يتوقع الباحثون انخفاض دخل مصر من سياحة الشعاب المرجانية البالغ 7 مليارات دولار بحوالي 94٪ بحلول عام 2100. وعلى مدار سنوات عديدة كان النظام البيئي الغني والمتنوع للبحر الأحمر في مصر وجهةً سياحيةً رئيسيةً لمحبي الأنشطة المائية، مثل الغوص والغطس ورحلات القوارب ذات القاع الزجاجي؛ للاستمتاع بمشاهد الشعاب المرجانية المحمية والحياة البحرية الغنية بأكثر من 1000 نوع من الأسماك، وحطام السفن التي تقع تحت سطح الماء. وازدهر على أثر ذلك هذا النوع من السياحة البيئية، وارتفع الدخل السنوى ليبلغ حوالي 7 مليارات دولار، يأتي 86٪ منها من سياحة الشعاب المرجانية وحدها.
لكن رغم غناها، فإن علماء متخصصين في دراسات البيئة البحرية والمناخ عبَّروا عن شعورهم بالقلق حيال صحة البيئة البحرية في البحر الأحمر، وخاصةً الشعاب المرجانية نتيجة التغيرات المناخية، التي يقول باحثون -في تقرير نُشر على هامش مفاوضات الأمم المتحدة للمناخ، التي عُقدت في مدريد بإسبانيا في ديسمبر 2019- إنها عرضة لمخاطر تغيُّر المناخ وارتفاع درجات الحرارة فوق معدلاتها الطبيعية بالمنطقة. وقد أعد الدراسة فريقٌ متعدد الجنسيات والتخصصات، بناءً على طلب 14 دولة، يشكلون ما يُعرف باللجنة العليا لاستدامة الاقتصاد القائم على المحيطات، وتضم اللجنة: أستراليا، وكندا، وشيلي، وفيجي، وغانا، وإندونيسيا، وجامايكا، واليابان، وكينيا، والمكسيك، وناميبيا، والنرويج، وبالاو، والبرتغال.
يقول “ستيف جاينس”، أستاذ العلوم البيئية في جامعة كاليفورنيا- سانت باربرا، إن كلًّا من الأنشطة البشرية غير المستدامة، وتغيُّرات المناخ أدت إلى تدهور الشعاب المرجانية. وتشمل هذه الأنشطة طرق الصيد غير القانونية والمدمرة، والتلوث في مناطق الشعاب المرجانية، وكثرة الرحلات السياحية الغير منظمة. حيث تؤدي التغيرات المناخية أيضًا إلى تغيُّر كيمياء المحيطات، إذ يؤدي تحمُّضها إلى إعاقة نمو المرجان. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي تغيُّر المناخ إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض الشعاب المرجانية، ونمو الطحالب، وقناديل البحر وازدهارها.
ويحذر الباحثون في دراسة سياحة الشعاب المرجانية من أن مصر -ضمن عدد من الدول الساحلية الأخرى، مثل المكسيك وإندونيسيا وجزر المالديف وماليزيا وأستراليا وتايلاند- مهددة بفقدان أكثر من 90٪ من دخلها من السياحة البيئية وخاصة سياحة الشعاب المرجانية إذا لم تتخذ دول العالم إجراءاتٍ جادةً لوقف تصاعد انبعاثات الاحتباس الحراري. وترجح نتائج الدراسة أن يتسبب تغيُّر المناخ في القضاء على 74٪ من موائل الشعاب المرجانية (ظاهرة الإبيضاض) في مصر بحلول عام 2100، وفق أكثر التوقعات تشاؤمًا، وبالتالي فقدان البلد مصدرًا مهمًّا من مصادر الدخل من السياحة. وعلى الرغم من أن وضع الشعاب المرجانية في مصر ليس هو الأسوأ بين قائمة الدول المتأثرة بارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم، إلا أنه يُعتقد أن تتأثر بشدة من حيث الاقتصاد، إذ تحتل مصر المرتبة الأولى في العالم من حيث البلدان الأعلى في قيم السياحة البيئية القائمة على الشعاب المرجانية. وتقدر قيمة مدخولات مصر من هذا النوع من السياحة بـ6 مليارات و917 ألف دولار سنويًّا.
ووفق الدراسة التي أجريت على السياحة البيئية وموائل الشعاب المرجانية بالبحر الأحمر فإن هذه القيمة يمكن أن تعاني انخفاضًا حادًّا يصل إلى 94٪ من هذه الإيرادات بحلول عام 2100 في أسوأ السيناريوهات التي تتوقع خسارة مصر 74٪ من موائل الشعاب المرجانية بحلول هذا التاريخ. أما في حالة خسارتها 12.9٪ فقط من موائلها، فإن الخسائر الاقتصادية ستصل إلى 39.4٪ فقط. ويتوقف حجم الخسارة على مستوى الارتفاع في درجات الحرارة. ورغم أن دولًا أخرى في المنطقة العربية -وكذلك حول العالم- قد تتعرَّض لنسب أعلى من حيث الخسائر الاقتصادية، إلا أن الدراسة ركزت على مصر لأنها أعلى دول العالم من حيث الدخل القائم على سياحة الشعاب المرجانية.
ومن الدول العربية التي ستتأثر بسبب ارتفاع الحرارة، دولة الإمارات التي تحقق دخلًا سنويًّا من سياحة الشعاب المرجانية يقدر بحوالي 445 مليونًا و654 ألف دولار في السنة، ويتوقع أن يتأثر دخلها من سياحة الشعاب المرجانية بنسبة 96٪ بحلول عام 2100، حين تخسر 83.1٪ من الشعاب المرجانية. أما السعودية فيتوقع أن تخسر 96.1٪ من دخلها القائم على سياحة الشعاب المرجانية والمقدر بـ268 مليونًا و681 ألف دولار في السنة بحلول عام 2100، وستخسر 83.5٪ من الشعاب المرجانية. حيث أن الشعاب المرجانية تعيش وتزدهر في درجات حرارة تتراوح بين 25 و40 درجة مئوية، وفي حالة زيادة الحرارة عن هذا الحد فإن الشعاب تتعرض للابيضاض والموت. أما في المناطق الشمالية، فترتفع في الشمال بدرجة معقولة، ومن المتوقع أن يظل ارتفاع درجات الحرارة في مصر ضمن الحدود المسموح بها (25 إلى 40 درجة مئوية)، أما إذا تحقق السيناريو الذي تطرحه الدراسة وارتفعت الحرارة بدرجات أعلى من المسموح بها، فإن الشعاب المرجانية في مصر ستتعرض للخطر.
وقد اعتمدت الدراسات الحالية على مسار تركيز غازات الدفيئة الذي حددته الهيئة الحكومية الدولية المعنيَّة بتغيُّر المناخ (IPCC)، والذي يمكن تلخيصه في أنه سيناريو القتل البطيء للحياة البحرية على مدار الـ80 عامًا المقبلة. وتشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2100، سيرتفع متوسط منسوب سطح البحر بين 61 سنتيمترًا إلى متر في أسوأ السيناريوهات في حالة عدم التزام دول العالم ببنود اتفاقية باريس للمناخ.
وتُلزم اتفاقية باريس -التي أُبرمت في عام 2015 على هامش القمة الحادية والعشرين للمناخ- جميع الدول الموقعة عليها، والبالغ إجمالي عددها 195 دولة، بمحاربة الأسباب المؤدية إلى تغيُّر المناخ، وخفض درجة حرارة الغلاف الجوي للأرض بمقدار درجة ونصف إلى درجتين مئويتين، للوصول بدرجة الحرارة إلى مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
في نهاية عام 2018، أصدرت (IPCC) تقريرًا يشير إلى أن الحد من ارتفاع درجة حرارة مناخ الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية من شأنه أن يؤدي إلى تجنيب أعداد كبيرة من الناس والحياة على الأرض -ومن بينها الحياة البحرية- تأثيراتٍ مدمرةً ستنتج عن تغيُّر المناخ. ووفق التقرير الذي استغرق إعداده ثلاثة أعوام، فإن العالم يتجه إلى تحقيق ارتفاع في درجات الحرارة يصل إلى 3 درجات مئوية، وهو أعلى بمقدار درجة ونصف درجة من المعدل المراد تحقيقه لإنقاذ الكوكب من التأثيرات المدمرة لتغير المناخ.
وتشهد أنشطة الغوص والغطس إقبالًا كبيرًا من السياح المصريين والأجانب، مما أدى إلى زيادة الضغوط على البيئة البحرية والشعاب المرجانية، وتدهور حالتها وفقدانها في كثير من الحالات، نظرًا لزيادة الأعداد وضعف الوعي البيئي للسائحين والمرشدين على حدٍّ سواء بكيفية التعامل مع البيئة البحرية. وعلى هذا الأساس كمساع للحماية والحفظ، فقدأعلنت وزارتا البيئة والسياحة المصريتين في شهر أغسطس الماضي ، الانضمام لمبادرة “جرين فينز” العالمية، المتخصصة في تطبيق المعايير البيئية المستدامة في أنشطة الغوص والغطس، ومن ثم خفض تأثيراتها السلبية على الشعاب المرجانية والبيئة البحرية.
ويُعد أهم هذه المخاطر التي تواجة البيئة البحرية والشعاب المرجانية في مصر هو التسرُّب البترولي الناجم عن خطوط أنابيب البترول الممتدة في خليج العقبة، ما يؤدي إلى دمار كبير في بيئة الشعاب المرجانية، وتقوم وزارة البيئة بتطبيق القانون ومقاضاة شركات البترول المخالفة التي تتسبب في هذا التسريب.
أما الخطر الثاني فهو عمليات الصيد الجائر التي تجري في منطقة الجزر الشمالية الواقعة شمالي مدينة الغردقة، والتي ينتج عنها تدميرٌ للشعاب المرجانية والحياة البحرية في المنطقة والتراجُع الكبير في مساحة وحجم الشعاب المرجانية فيها.
وأن حالات التسرب البترولي تتعامل معها وزارة البيئة من خلال إدارة الأزمات والكوارث، للحد من هذه الظاهرة. أما فيما يخص عمليات الصيد الجائر في الجزر الشمالية، فلابد من زيادة برامج التوعية للسكان المحليين في المنطقة، للحد من الصيد الجائر ومنعة إلى جانب تسيّيِردوريات بمختلف المناطق الشعاب المرجانية للمتابعة والرصد ومنع المخالفات مع إلان مناطقها محميات طبيعية لزيادة وسائل الحماية حيث أن المحميات الطبيعية تغطي 64٪ من إجمالي بيئة الشعاب المرجانية في مصر، وهي النسبة التي من المخطط لها أن تزيد لتصبح 82٪ في المحميات المستقبلية. وتحظر المادة 28 من قانون حماية البيئة، والمادة 102 من قانون حماية المحميات الطبيعية، التعدي على الكائنات البحرية والشعاب المرجانية، سواء بكسرها أو الاتجار فيها، كما أن عقوبة مَن يرتكب هذه المخالفات الحبس 6 أشهر والغرامة من 5 آلاف إلى 50 ألف جنيه، بالإضافة إلى سداد قيمة الأضرار البيئية للمحميات.
إن هناك حافزًا كبيرًا لمصر من خلال الخطة الإستراتيجية المصرية للتغير المناخى للتأكيد على أهمية تقليص انبعاثات غازات الدفيئة بالنظر إلى حجم الآثار السلبية المحتملة لتغيُّر المناخ على النظم الإيكولوجية الساحلية. ويضيف أنه على المستوى المحلي، من شأن تحسين قدرة الشعاب المرجانية من خلال حمايتها من التأثيرات البشرية الأخرى أن يمنع حدوث انخفاض مفاجئ في قيم السياحة في الشعاب المرجانية، لكن ستكون هناك حاجة إلى تخطيط مستقبلي لتنويع الأنشطة السياحية؛ من أجل تقليل آثار تغيُّر المناخ.
كاتب المقال ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد-مؤسس كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس استاذ ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان – عضو اللجنة العلمية لإتفاقية سايتس- وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير البيئة والتغيرات المناخية بوزارة البيئة- الأمين العام المساعد للحياة البرية بالإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية ورئيس لجنة البيئة بالرابطة المغربية المصرية للصداقة بين شعوب العالم – رئيس قسم الحياة البرية و حدائق الحيوان كلية الطب البيطرى جامعة قناة السويس -نائب منصة الأسماعيلية