المصلحة العامة أقوى تأثيراً من المصلحة الخاصة، وهذا الشرع الكريم جاء لتحقيق مصالح العباد في دنياهم وأخراهم، وعليه؛ فإن القاعدة المطردة عند أهل العلم هي أنه عند تعارض المصلحة العامة والمصلحة الخاصة ولم يمكن الجمع بينهما ترجح العامة على الخاصة، والمال العام داخل في مشمولات المصلحة العامة،
وقد قررت الشريعة الإسلامية وجوب المحافظة عليه، شأنه في ذلك شأن المحافظة على المال الخاص، وفى إطار تقريرها لذلك أوجبت أنّ جملة المصالح المتحصّلة للإنسان في العموم شأنها في ذلك شأن المصالح المتحصّلة بالخصوص، فلذا حرمت التعدي والإضرار بكلّ ما يعطّل مصالح الناس، فجاء الحديث النبوي الذى قرر فيما بعد كقاعدة من قواعد الإسلام وهو: «لا ضرر ولا ضرار».
إن التعدي على المصالح العامة تعدٍّ على حقوق المجتمع بأكمله، وضرر يلحق بالجميع، بل هو في الحقيقة جريمة في حق المجتمع لما له من آثار سلبية خطيرة، ولا نبالغ في القول أن ذلك أصبح مشكلة متلازمة مع المجتمعات النامية ومنها بعض المجتمعات في العالم الإسلامي.
من المقرر أن جناية التربح المنصوص عليها في المادة ١١٥ من قانون العقوبات تتحقق متى استغل الموظف العام أو من في حكمه بالمعنى الوارد في نص المادة ١١٩ مكرراً من قانون العقوبات وظيفته ، بأن حصل أو حاول أن يحصل لنفسه على ربح أو منفعة بحق أو بغير حق أو لغيره بدون حق وذلك من عمل من أعمال وظيفته ففي هذه الجريمة يتمثل استغلال الوظيفة العامة من خلال العمل على تحقيق مصلحة خاصة من ورائها فهناك تعارض لا شك فيه بين المصلحة الخاصة التي يستهدفها الموظف العام لنفسه أو لغيره ، وبين المصلحة العامة المكلف بها وتحقيقها في نزاهة وتجرد غير مبتغ لنفسه أو لغيره ربحاً أو منفعة فهذه الجريمة من جرائم الخطر الذي يهدد نزاهة الوظيفة العامة لأنها تعرض المصلحة العامة للخطر من تربح الموظف العام من ورائها ، ولا يحول دون توافر هذا الخطر ألا يترتب عليه ضرر حقيقي أو لا يتمثل في خطر حقيقي فعلي ، فهو خطر مجرد بحكم التعارض بين المصلحتين العامة والخاصة ، كما لا يشترط لقيام جريمة التربح الحصول فعلاً على الربح أو المنفعة ، وإنما يكفي لقيامها مجرد محاولة ذلك حتى ولو لم يتحقق الربح أو المنفعة ،
ومن ثم فإن الحكم إذ أثبت أنه قد استخدم الأفراد سالفي الذكر ومنهم الشهود من الرابع عشر وحتى السابع والثلاثون بعد المائة ، والسيارات والجرارات والمقطورات وهي مملوكة لوزارة الداخلية بناء على تعليمات مباشرة من المتهم الثاني نفاذاً لاتفاقه مع المتهم الأول ، والذي زاد على ذلك عرضه على المتهم الثالث استغلال بعض ما سلف في أرضه لإنشاءات وتشطيبات سبق بيانها وقام فعلاً بتنفيذ ذلك دون أن يدفع مقابلاً نقدياً لذلك ، إضافة إلى المهمات الخاصة بوزارة الداخلية واستغلالها في تلك الأعمال ، وذلك توصلاً لشغل مناصب أعلى في هيئة …. أعلى من أقرانه إضافة لعمله ، ثم مد خدمته في الدرجة التي يشغلها لمدة سنتين بعد بلوغه السن القانونية للتقاعد ، كما أثبت الحكم أن إرادة المتهمين قد اتجهت إلى تحقيق منفعة خاصة لهم على حساب المصلحة العامة رغم تعارض المصلحتين بدلالة تردد المتهم الأول على موقع العمل واتفاق المتهم الثاني مع الثالث على إتمام الإنشاءات لديه لتحقيق منفعة خاصة للأول والثالث ، فضلاً عما قرره الشاهد السادس عشر من أنه كان يتم استبدال اللوحات المعدنية لسيارات …. التي استخدمت في أرض المتهمين الأول والثالث بالتنسيق بين المتهمين الثاني والثالث لإخفاء أمر استخدام سيارات …. في أعمال لا يجوز استعمالها فيها ، وعند اكتشاف ذلك حاول المتهم الثاني إخفاء الأدلة ، وطلب ذلك هاتفياً من الشاهد الخامس عشر حال سؤاله أمام النيابة العامة وتأسيساً على ذلك انتهت المحكمة إلى أنه قد ثبت لديها أن المتهم الأول استغل سلطاته وحصل لنفسه دون وجه حق على منفعة من عمل من أعمال وظيفته ، وأن المتهم الثاني مكّنه من ذلك بالاتفاق معه ومساعدته بإصدار أوامر تشغيل الأفراد والمجندين ومهمات وزارة الداخلية مخالفة للقوانين واللوائح المعمول بها ، وكذلك الأمر بالنسبة للعمل في أرض المتهم الثالث بصفته …. ، وهو ما ترتب عليه ضرراً عمدياً حقيقياً حالاً ومؤكداً وثابتاً على وجه اليقين بأموال جهة عملهم ، إضافة إلى أن من عملوا بتلك الأرض لم يتقاضوا أجراً ، الأمر الذي قرره الشهود من الرابع عشر حتى السابع والثلاثين بعد المائة ، وهو ما تتوافر به سائر الأركان القانونية لجناية التربح المنصوص عليها في المادة ١١٥ من قانون العقوبات في حق الطاعنين .
الطعن رقم ١٤٩٣٤ لسنة ٨٣ قضائية الدوائر الجنائية – جلسة ٢٠١٤/٠٢/٠٤
مكتب فنى ( سنة ٦٥ – قاعدة ٥ – صفحة ٤٨ )
تعريف المصلحة: المصلحة هي جلب المنفعة ودفع المفسدة
وتشمل جميع مقومات الحياة المادية (الجسمية أو الشهوانية)، والمعنوية (العقلية أو الروحية)،
/أما المصلحة العامة فهي المنافع التي يتحقق بها صلاحُ عموم الأمة أو الجمهور، ولا التفاتَ منه إلى أحوال الأفراد إلّا من حيث إنهم أجزاء من مجموع الأمة.
ويدخل في المصلحة العامة معظم ما جاء فيه التشريع القرآني، ومنه معظم فروض الكفايات، كطلب العلم الديني والجهاد وطلب العلم الذي يكون سبباً في حصول قوة للأمة
/المصلحة الخاصة هي الأمور التي تحقق نفع آحاد المجتمع مثل أعمال العبادات من صلاة وصيام وتقوى
/ثانيا تقديم المصلحة العامة على الخاصة في الدعوة إلى الله
إن من الأمور المهمة إلى عامة الأمة إن نقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة في الدعوة إلى الله تعالى فالداعية لابد أن يتجرد من المصلحة الذاتية إلى المصلحة العامة فهو لا يخدم فراد أو جماعة أو حزبا يريد له الاستحواذ أو يريد له النفوذ وإنما يخدم الدعوة التي يحملها والتي حمله الله تعالى إياه فهو يريد الإصلاح ما استطاع إلى ذلك سبيلا /ولنأخذ صورة مشرقة لتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة في الدعوة إلى الله جاء في السيرة النبوية لابن هشام ( ت 318هـ ) هذه القصة :
((اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو سفيان بن حرب وغيرهم من رؤساء قريش وقالوا: ابعثوا إلى محمد، فبعثوا إليه: إن أشراف قومك قد اجتمعوا بك ليكلموك. فأتهم، فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعاً، وهو يظن أن قد بدأ لهم فيها كلمهم فيه بداء. وكان عليهم حريصاً يحب رشدهم ويعز عليه عنتهم حتى جلس إليهم فقالوا له : يا محمد ، إنا قد بعثنا إليك لنكلمك ، وإنا والله ما نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه مثل ما أدخلت على قومك ، لقد شتمت الآباء وعبت الدين وشتمت الآلهة ، وسفهت الأحلام وفرقت الجماعة ، فما يعنى أمر قبيح إلا قد جئته فيما بيننا وبينك فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا ، فنحن نسودك علينا ، وإن كنت تكون تريد به ملكاً ملكناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك رئيْاً تراه قد غلب عليك بذلنا أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه أو نعذر فيك فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بي ما تقولون ، ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ، ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم ، ولكن الله بعثني إليكم رسولاً وأنزل
علي كتاباً وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً فبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه على أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم … )(1)
فقد رفض الرسول صلى الله عليه وسلم لجميع مغريات مشركي قريش لترك الدعوة وذلك مقابل المال والجاه والملك ولكنه فضل المصلحة العامة على مصلحته الخاصة ورفض كل هذه المغريات
/وتحتوي هذه القصة التي تتناول سلوك النبي عليه الصلاة والسلام على مبادئ تربوية جليلة يأتي في مقدمته:
1ــ الثبات على المبدأ في مواجهة المغريات الدنيوية مهما تعاضمت .
2ــ تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة عندما تتعارض الأولى مع الثانية.
فقد رفض النبي تلك المغريات التي عرضت عليه وكان بالإمكان أن يقول عندما أصل إلى السلطة سأتحكم في الناس وسأفرض عليه الدعوة بالإكراه كما نرى من بعض التيارات الإسلامية التي اختارت طريق السلطة على طريق الإصلاح والدعوة فباءت بالفشل
3ــ رفض السلطة أو الثراء خشية معصية الله ومخافة الوقوع تحت تأثير سوء استغلال هاتين الوسيلتين الدنيويتين.