مع اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية وما أفرزته من آثار سلبية على اقتصادات العالم ايقنت الدول الكبرى مدى الأهمية الاستراتيجية للقارة الافريقية، وما تمثله لمستقبل العالم لما تملكه من ثروات طبيعية (طاقة ومعدنية وزراعة) وهو ما ظهر واضحاً بعد أزمة الطاقة في أوروبا ومحاولات إيجاد بدائل للغاز الروسي، ما جعل بوصلة الغرب تتجه نحو القارة السمراء، وأصبح هناك تنافس شرس بين القوى الكبرى خاصة الصين والولايات المتحدة، وهو شيء في حد ذاته يصب في صالح القارة للاستفادة من المساعدات المقدمة من أجل التنمية، إضافة إلى تنوع شراكاتها وتقوية حضورها في الهيئات الدولية الاهتمام بافريقيا لم يأت من فراغ، انما لما تمثله في ترجيح كفة القرارات الدولية عند اللجوء إلى أي تصويت حيث تملك ٥٤ صوتا في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
التنافس على افريقيا ظهر أيضا بشكل واضح خلال الفترة الماضية بين الولايات المتحدة والصين حيث تسعى واشنطن للتعافي اقتصاديا من الازمات العالمية وجائحة كورونا، فوجدت امامها افريقيا سوقا واعدا لذلك.. لكنها اصطدمت بالتواجد الصيني في القارة بعد ان استغلت بكين الفراغ الذي تركته أمريكا هناك خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر حيث اهتمت واشنطن فقط بالنواحي العسكرية ومحاربة الإرهاب، بينما اتخذت الصين المسار الاقتصادي، ونجحت في إقامة مشروعات ضخمة في البنية الأساسية من موانئ ومطارات ومستشفيات وغيرها، وهو ما كان له تأثير إيجابي مباشر على المواطن الافريقي كذلك جاء اهتمام واشنطن بالقارة بعد صدور استراتيجية الأمن القومي الأمريكي في أكتوبر الماضي والتي ترى أن الحكومات والمؤسسات والشعوب في افريقيا تعد قوة جيوسياسية رئيسية، وتلعب دورا حاسما في مواجهة التحديات العالمية فى العقد المقبل بعد أن أصبحت افريقيا أكثر توهجا وحضورا وديناميكية وتعليما وتواصلا مع العالم أكثر من أي وقت مضى.
لذلك شكلت القمة الامريكية الافريقية التي عقدت في واشنطن مؤخرا تحولا هاما في السياسة الامريكية تجاه افريقيا، بما يصب في صالح القارة.. فكان من أبرز مخرجاتها تقديم ٥٥ مليار دولار كمساعدات للدول الافريقية، وتخصيص ٢,٥ مليار دولار لتعزيز الأمن الغذائي للقارة، فضلا عن إعلان الرئيس الأمريكي جو بایدن خلال مؤتمر المناخ في شرم الشيخ عن تقديم نصف مليار دولار لمواجهة التغيرات المناخية في افريقيا
الإعلان الأمريكي خلال قمة القادة في واشنطن وقمة المناخ يتناسق مع الجهود المصرية بضرورة التركيز على الأولويات الافريقية العاجلة المتعلقة بالأمن الغذائي والمائي ومواجهة التغيرات
المناخية.
أهداف عديدة تسعى الدول الغربية للوصول إليها عبر التقارب مع دول القارة، وعلى الرغم من أن الحرب الروسية – الأوكرانية فرضت تداعيات قوية ومباشرة على التحركات الخارجية في القارة خلال الشهور الأخيرة، إلا أنه مازالت هناك أهداف أخرى متنوعة ترتبط بالمصالح الحيوية للأقطاب الدولية فى القارة الافريقية، فلم تخف الوثائق الأمريكية المخاوف من الصعود الروسي والصيني بالقارة، وتعد استراتيجية إدارة بايدن الجديدة بشأن افريقيا، والتي صدرت في ٨ أغسطس ۲۰۲۲ بالتزامن مع زيارة وزير خارجيته أنتوني بلينكن لعدد من دول القارة، جزءاً من جهود إعادة بناء مشاركة الولايات المتحدة في جميع أنحاء افريقيا. أصبحت الدول الأفريقية تدرك جيدا أهداف التقارب الدولى منها، وان الجميع يهدف لمصلحته لذلك أصبحت تتخذ سياسة متوازنة رافضة للزج بها ضمن الصراع الدولى سياسة تقوم على الانفتاح على الجميع والاحترام والندية والشراكة المتبادلة والاستفادة من المزايا التي تتمتع بها كل الدول الكبرى، وتعظيم المصالح الافريقية لتحقيق التنمية والنهضة الشاملة ومواجهة التحديات المختلفة.
وجاءت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال القمة الأمريكية الافريقية في أمريكا لتضع الجميع أمام مسئولياته وفى المقدمة الولايات المتحدة بوصفها القوى العظمى دوليا وتؤكد ان افريقيا تمد يدها للشراكة المتبادلة القائمة على المصالح المشتركة اذا كان المجتمع الدولي يريد حقا مساعدة القارة .. كلمة الرئيس تعد بمثابة خارطة طريق واضحة تستفيد منها القارة السمراء وتعويض سنوات من فقدان الثقة متأثرة بالتقلبات الدولية التي أضرت بافريقيا.
fahmyegypt@gmail.com