بينما العالم كله مشغول بمونديال قطر 2022، وقفت نانسى بيلوسي عضو مجلس النواب الأمريكى ـ 82 عاما ـ توجه رسالة قوية وحاسمة إلى مسلمى الإيجور المقهورين فى الصين، ماسمعنا بمثلها من قبل، حيث قالت : ” لن نترككم وحدكم للإبادة، سنقدم لكم الدعم المطلوب حتى تنالوا حقكم المشروع فى الحياة والحرية، لقد صارت قضيتكم معروفة، ولن تستمر السلطات الصينية كثيرا فى تجاهل الحقيقة، وتجاهل حقوقكم “.
وشعب الإيجور ينتمى عرقيا وثقافيا إلى الشعوب التركية الممتدة فى وسط وشرق آسيا ، وكان يعيش فى” تركستان الشرقية “، التى ضمتها الصين إليها فى عام 1949، وأطلقت عليها اسم ” إقليم شينجيانج “، أى الحدود الجديدة، ، ومنحت الشعب الإيجورى حكما ذاتيا، وصار ضمن 55 أقلية عرقية معترف بها رسميا، ولكن منذ عدة عقود اتجهت السلطات الشيوعية إلى إلغاء خصوصية الإيجور، وتذويبهم غصبا فى ثقافة جمهورية الصين الشعبية، و حرمانهم من ممارسة أية شعائر دينية، وهدم مساجدهم، ومصادرة كتبهم وتراثهم، وقتل من يجرؤ على مقاومة الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، أو ترحيلهم إلى معسكرات ” إعادة التأهيل ” .
وتفيد إحصاءات رسمية صينية بوجود 30 مليون مسلم فى الصين، منهم 23 مليونا من الإيجور، فيما تقدر تقارير غير رسمية عدد المسلمين فى الصين بقرابة 100 مليون، أى نحو %9,5 من عدد السكان، ومنذ 2009 يشهد إقليم شينجيانج أعمال عنف دامية ضد الأقلية الإيجورية، حيث قتل حوالى 200 ألف شخص حسب تقديرات منظمات حقوق الإنسان، ونشرت السلطات الصينية قوات من الجيش فى الإقليم، خاصة بعد ارتفاع حدة التوتر بين قوميتي ” الهان ” الصينية و” الإيجور” المسلمة، لاسيما فى المدن التى مازال الإيجور يشكلون أغلبية سكانها .
وتعد نانسى بيلوسى أشهر السياسيين الأمريكيين الداعمين لقضية شعب الإيجور فى مواحهة ” حملة الإبادة الجماعية واغتيال الهويه الدينية والثقافية لهذا الشعب المقهور”، وقد استطاعت فى 2019 أثناء رئاستها لمجلس النواب الأمريكى أن تمرر قانونا يطالب بتطبيق عقوبات ضد المسئولين الصينيين بسبب سياساتهم القمعية بحق الإيجور، وحصل القانون على دعم قوى من الحزبين الديمقراطى والجمهورى، وتمت الموافقة عليه بـ 407 أصوات مقابل صوت واحد .
وقالت بيلوسى وهى تقدم القانون قبيل التصويت عليه : ” اليوم كرامة الإيجور وحقوقهم مهددة جراء أعمال بكين الوحشية، التى تشكل إهانة للضمير الجماعى العالمى، ونحن نبعث برسالة إلى بكين نقول فيها : أمريكا تراقب أفعالكم مع مليون مسلم محتجزين فى معسكراتكم ، ولن تبقى صامتة “.
والحقيقة أن انحياز بيلوسى لقضية الإيجور لايأتى حبا فى هذا الشعب المقهور، ولا انتصارا للعدالة الإنسانية فى مواجهة الظلم، وإلا فما أكثر المظالم المنتشرة فى العالم بدعم أمريكى مباشر، وتغفل عنها بيلوسى وأمثالها، إن لم يشاركوا فى الظلم فإنهم يواحهونه بالصمت المريب، وفى مقدمة هذه القضايا محنة الشعب الفلسطينى، لكن الأمر يتعلق بالصراع المتصاعد بين أمريكا والصين، أكبر قوتين اقتصاديتين فى العالم، ويظهر جليا فى قضايا تايوان والإيجور والتبت، وقد قامت بيلوسي فى 2 أغسطس الماضى بزيارة مثيرة للجدل إلى تايوان لدعمها فى مواجهة الصين، وهو ما اعتبرته السلطات الصينية أكبر استفزاز أمريكى تاريخى لها، رغم أن الرئيس جو بايدن حليف بيلوسى كان رافضا للزيارة .
وفى حين كان قانون 2019 ـ المشار إليه ـ متوافقا مع استراتيجية الرئيس الأمريكى وقتها، دونالد ترامب، القائمة على مهادنة روسيا ومواجهة الصين على خلفية اقتصادية تجارية، إلا أن تصعيد نانسى بيلوسى ضد الصين خلال الأشهر القليلة الماضية لم يكن متوافقا مع استراتيجية الرئيس بايدن، الذى يرى ضرورة مهادنة الصين وعدم استفزازها، حتى لا تنضم إلى روسيا فى مواجهتها لحلف الناتو والغرب عموما فى حرب أوكرانيا .
ولهذا السبب لم تحظ رسائل بيلوسى إلى شعب الإيجور هذه المرة باهتمام رسمى، خاصة أنها جاءت فى مرحلة انتقالية، حيث تستعد بيلوسى لترك موقعها المهم فى مجلس النواب كرئيسة للمجلس وزعيمة للديمقراطيين فيه، وذلك بعد انتخابات التجديد النصفى الأخيرة للكونجرس التى أسفرت عن فوز أغلبية جمهورية ضئيلة فى مجلس النواب .