية من الكربون، ولا يقل دورها عن دور الرجل في إيجاد حلول لتحديات تغير المناخ ودعم الجهود من أجل مستقبل مستدام. ونلاحظ بروز العديد من النساء في مجال علوم الصرفة والعلوم التطبيقية، كالطب والرياضيات والفلك، ومنهن “زينب” طبيبة “بني أود”، وفي الرياضيات “لبنى”، التي كانت كاتبة الخليفة الأموي المستنصر، وفي الفلك برزت عائشة بنت طلحة، وغيرهن من اللواتي كانت لهن بصمة واضحة في مجالات العلوم الأخرى. في حقيقة الأمر، لقد حملت المرأة العربية رسائل في غاية الأهمية في تكوين المجتمع والنهوض به، وتمثلت هذه الرسائل في التربية والدور الاجتماعي وبناء الأسرة وإعداد الأجيال، إضافة إلى العلم والمعرفة، ومن خلال تلك الرسائل استطاعت أن توائم وتوازن بينها لكي تستكمل الصورة الموضوعية بين الأخلاقي والعلمي المعرفي التطبيقي.
لقد تواترت مراحل إسهامات المرأة في مجالات العلوم عبر حقب زمنية مختلفة، إذ كان لكل منها ظروفها وتحدياتها وتنوع مجالاتها، ويمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى تزامنت مع نشأة الحضارة الإسلامية، إذ لعبت دورا بارزا في تطورها.
المرحلة الثانية: كانت في العصور الوسطى، وقد أشار إلى تلك الفترة العديد من المؤرخين والمستشرقين والباحثين الذين سلطوا الضوء على دورها وإسهاماتها،
ومنهم هامبلي في كتابه “المرأة في العصور الوسطى”، والمستشرق جولد تسهير، الذي تناول الدور الروحي للمرأة في الإسلام، وكذلك دراسات مايكل تشامبرلين حول الحياة الفكرية في دمشق خلال العصور الوسطى، وغيرهم من اللذين أكدوا دور المرأة وإسهاماتها، والتي بقي لها الأثر الواضح على المجتمعات.
أما المرحلة الثالثة، فهي في العصر الحديث، إذ نلاحظ حضورها بشكل فعال من خلال تعدد مشاركاتها، والتي يمكن أن نطلق عليها مرحلة النضوج الفكري والعلمي للمرأة، الذي تشكل نتيجة للتطور الاجتماعي والاقتصادي والعلمي والتكنولوجي، وأصبح لها دور مباشر وحيوي في هذه المرحلة، علاوة على كونه تحديا في آنٍ،
لكنها استطاعت أن تبرز هذا الدور بشكل متكامل لتواكب مسيرة البناء، الذي انعكس على تقدم المجتمع. وإذا ما أمعنا النظر في دور المرأة، لا سيما في العصر الحديث، نجد تنوع مشاركاتها في المجال العلمي والعملي والمهني، وكذلك التقني، ولم يقتصر دورها على الاجتماعي، إذ أصبحت معلمة وقاضية وأديبة ومهندسة وبرلمانية وسفيرة ووزيرة، بالإضافة إلى ممارستها المجالات العملية المهنية الصعبة، والتي كانت مقتصرة على الرجال، كالطيران بشقيه المدني والعسكري،
ومن هنا خصصت الأمم المتحدة في الحادي عشر من فبراير “اليوم العالمي للمرأة” في ميدان العلوم، حيث يأتي هنا دور الدول والمجتمعات بالاهتمام بدور المرأة العربية وإتاحة الفرصة لها وتمكينها في مجالات العلوم والمعرفة كافة.
حقيقة لم يقف دور المرأة عند هذا الحد، بل اقتحمت مجال الفضاء، الذي كان يقتصر على نساء الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وبعض الدول الغربية، إلا أن المرأة العربية بوجه عام، والإماراتية على وجه الخصوص، بدأت تهتم بمجال الفضاء، حتى أصبحت تشكل ما نسبته ٤٥٪ من إجمالي القوى العاملة في قطاع الفضاء في دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي شملت تصنيع الأقمار الصناعية وهندسة الفضاء وإسهاماتها في مشروع “مسبار الأمل”، الذي أطلقته دولة الإمارات بتاريخ 20 يوليو عام 2020 لاكتشاف المريخ، وأكمل مهمته بنجاح وتميز بدخوله في المدار في التاسع من فبراير عام 2021.
يأتي ذلك نتيجة اهتمام القيادة الرشيدة للدولة بتمكين المرأة وإشراكها في مجالات العلوم كافة، كما استمر دورها الحيوي بإعلان دولة الإمارات عن أول رائدة فضاء عربية إماراتية ضمن برنامج الإمارات لرواد الفضاء لتواصل مسيرة النجاحات العلمية والمعرفية. للمرأة العربية طموح لا مُتناهٍ، واستمرارية للعلم وإصرار على التحدي لتصبح عضوًا فعالًا في المجتمع، وتسهم في رقيه، لتشكل نموذجًا مشرفًا متميزًا في مجالات العلوم والفكر المتقدم كافة، والذي نأمل أن ينعكس على الأجيال القادمة.
والمرأة هي القادرة على العمل خارج المنزل وداخله، حيث إن التجارب الحياتية أثبتت أن المرأة عنصراً هاماً أسهم في بناء في المجتمع، ولها قدرة على تحمل المسؤوليات التي تُعطى إليها سواء كان على صعيد العمل أو على صعيد المنزل.
إن الدول والمجتمعات الحكيمة والمتقدمة هي التي تعرف جيداً مكانة المرأة في المجتمع، وقدرة المرأة على بناء المجتمع ودورها اللامحدود في ذلك، حيث إن المجتمعات المتقدمة تستفيد بشكلٍ كبير من قدرات المرأة في شتى المجالات، وهذا يدل على أن دور المرأة في تنمية المجتمع مهم جداً، ويمكن ذكر دور المرأة في تنمية المجتمع كما يأتي:
– النساء هن القائمات على رعاية الأطفال والشيوخ والرجال في كل مجتمعٍ، وفي كل بلد في العالم، حيث إن بعض الدراسات أثبتت أنه عندما يتغير الاقتصاد والتنظيم السياسي لمجتمع ما على سبيل المثال تأخذ النساء زمام الأمور في مساعدة أسرتها على التكيف مع الظروف والتحديات الجديدة.
– دور المرأة كمعلمة مهم جداً في المجتمع، حيث هي الأساس بتعلم المجتمع القراءة والكتابة، ويكمن مفتاح قدرة المجتمع والأمة على التطور بالتعليم بيدها، حيث أظهرت الأبحاث أن التعليم يحسن الإنتاجية الزراعية، ويعزز وضع الفتيات والنساء في المجتمع، ويقلل من معدلات النمو السكاني، ويعزز حماية البيئة ويرفع مستوى المعيشة.
– دور المرأة كعاملة في المجتمع من أهم أسباب تنمية المجتمع، حيث تبلغ حصة الإناث من القوى العاملة العالمية إلى 45.4%، حيث إن المجتمعات التي تعمل بها المرأة تتحول من مجتمعات تتمتع بالحكم الذاتي إلى مجتمعات مشاركة في الاقتصاد الوطني.
– دور المرأة كمتطوعة مهم في تنمية المجتمع، حيث يُساعد تطوع النساء في التطور الأكاديمي، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي وتوفير التعليم في مجال التغذية والصحة ومحو الأمية وغيره الكثير.
أهمية المرأة في المجتمع
خلق الله تعالى البشر ذكوراً وإناثاً، وهذا التنوع ذكره الله تعالى في آياته فهو نابعٌ من أصلٍ واحد، قال تعالى في سورة النساء: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)، وقد ساوى الله تعالى بين عباده في الخَلق والتّكريم، وبالرّغم من اختلاف دور الرجل عن المرأة في المُجتمع، إلا أنَّ المرأة شأنها شأن الرجل، رفع الله سبحانه من مكانتها وأوصى النبي(ص)- بها، وبالفعل أثبتت المرأة نفسها في المُجتمعات العربية والغربية في مُختلف المجالات.
أهمية المرأة في المجتمع في ظلِّ الجاهلية قديماً كانت المرأة عبارة عن أداة وسلعة بأيدي الرّجال، يشترونها ويبيعونها كأيّ سلعة رخيصة أو حتى بلا ثمن، فكانوا يعتقدون أنّها مصدر الخزي والعار لهم، وكانت تُعامل أيضاً بشتّى وسائل القسر والعنف والاستبداد، حيث كانت تُجبر على الزّواج وتُمنع من أبسط حقوقها، إلا أن الإسلام جاء ورفض جميع اعتقادات الجاهلية الأولى، وكرّم المرأة ورفع من مكانتها في المُجتمع، وأعاد إليها جميع حقوقها التي سُلبت منها، وساوى بينها وبين الرجل في التعليم والعمل، وجعل منها عُنصراً فعّالاً في المُجتمع.
وها هي اليوم تحتل أبرز المكانات في المُجتمع على مُختلف الأصعدة، فهي الأم الحنونة والمربية الفاضلة والزوجة الناضجة، والمُعلمة والطبيبة والمُهندسة والمُحامية، كما أصبحت المرأة شخصاً مسؤولاً تتحمل أعباء المنزل مع زوجها وتقدم يد العون له، وتُربي أطفالها وتُخرج أجيالاً ناضجة يزدهر بهم المُجتمع، كما وقد برز دورها الفعال في المُشاركات بالعمل السياسي، بحيث أصبح صوتها فاعلاً في التعبير عن هموم وطنها وشعبها،
وبالتالي إنَّ أهمية المرأة في المُجتمع لا تقل عن أهمية الرجل، فكلاهما فرداً من أفراد الوطن بغض النظر عن اختلاف الجنس.