البيئة لا يمكن أن تصنع من إنسان صالح (نفسه صالحة بالحقيقة) إنساناً مجرماً ولا العكس وأن الكلام على أن مظالم المجتمع جعلت فلاناً لصاً ، هذا الكلام لا يصدق دينياً ولا واقعياً . فالمجتمع يضع للجريمة إطارها فقط ولكن لا ينشىء جريمة فى إنسان غير مجرم .. بمعنى أن لص هذا الزمان تعطيه إمكانيات العصر العلمية وسائل ألكترونية وأشعة ليزر ليفتح بها الخزائن ، بينما نفس اللص منذ عشرون سنة لم يكن يجد إلا طفاشة .. كما أن قاتل اليوم يمكن أن يستخدم بندقية مزودة بتلسكوب بينما هو فى أيام قريش لا يجد إلا سيفاً ، ثم قبل ذلك بعدة قرون لا يجد إلا عصاً ، ثم قبل ذلك على أيام قابيل وهابيل لا يجد إلا الحجارة .
إن المجتمع والعصر والظروف تصنع للجريمة شكلها ولكنها لا تنشىء مجرماً من عدم ولا تصنع إنساناً صالحاً من نفس لا صلاح فيها . (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) .
وقد جعل الله هذه الأمة طبقات فى الصلاح والتقوى : فمنهم ظالم لنفسه ، وهو الذى خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً . ومنهم (مقتصد) وهو الذى لازم الطاعه الواجبة وابتعد عن المعصية ، ولم يكن له باع فى الفضائل . ولقد ضاع الهدف الذى كان لنا حيث كنا أمة لها رسالة وغاية فى الوجود ، وضاع منا الهدف أيضاً كأفراد خلقوا لغاية ، واستخلفوا فى الأرض لعبادة ربهم وخالقهم .. وعلاج هذه المشكلة أن نعود من جديد إلى أول الطريق ، ونمسك مرة ثانية بطرف الحبل ، فنوجه الأفراد الوجهة التى خلقهم الله من أجلها ، ونعلن فى الأمة الغاية التى أخرجهم الله لها لتكون خير أمة أخرجت للناس .
وبالنسبة للإنسان المجرم يتميز بصفات نفسية مختلفة عما هو موجود لدى الإنسان العادى ومنها : القسوة البالغة وعنف المزاج وحب الشر ، انعدام الإحساس بالالم والميل الى الوشم ، اللامبالاة وعدم الشعور بتأنيب الضمير وعدم الحياء . فالمجرم القاتل يتميز بضيق الجبهة ، وبالنظرة العابسة الباردة والمجرم السارق يتميز بحركة غير عادية لعينيه ، وغالبا ما يكون أشولا .
إن الإنسان الصالح هو المؤمن بالله تعالى المصدق بالكتب ، وبما جاءت به الرسل الكرام عليهم السلام .
إن الإنسان الصالح هو التقى فى نفسه ، المستقيم فى سلوكه ، القائم بالواجبات ، المجتنت للمعاصى والمنكرات .
والمجرم هو لولب الجريمة ومحركها وهو المسؤول الأول عنها حيث سيكون محل انطباق المسؤولية الجنائية عليه ، لأنه هو من يفكر ويحضر ويخطط لها ، ثم أما ينفذها أو لا ينفذها اختيارياً أو اضطرارياً .
نسأل الله العظيم أن يوقظنا وكل من فى مجتمعاتنا من الغفلات ، وأن يعيدنا إلى طريق الفلاح والعز ، لنكون جميعاً ممن ينقذون أمتنا لا ممن يكون سببا فى استمرار ذبحها ومأساتها .
قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون).