أكثر انسان يستحق الشفقة هذه الأيام هو المسكين بابا نويل. هذه الشخصية التى وإن كان البعض يظنها خيالية لا وجود لها إلا أنها أصبحت عاجزة عن تلبية طلبات الناس حتى لو كانت مجرد احتياجات أو هدايا بسيطة، وليست خيالية من نوعية الطلبات التى من الممكن أن نطلبها من المارد الجنى، حارس مصباح علاء الدين الذى يخرج لك لو كنت محظوظا لو وجدت الفانوس ليسألك شبيك لبيك خدامك بين ايديك، وذلك جزاء لك على موقفك النبيل كونك قد حررته من ضيق ذلك الفانوس الذى قضى فيه جل عمره. أندهش حقا من قدرة ذلك العفريت على تحقيق كل تلك الطلبات فى الوقت الذى عجز فيه عن تحرير نفسه من ذلك القمقم. وربما نتناول فى مقال آخر حكاية هذا العفريت الذى لا يرتبط وجوده بفترة زمنية محددة عكس بابا نويل المرتبط دائما ببدء السنة الميلادية الجديدة.
كنت أظن مثلما يفعل الجميع أن شخصية بابا نويل هى محض خيال حتى قرأت مؤخرا قصة تقول إن للحكاية أصلا وليست خيالا. بطل الحكاية هو القديس نيكولاس المولود لأسرة يونانية فى عام 270 ميلادية فى مدينة بتارا بمقاطعة انطاليا التابعة للامبراطورية الرومانية والمطلة على البحر المتوسط. جاء نيكولاس على عطش كما نقول نحن فى الصعيد، حيث انجبته امه بعد فترة طويلة من زواجها بأبيه، ثم مات الأبوان بالطاعون ونيكولاس لا يزال طفلا فى الثامنة من عمره وتم إيداعه ملجأ للأيتام رغم أنه ورث عن أبويه ثروة طائلة، إلا أن الأعراف والتقاليد وقتها كانت تحتم على الطفل قضاء سنواته الأولى فى الملجأ حتى يبلغ سن الرشد. لكن يبدو أن اقامة نيكولاس فى الملجأ قد عودته على حياة الزهد والتقشف، لذا عندما خرج من الملجأ لم ينهر بثروته بل فكر فى طريقة ليحقق بها أفضل استفادة للآخرين. بدأ خطته عندما سمع أن رجلا من بلدته عاجز عن تدبير نفقات زواج ابنته فانتظر والناس نيام ووضع مبلغا كبيرا من المال فى صرة وألقى بها من نافذة ابو العروسة الذى اندهش من أين جاء هذا المال. ورغم أن نيكولاس حاول جاهدا أن يفعل ذلك فى الخفاء دون أن يعرفه أحد، خاصة بعد أن كرر فعلته مع كثير من المحتاجين من أهل البلدة إلا أن سره قد انكشف وعرف القاصى والدانى بقصة هذا الرجل الذى يساعد الفقراء، ثم مات نيكولاس فى أواخر ديسمبر عام 346 فاتخذ الناس من تاريخ وفاته موعدا للاحتفال بذكراه. وتطورت صورة بابا نويل حتى استقرت على هيئة ذلك الرجل العجوز، السمين جدا، الضحوك دائما صاحب اللحية ناصعة البياض والذى يرتدى السترة الحمراء والذى يفاجئ الناس بدخول الشقق من المدافئ والنوافذ يوزع الهدايا على الأطفال.
طبعا أثرت الظروف الاقتصادية فى السنوات الأخيرة على مستوى أداء بابا نويل، ما جعله مجالا للسخرية على وسائل التواصل الاجتماعى، حيث فشل الرجل فى تدبير ولو حتى بعضا من الاحتياجات البسيطة التى يحتاجها أى بيت مثل زجاجة زيت قلية أو حتى بضع كيلوات من الأرز أو الجبنة البيضاء واللبن الحليب، وقد انتشرت للرجل صورة مؤخرا وهو نائم فى استسلام وعجز شديد فوق أسطح أحد البيوت القديمة، وصاحب الصورة تعليقات من عينة: أرجوكم لا تطلبوا منى شيئا هذا العام فالحال من بعضه وكلنا فى الهم شرق، فهل سيعود بابا نويل للعمل من جديد فى هذه السنة الجديدة ونشهد عودته فى ديسمبر القادم يوزع علينا زيتا وأرزا ودقيقا أو حتى كيس فاكهة أم أنه ذهب بلا رجعة؟ فلننتظر ونرى، وكل عام وحضراتكم جميعا بخير.
Hisham.moubarak.63@gmail.com