..وتهب نسائم ربيع الاول لتملأ الدنيا عبيرا فواحا وتهدهد ارجاء الارض تطيبها بأريج يغمرها ودا وسكينة..وتزيح سحابات الغفلة لتغشى الانوار العلوية كل الساحات البشرية..تهديها مشاعل نور من كواكب درية توقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء بأنوار محمدية.
وبقدر ما تثير عطورات الربيع من حالات حب وشجن وتعلق بالحبيب صاحب الذكرى الا أنها تستثير اسئلة أخرى شديدة الالم حول ما جرى ويجري وحقيقة الارتباط والتعلق الصادق بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يكذبه عمل وسلوك..
واقع الحال المغاير يفرض سؤالا جوهريا وبالحاح وصدق وألم ايضا..هل نحن نحب رسول الله حقيقة وعلى وجه اليقين أم أن المسألة حالة كلامية عاطفية لا نفتأ معها أن نكرر حبيبي يا رسول الله دون أن تتجاوز اللسان أو الحلق؟!
لعل المشكلة الحقيقية التى لا يعقلها الكثيرون في قضية حب النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس كأي حب لا ينفع معه الخداع ولا التورية ولا الادعاء ولا يقبل التأجيل ولا التبديل ليس أمام أهل الصدق وغيرهم الا الحب الخالص الذي لايقبل قسمة ولا شركة ولا تجزئة ولا حبا في المواسم بل هو حب نادر دائم متصل في كل الأزمان بلا حسابات ولا لوغاريتمات بلا زيف أو رياء.
أنه حب عبقري بلغت هيئته ان كان جزء اصيلا من الإيمان وشرطا له وعلامة عليه حب لن تجد له مثيلا الا في اتباع النبي محمد وأصحابه.حب ادهش العالمين منذ مطلع الرسالة حتى اولئك الكفار غلاظ القلوب والابدان..تعجبوا منه وقالوها صراحة لم نجد أعجب من حب أصحاب محمد محمدا.قالها صناديد الكفار والمشركين علانية عندما رأوا وشاهدوا وعايشوا وقارنوا نماذج الحب أمامهم. فقد كان حبا يملأ القلوب والنفوس لم يكن مجرد كلمات تلوكها الألسنة..لم تكن قصائد ومدائح ولو كانت معلقات كان حبا نابضا بكل أشكال وألوان الحيوية لاحائل دونه من نفس أو مال أو ولد..دونه اي شيء..كانوا يرونه ويعرضونه ليل نهار مخافة أن تشوبه شائبة أو يعكر صفوه شيء حتى ولو كان حديث نفس في جوف الليل..حتى حديث النفس يصوبونه فورا على البوصلة الحقيقية ويطلبون النجاة وهم يتنافسون فيما يلذ للمتنافسين أن يتنافسوا فيه..حتى أن عمر بن الخطاب يقسم بعد أن أعترف أن حبه لنفسه مقدم على حب الرسول.وبعد أن يتم التصويب والتوجيه ..لا ياعمر..لن يكون حتى يكون الله ورسوله أحب من نفسك التي بين جنبيك..فيقسم عمر بعدها أنه والله أحب إلي من نفسي ومالي.. فيقول له الرسول: الآن يا عمر !!
السؤال لماذا كان حب الصحابة للنبي على هذه الدرجة من السمو رغم أنه لم تكن هناك وسائل اتصال ولا كليات ولا اكاديميات كالتى نتعلم فيها ويتيه بها البعض وينعتون عصرهم بالمتحضر والآخر بالمتخلف الرجعي؟!
الجواب بكل بساطة أن هؤلاء الصحابة تلقوا الحب من النبع الصافي من اجمل واطهر وأنقى معين..أما اولئك فيتلقون كدرا وطينا ويسمونه حب وما له أي علاقة باسم الحب ولاشكله ولارسمه!
هل سألنا أنفسنا بصدق ممن يتعلم أبناؤنا واهلونا الحب؟واي نوع من انواع الحب حتى العاطفي وحتى حب الاوطان وحب الله ورسوله؟! للاسف الشديد معظم وجل الموارد صدئة أو عفنة أو على الأقل ممن خلطوا فيها عملا صالحا پآخر سيئا فاختلطت المفاهيم وانقلبت المعايير واعوجت المصطلحات وصارت الرذيلة فضيلة وأصبح الزنا علاقة خارج إطار الزواج واللواط مثلية والدعارة ممارسة للحب بالتراضي وبمقابل مالي والزواج فكرة رجعية لابد من تطويرها مع روح العصر وابتكار أنواع جديدة كزواج التجربة لشهر أو سنة أو غيره أو زواج المساكنة وما هو بزواج ولكنها مجرد حيل وستائر لتبرير الجرائم ضد الإنسانية والعدوان على القيم والأخلاق وانتهاك كل القوانين والأعراف..
حتى الإنفاق في أوجه الخير أصبح عليه غمامات سود واصيبت المجتمعات بأنواع عجيبة من أهل الثراء الفاحش لكن معظمهم أو قل الأشرس في الغنى فقد البوصلة الحقيقية للإنفاق الواجب للتفاعل مع حاجيات المجتمع الضرورية يرون الحاجة ماسة ويصرخون نريد مدارس مستشفيات أجهزة طبية مساعدات للمحتاجين وأصحاب العوز أو دعما لأعمال ذات نفع عام. يصمون اذانهم عن كل هذا ويغدقون على الملاهي والمساخر ولاعبي الكرة بملايين الدولارات والعجب أنهم يتمتعون ويتبجحون ويريدون أن يلصقوها بأنواع من الزكاة!اي زكاة في لعب ومساخر يا سادة!!
أنها الغيبوبة الحقيقية. فالملايين التى تهدر على اللاعبين والمدربين الأجانب كفيلة بان تضيء الكثير من الشموع أن تضمد الكثير من الجراح وان تعيد بسمات سرقت أو زالت أو تشفي مريضا وتروي ظمأنا.ولكنه الوعي الشقي يطارد الاشياء.
اصبحت المجتمعات في أزمة حقيقية بعد أن زادت الأمور عن الحد ..مما يؤسف له أن المسلم الآن لم يعد يعرفه الآخر بأخلاقه وقيمه بعد أن وصلنا الى مرحلة القابض على دينه كالقابض على الجمر وذلك من فرط الهوس بالتقليد الاعمى لكل ما هو شاذ وغارق في الشذوذ وبعد أصبح هؤلاء يجدون من يدافع عنهم ويحاول التمكين لهم بأي وسيلة وبكل ادوات للضغط الداخلية والدولية حتى أصبح الكثيرون يشعرون بغربة حقيقية ويتألمون بشدة ويعتبرون ما يجري من علامات اقتراب قيام الساعة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
لم نعد الا من رحم ربي ” محمديون “أو بمعنى أدق وأشمل علامات إسلامية لا في شكلنا العام ولا في ملبسنا حيث طغى المقطع والمحزق والمخرق وما فوق الركبة والسرة وبلا ظهر تماما كاسيات عاريات.لا تعرف فتيانا من فتيات ولا رجالا من نساء.كائنات مسخ مشوهة لاهي رجالي ولا هي حريمي..
لم نعد محمديون حتى في طريقة تعاملاتنا ولا في حب المرء لأخيه كما يحب المرء لنفسه.سادت الأنانية المفرطة والانعزالية.لم نعد محمديون حتى في حبنا لله ورسوله ذلك الحب الذي يضبط ويوجه ويمنع القطار من الخروج على القضبان مهما كثرت وسائل الغواية وحبائل الشيطان.القطار في احايين كثيرة خرج عن القضبان بعد أن تحلل الكثيرون من الأخلاقيات الفاضلة والأصول الصحيحة باحترامها والتمسك بها.سواء على المستوى العام والخاص.ولك أن تتوقف أمام مايحدث من سلب ونهب وجرائم تشيب لها الولدان.
الرشاوى السرقة والاختلاسات واستباحة المال العام وتبديده وعدم الحفاظ عليه أو منع الاستيلاء عليه باي من حيل التلاعب.أيضا عدم إتقان العمل أو الاخلاص فيه والاستسلام للفوضى وأصوات الخراب.
لم نعد محمديون بأخلاقياتنا التى كان يشار إليها بالبنان في أرجاء المعمورة التى سحرت قلوب وعقول البشر شرقا وغربا فدخلوا في دين الله أفواجا!
نعم لا تزال هناك بقية من خير إلا أن الأمر يحتاج إلى يقظة شاملة وفورة لإعادة الأمور إلى نصابها والتخلص من الدخلاء ووقف سيول الانحرافات الجارفة الطاغية والتى لاتجد ما يستحق من مقاومة.
تأتي انوار المناسبات والمواسم الإيمانية المتعاقبة لتجدد الامل وترفع من روح الأمة لتستعيد مافقدت في الطريق لتظل سامية سامقة في أعلى عليين..
نعم نحن قادرون..والله المستعان..
Megahedkh@hotmail.com