إن الجرائم الوخيمة التي ارتكبت ضد الإنسانية أثناء الحرب العالمية الثانية، قد دفعت بأشخاص المجتمع الدولي إلى التفكير الجاد في مسألة الفعل الدولي غير المشروع كأساس موضوعي لإقرار المسؤولية الدولية ضد الشخص الدولي المخالف للالتزامات الدولية التي يكون مصدرها القانون الدولي العام والتي تهم مصالح المجموعة الدولية العامة، وإن هذا الأساس الجديد الذي أضيف للمسؤولية الدولية قد طرح معه العديد من الإشكاليات التي تخص مدى جعل المنظمات الدولية والفرد محلا للمساءلة الدولية عن فعلهم غير المشروع وعن مصادر هذا الفعل ونتائجه وعن الظروف النافية لعدم مشروعية الفعل الدولي غير المشروع والتي سوف يتم البحث فيها من خلال هذا المقال.
الجرائم في حق السلم من بين الأفعال التي تم تجريمها على المستوى الدولي، و يكون مرتكبها مذنبا على المستويين، الدولي و الداخلي، و لا يمكن التذرع بالحماية الدبلوماسية. و لا الحصانة على أساس أن القائم بهذا النوع من الجرائم كان في خدمة دولته و اقتصرت مهمته على تنفيذ أوامر السلطة العامة في الدولة. المسؤولية الشخصية على الجرائم في حق السلم أقصى درجة من التطور الذي بلغه القانون الدولي في مجال حفظ السلم و الأمن. مسؤولية الدولة المعتدية لا تنفي مسؤولية الأشخاص على الجرائم في حق السلم. ازدواج المسؤولية معمول به هنا.
هذه الجرائم كانت من بين التهم التي تضمنتها محاكمات النورنبورغ و طوكيو بعد الحرب الكونية الثانية. و قد تضمن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي تم تبنيه في روما عام 1998 جريمة العدوان التي قد تقابل الجرائم ضد السلم.
النظام الأساسي للمحكمة الجديدة عرف ثلاث جرائم من الجرائم الأربعة الواقعة تحت ولاية هذه المحكمة لكن يبقى مشكل تعريف العدوان و بالتالي الجرائم في حق السلم عالقا.
و ذلك ما دام موضوع الاختصاص بتعريف العدوان لم يحل في إطار أجهزة الأمم المتحدة. مجلس الأمن له الحق في تشخيص العدوان طبقا لنص المادة 39 من الميثاق، بينما الجمعية العامة صاحبة الاختصاصات العامة قامت بتعريف العدوان عام 1974 بموجب الإعلان رقم 331424.
موقف محكمة العدل الدولية في قضية النشاطات العسكرية الأمريكية في نيكاراجوا لم يحل الإشكال. حيث اعتبرت المحكمة أن تعريف العدوان لعام 1974 إشارة لمحتوى القانون الدولي العرفي. و هو يضم ما سمي آنذاك بالهجومات المسلحة الغير مباشرة التي تقوم بها “جماعة مسلحة” أو قوات غير نظامية 25. يضاف إلى ذلك خرق مجال الاختصاص الوطني للدولة أو استعمال القوة ضدها بشكل يتعارض مع مبادئ الأمم المتحدة. و عليه فتعريف الجرائم في حق السلم مرتبط بحل هذا الإشكال.
. بناء ثقافة السلم يضمن الفعالية الواقعية للنصوص التي تحكمه
مرحلة الانتقال من نصوص قانونية عقيمة، كثيرا ما نجحت المصالح السياسية للدول العظمى في إيقاف دواليب وضعها حيز النفاذ، فرضتها الحاجة الاجتماعية للسلم
(أ). و يُميَّز ذلك عبر إحياء المعطيات الدينية و العقائدية التي تحث على السلم
(ب) ثقافة السلم تتطلب إقصاء العنف و القوة خارج الإطار الشرعي على المستوى الوطني كذلك
(ج). هذه السبل تضفي على مجهودات تحقيق السلم فعالية واقعية ناجعة.
آثار المسؤولية الدولية وأنواعها
تنعقد المسؤولية تجاه الشخص الدولي القانوني (دولة أو منظمة) متى ارتكب عملاً غير مشروع ترتب عليه ضرر لشخص دولي قانوني آخر أو لأحد رعاياه، وكانت القوانين والأدلة كلها مجتمعة على نسبة هذا العمل المسبب للضرر لذلك الشخص الدولي القانوني.
فما هي آثار المسؤولية الدولية وما هي أنواعها؟
• آثار المسؤولية الدولية:
إذا حملت المسؤولية الدولية لأحد أشخاص القانون الدولي، ينشأ عنها التزام يقع على عاتقه بإصلاح كل ما يترتب على فعله من أضرار.
وقد أكد العرف والفقه والقضاء الدولي وقرارات المحافل الدولية وما نصت عليه اتفاقيات دولية عديدة تتعلق بالمسؤولية الدولية والعرف الدولي، التزام الدولة المسؤولة إصلاح الضرر بطريقة كافية.
• مفهوم إصلاح الضرر وطبيعة الالتزام حياله:
يمكن تعريف إصلاح الضرر بأنه مجموعة التدابير التي تقوم بها الدولة المعتدية (المدعى عليها) بغية إصلاح الضرر.
وعلى العموم فإن إصلاح الضرر هو مجموعة الإجراءات الواجب اتخاذها من قبل الدولة التي اقترفت الخطأ بغية إصلاح جميع ما ترتب على فعلها الخاطئ من أضرار. ومصطلح إصلاح الضرر (Réparation) أفضل من مصطلح التعويض (Compensation) وذلك لشمول الأول كل ما يزال به آثار الفعل غير المشروع، بداية من وقوعه مرورًا بالتعويض وصولاً إلى الاعتذار عنه ومعاقبة مقترفيه وغير ذلك من أشكال الترضية. أما التعويض فإنه يقتصر على تقويم الخسارة بمبلغ من المال يدفعه المعتدي للمتضرر تعويضًا عما ألحقه به.
هذا وقد ثار الخلاف بين الفقهاء حول الطبيعة القانونية لإصلاح الضرر وما إذا كان يحمل طابع العقوبة أم أنه يقتصر على تعويض الضرر، وانقسم الفقهاء إلى فريقين:
الفريق الأول الذي ينكر الصفة العقابية للتعويض ويحصر الآثار المترتبة في الجانب المدني، ومن ثم فإن المسؤولية عن العمل غير المشروع تنحصر فقط في إصلاح الضرر بإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع الفعل الضار، أو بدفع مبلغ من المال يعادل التعويض العيني مع الترضية المناسبة التي تقدمها الدولة مرتكبة العمل غير المشروع إلى الدولة المعتدى عليه. والقائلون بهذا الرأي هم أنصار المدرسة التقليدية الذين يعتبرون أن الدولة ليست شخصًا طبيعيًا بل هي شخص معنوي وليس بإمكان الشخص المعنوي أن يكون مجرمًا، لأن العلم والإرادة محصوران بالأشخاص الطبيعيين، إضافة إلى عدم وجود سلطة عامة تستطيع أن تفرض العقاب على الدولة المعتدية. وقد صدرت عن القضاء الدولي عدة أحكام اعتبرت أن لا صفة عقابية للمسؤولية الدولية، وأن الطبيعة القانونية للتعويض تقتصر على إصلاح الضرر.
وهذا يؤدي إلى نتيجة هامة هي أن الدولة ملزمة في مطالبتها للدولة المعتدية سلوك سبيل الطرق الودية لا الوسائل غير الودية. في المقابل يرى الفريق الثاني في إصلاح الضرر عقوبة للدولة المعتدية، ويستند مؤيدو هذا الرأي إلى منهج الاستخلاص، ويقولون إن جميع أحكام محاكم التحكيم لو حللت لتبين أنها تحمل طابع العقوبة.
ويمكن القول ان الأثر المترتب على انعقاد المسؤولية الدولية عن طريق العمل غير المشروع هو التزام إصلاح الضرر سواء عن طريق إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل وقوع الفعل الضار أو عن طريق التعويض أو الترضية المناسبة.
وهناك التزام جديد فرضته المحاكم الجزائية والقضاء الدولي الجزائي وتميز بمحاكمة الأفراد المرتكبين للفعل الضار، غير أن آراء الفقهاء انقسمت أيضًا حيال هذه النقطة. فثمة فريق يمثل الأكثرية وينادي بمسؤولية الأفراد، وفريق يمثل الأقلية يرى أن المسؤولية الدولية تتحملها الدولة، بينما يرى فريق آخر أن المسؤولية الدولية الجزائية تتحملها الدولة كما يتحملها الأفراد وذلك لأن الدولة تتمتع بالشخصية القانونية شأنها شأن الأفراد الطبيعيين. ويستند هذا الفريق إلى المادة الثالثة من اتفاقية لاهاي الرابعة للعام 1907 والتي نصت على أن الدولة التي تخل بأحكام الاتفاقية تلزم التعويض إذا لزم الأمر وهي تكون مسؤولة عن كل الأفعال التي تقع من أي فرد من أفرادها.
• أنواع المسؤولية الدولية:
المسؤولية الدولية نوعان: تعاقدية وتقصيرية. تنشأ المسؤولية التعاقدية عن إخلال الدولة بالتزاماتها التعاقدية مع الدول الأخرى، كأن تخل بالاتفاقات المالية أو التجارية. وعندما يحصل إخلال تلتزم الدولة المخلة التعويض عن الأضرار التي نتجت ولو لم ينص على ذلك في الالتزام الذي أخلت به.
وحول إخلال الدولة بتعهداتها حيال رعايا دولة أجنبية يفرّق الفقه بين حالتين: حالة الدولة كشخص معنوي عادي، وحالة الدولة كسلطة عامة. ففي الحالة الأولى لا تتحمل الدولة مسؤولية مباشرة، ومن أصيب من الرعايا الأجانب بضرر ما، فما عليه إلا أن يراجع القضاء المختص.
وأما في الحالة الثانية فإن الأمور تبدو أكثر تعقيدًا لأن التزامات الدولة تتعلق بحق السيادة وهو حق لا يقبل مراجعة القضاء. والحل أن يلجأ الأجنبي المتضرر إلى حكومة بلاده لتسعى بوسائلها الخاصة إلى تحصيل حقوقه.
كما تتحمل الدولة المسؤولية الدولية عن انضمامها إلى معاهدة تحرّم الحرب، ثم تقوم بحرب عدوانية، أو تخرج على قواعد الحرب، إذ تعتبر هذه الأعمال إخلالاً من قبل الدولة بالتزام تعاقدي يستوجب المسؤولية الدولية.
والنوع الثاني من المسؤولية الدولية هو المسؤولية التقصيرية التي تنشأ عن أفعال أو تصرفات صادرة عن إحدى سلطات الدولة أو هيئاتها العامة، وتشكل إخلالاً بقواعد القانون الدولي، ولو كانت هذه الأفعال لا تتعارض مع أحكام القانون المدني.
وفي حالات أخرى تتحمل الدولة المسؤولية الدولية عن أعمال سلطاتها الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية.