هل ينجح كبار علماء الأمة المجتمعون في القاهرة في وضع خريطة طريق لحالة الفوضى بإسم الدين على وسائل التواصل الاجتماعي ويشارك فيها خلطة عجيبة وجمهرة من أعداء الدين ومحبيه والمنتسبين إليه والمشتغلين به والعاملين عليه والمؤلفة قلوبهم؟!
بوارق الامل وسقف التطلعات تتصاعد في البحث عن مخرج مناسب أو وضع حد للمعضلة مع اقتراب موعد جلسات مؤتمر الاجتهاد الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بعد غد السبت في القاهرة تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي..
لا يخفى على احد حالة الفوضى واللخبطة بل والاضطراب الفكري والذهني التي احدثتها وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة خاصة فيما يتعلق بالامور الشائكة في جوانب الحياة المختلفة باسم الدين وبألسنة مدعين واشباه علماء ومن يرون في انفسهم اهلا للاجتهاد بل ويتبجحون ويقولون صراحة عن هرائهم وغثائهم وخربطاتهم بانها اجتهاد منافس ومضارع لكبار الائمة الاعلام السابقين..وفي ظل حالة التيه والفوضى او الصمت المريب أحيانا او التلكؤ في الرد عليهم ومواجهتهم باساليب متواضعة لا تليق بهم حتى اخذتهم العزة بالاثم وظنوا كل الظنون وهنا ومع هؤلاء فكل الظن ليس اثما.
نعم أحدثت وسائل التواصل حالة من اللخبطة والتشويش والتشويه على الصعيد الفقهي وبيان احكام الشرع في أمور كثيرة مستجدة او وافدة على المجتمع وفرضت تحديا بالغ الصعوبة حتى على العلماء والمفتين عكسه التضارب الحادث واختلاف الرؤى والتفسير والتأويل في مسائل مستحدثة صاحبها جرأة على الدين وعلى الواقع والعادات والأخلاق المستقرة والراسخة على مدى قرون واتخذ منها المغالون والمتطرفون تكأة للهجوم على الدين ومحاولة النيل منه وتأليب ضعاف النفوس والايمان وخلق حالة من التمرد على القيم والأخلاق لم يسبق لها مثيل حتى اعتبرها الكثيرون انها من فرط تطاولها انها من علامات الساعة!
لا اعتقد ان المؤسسات الدينية رسمية اوشعبية في الوطن العربي والإسلامي قد نجحت في اختبار المواجهة والتحدي على صعيد ما يجري على ساحة وسائل التواصل بفروعها وشبكاتها اللعينة.
وذلك للعديد من الأسباب لعل أهمها تلك الكامنة في طبيعة وسائل التواصل نفسها وما تمتلكه من قدرة فائقة على الانتشار والتمدد في كل الفضاءات بلا قيود او حدود في الزمان والمكان..
والأخطر اعتمادها على نظام الوجبات السريعة في كل شيء سواء كانت مصنوعة ابتداء او مقتطعة من عمل اكبر او مجزوءة عمدا من عمل شامل قريب الصلة او شبيه بالقضية المثارة ويتم التعامل مع القضايا السهلة او الشائكة بطريقة لا تقربوا الصلاة!
في الوقت نفسه لم يستطع العاملون في حقل الدعوة افرادا ومؤسسات مجاراة التطور الرهيب على صعيد وسائل التوصل وفنون الحرب الالكترونية ووسائل الاختراق وطرق الحماية والتفاعل الحي المباشر وغير المباشر.ورغم كثرة المواقع وتعدد مشاربها الا انها أصيبت بحالة من التيه وسط الفوضى العارمة التي خلقتها الانترنت بسبب كثرة اللاعبين والعابثين والمتداعين من كل فج عميق.
ولم تستطع المؤسسات الدينية ان تقدم في الحال فقها جديدا معاصرا للمشكلات الطارئة وبدت في بعض الأحيان غير قادرة على الابداع وتكييف ما استجد من مشكلات بصورة مناسبة خاصة ما يتصل بالجياة الاجتماعية وما اعتورها من خلل كبير وتفكك وتحلل وانحلال في منظومة القيم والأخلاق. كذلك ماحدث على الساحة الاقتصادية وما استحدث من معاملات مالية تستوجب فقها جديدا ورؤى شرعية مستوعبة للمقاصد العليا للشرع الحنيف وبصورة تقطع الطريق على المزايدين والعابثين والمهرجين تحت عباءة الدين والدين منهم براء..
لايمكن ان ننكر حالة الاسترخاء الفقهي الذي وصل حد الجمود بسبب التقليد والاستغراق في مباحث ورؤى قديمة لعصور قديمة ومعارك جدلية كانت زينة ونور عصرها فسقط الكثيرون في فخ التقليد وعدم القدرة على الابداع والاستنباط واستقراء الواقع بصورة صحيحة ومناسبة وهو ما اعطى فرصة للتطاول المغرض والمهين من قبل تيارات بعينها وجماعات تهوى الصيد في الماء العكر.
صحيح هناك صحوة ودرجة من الانتباه لما يجري لكنها دون المطلوب وغير قادرة على استيعاب موجات الهدم والتشكيك المتواصلة بلا هوادة لكن لابد من تسجيل ملاحظتين مهمتين:
انها جاءت متأخرة وغير مستوعبة لما يجري وبخطى ثقيلة مرتجلة وغير منظمة.فالمواقع الإسلامية بدأت متأخرة في الظهور على الانترنت مع العام 1993 فقط .
انه مع بداية الانتشار سادت حالة من الاستقطاب الإسلامي وبرز السعي الحثيث لدى التيارات الدينية خاصة بعد ثورات ما سمي بالربيع العربي لتتبوأ مواقع الفتوى والتوجيه الديني الصدارة مما أدى الى تعدد مصادر النطق باسم الإسلام وتعدد الخطابات الدينية الامر الذي ازعج مختلف فئات الجمهور وفق ما توصلت اليه بعض الدراسات العلمية عن مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيرها – واحدث ذلك نوعا من التشتت والالتباس حول بعض الاحكام والمفاهيم الإسلامية وازدادت الازمة في ظل حالات عدم الاستقرار وظهور موجات الإرهاب الأسود.
ورغم القاعدة الشهيرة في ان لكل عصر فقهه وفقهاؤه وانه من الواجب ان يكون لكل جيل فقهه الذي يفهم به النصوص ويؤدي به واجبه نحو الالتزام بها.الا ان هناك تقاعسا يصل حد الإهمال سواء من جانب المؤسسات او العلماء الثقات وهوما كشف عنه الفارق الهائل في السرعات بين ما يجري وبين طرح الرؤى والحلول الشرعية لمشكلات الواقع المعاصر حتى ولو افترضنا انها توفرت الا انها لم تصل الى الهدف المرجو او الجمهور المستهدف ولم يتم العمل على نشرها بالقوة والطريقة التي تحدث على صعيد التفاعلات على وسائل التواصل الاجتماعي التي تعج بكتائب لاحصر لها مهمتها التشويه والتضليل والتزوير المتعمد لحقائق الدين وصورة العلماء والمصلحين وإخراج الناس من دينهم ان استطاعوا الى ذلك سبيلا فضلا عما تقوم جماعات الالحاد ومنكري الديانات.
الحقيقة التي لامراء فيها ان هذا العصر وما به من فوضى وما يتمتع به الكثير من افراد ومؤسسات ايضا من وعي شقي لايكفي فيه ومعه وجود واحد او اثنين من الفقهاء المجتهدين الى جانب مؤسسات الاجتهاد الجماعي الذين يعرفون الحق ويبينونه للناس ولا يكتمونه بل يجب ان يكون القائمون بذلك من حيث عددهم وكفايتهم وتأهيلهم وتأثيرهم جمعا كافيا لتحقيق البيان العلمي والديني والتغير الاجتماعي والسياسي لان هؤلاء هم الذين يعرف بهم الناس الحق من الباطل ويميزون الخبيث من الطيب وهؤلاء العلماء العاملون هم المدعوون في كل جيل الى بيان جديد يحقق الملاءمة بين ثوابت الشرع ومتغيرات الزمان والمكان..
آمال كبيرة معقودة على المؤتمر الذي يرأس اعماله الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ورئيس المجلس حيث يناقش العديد من القضايا المعاصرة الخاصة بالاجتهاد والتي تحتاج أيضا الى اجتهاد مثل العملات الافتراضية والمشفرة وحل قضايا البيئة والطرق الحديثة في زراعات القرنية ومسائل طبية أخرىوتدويخ الحيوان قبل ذبحه والصكوك واثرها الاقتصاد القومي وخطر فتاوى المتطرفين الالكترونية في الصد عن الدين وغير ذلك من قضايا.
**جاء رجل إلى عبد الله بن المبارك فقال له: أوصني. فقال:”راقب الله”، فقال الرجل:”وما مراقبة الله؟” فقال:”أن تستحي من الله”!
والله المستعان.
Megahedkh@hotmail.com