القلب ذلك المضغة كما سماه رسول الله صلوات الله وسلامه عليه “..ألا إن في الجسد مضغة إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ” وهو محل نظر الله كما أخبرنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا في قوله إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم”.
إذن القلب مدار كل شىء فهو الذي يعتقد، وهو الذي ينوي، وهو الذي يحب، ويكره، ويلين ويقسو. فيلين حتى يذوب شفقة ورقة ،ويقسو حتى يتجاوز الحجارة في قسوتها .
والقلوب اللينة قلوب رزقها الله نعمة. اللين كما رزق الحديد اللين كرامة لسيدنا داوود” وألنّا له الحديد” فزاد نفعه واتسعت مجالات الافادة به ،فالقلب اللين هو ربيع هذه الحياة وملطف حرارتها ومخفف بؤسها ومطبب مآسيها وبدون وجوده في هذه الحياة يزداد شقاء الإنسان مما يلاقيه من نفسه ومما يلاقيه من أخيه الإنسان. ولا يصبح الإنسان إنسانا وقد أشار القرآن الكريم إلى نعمة اللين في الخلق والقول في حديثه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم داعيا إياه أن يشفق بالمسلمين بعد حرب أحد حيث هزموا لأنهم لم يلتزموا بأوامره صلى الله عليه وسلم فأرشده الله إلى سر التفافهم حوله وأخبره أن يعفوا عنهم وأن يستغفر لهم ويستشيرهم فيما يفعل رغم كل ما حدث فقال تعالى :فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ” آل عمران (159) .أما في حديثه عن أثر كلام الله على المؤمنين الذين قدروا الله حق قدره و وصل كلامه إلى قلوبهم فامتلأت بنوره وأخذ منهم اليقين مكانه في أفعالهم وأقوالهم يقول تعالي:ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَٰبًا مُّتَشَٰبِهًا مَّثَانِىَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِى بِهِۦ مَن يَشَآءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنْ هَادٍ”.
وقد بشر الرسول صلوات الله وسلامه عليه أصحاب القلوب اللينة بفضل الله ورحمته فقد جاء في الأثر “..وأهل الجنة ثلاث :ذو سلطان مقسط موفق ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم عفيف متعفف ذو عيال” وكذلك في الحديث القدسي : ” لم تسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن اللين الورع.
ومما قاله مالك بن دينار : ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب وما غضب الله على قوم إلا نزع الرحمة من قلوبهم”.
وقد سئل بعض العلماء عن أسباب لين القلب فقالوا: إن أردت أن يلين قلبك فاطعم المساكين وأمسح على رأس اليتيم .
وقيل إن مما يلين القلب ذكر الله وتذكر الموت وشهود الجنازات وزيارة القبور وزيارة المرضى ومخالطة المساكين والفقراء وأهل البلاء.