تعتبر قمة تشاورية لتعزيز العلاقات بين دول الإخوة المشاركين وسبل وبحث مسارات التعاون والتنسيق المشترك في جميع المجالات “في ظل وجود الأزمة الاقتصادية التي ضرب العلم ومن بينهم الوطن العربي الكبير الناتجة من تبعيات الحرب الروسية الأكرانية فضلاً عن التعاون بشأن تعزيز آليات العمل المشترك لصالح الشعوب العربية حيث ستهدف قمة أبو ظبي إلى التشاور والتنسيق بشأن تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
وما هي الاحتمالات الثلاثية لانعقادها بهذه العجالة ؟
في الشكل، كانت تلك اللقاءات تبدو لمن اعتاد على الصدى الإعلامي والبروتوكولي التي كانت تتركها اللقاءات العربية الجماعية، محبطة، حيث اعتبرها هؤلاء نوعاً من التكريس لحالة الانقسام العربي الموروث عن الاضطراب في المشهد العربي منذ اندلاع عاصفة الربيع العربية التي خلخلت النظام العربي وتركته نهبًا لمواقف سياسية، وإحباطات اقتصادية، واختلالات اجتماعية وأمنية.
لكن المفاجأة، أن التصدع الذي شهده النظام العربي التقليدي، ظل محصورا في العواصم الكبرى التي كانت تقود مسيرة العمل العربي للدرجة التي انشغلت فيها تلك العواصم عن الدور الذي كانت تلعبه كحاضنة، أو قاطرة لتلك المسيرة.
وفي موازاة ذلك، ظهرت العواصم العربية الصغرى التي كان يُنظر إليها في مؤسسات العمل العربي المشترك، ككماله عدد، تُرجح فيه كفة التصويت، أو تُفرَض عليها الإتاوات العينية والمالية، دون أن يكون لها موقع فعلي في صياغة القرارات، وفي تحديد الوسائل، ورسم النتائج.
ولم يكن تنامي دور الدول العربية الصغيرة حجماً تنامياً سهلاً أو مرحباً به، إذ ظل هناك كثير من الدول العربية مَن يعتبر تنامي هذا الدور وزيادة تأثيره نوعاً من التطاول، وظل معيار الحجم الجغرافي والديمغرافي هو الأساس في التقييم، فاستكثرت وأنكرت عواصم القرار العربي التقليدي على الدول العربية الأصغر دورها الجديد، وقامت لفترة طويلة بمقاومة هذا الدور وعطلت بأكثر من شكل جهود هذه الدول في تصحيح مسار العمل العربي وتجديد أولوياته.
ودور العمق ومتانته من حيث التشاور والتنسيق مع الدول العربية والتي تمر بها المنطقة والعالم كل في إطار هذا الفهم للدور الذي أخذت دول الخليج تلعبه منذ بعض الوقت، وفي ظل حالة الاستقرار الذي تعيشه هذه الدول، إن على الصعيدين الأمني والاقتصادي، وفي سياق المكانة الاقتصادية والاستثمارية، التي أخذت تحتلها في الخريطة العالمية تأتي قمة أبوظبي الخليجية العربية لتأسيس شكل جديد من العمل العربي المشترك القائم على فهم ناضج لأوضاع المنطقة وللتحديات التي تواجهها في هذه المرحلة..
عنوان هذا الشكل الجديد هو الحرص المشترك على أمن واستقرار المنطقة، لا في مواجهة التحديات الخارجية فحسب، بل إزاء التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها بعض الدول العربية في الداخل، وفي مقدمتها مصر التي تشكل بحجمها وموقعها الجغرافي وثقلها البشري حجر الزاوية في الأمن العربي ثم الأردن الذي يشكل بموقعه ودوره التاريخي، بوابة من بوابات الاستقرار الإقليمي.
وضمن هذا الإطار، يمكن أن نفهم معنى قمة أبوظبي التشاورية، ونقدر في ذلك الإطار النتائج التي يمكن توقعها وتقديرها، فكلا البلدين العربيين مصر والأردن يواجهان وضعاً اقتصادياً دقيقاً، يحتاجان معه إلى حزمة من الدعم الاقتصادي والمالي العاجل..
صحيح أن الدول العربية الخليجية لم تتأخر في السابق وعبر اتفاقات ثنائية، عن تقديم الدعم والمساندة لمصر والأردن، إلا أن الواضح أن ما يحتاجانه حالياً يتجاوز الإسعاف العاجل، إلى وضع خطط دعم متوسطة وطويلة الأجل وبتمويل جماعي، لا بهدف مواجهة الاستحقاقات العاجلة، بل وضع صيغ عمل إنقاذيه تخرج اقتصادات البلدين من أزماتها ومشكلاتها المستعصية.
دول الخليج العربية التي لم تتأخر منذ السبعينيات، وحتى الآن، عن تقديم المساعدة والدعم المالي والاقتصادي للدول العربية، لديها اليوم النموذج التنموي الناجح الذي يمكن أن تطوعه لخدمة الاقتصادات العربية المتعثرة، وهي في جهودها هذه لا تنظر لدعم الاقتصادات العربية على أنها مسؤولية سياسية وأمنية فقط بل إنها يمكن أن تشكل عمقاً للإمكانيات الخليجية التي تتطلع للأسواق الخارجية، سواء في الإقليم أو في العالم كحاضنة توفر للاقتصاد الخليجي استمرار النماء والتطور.
وعن أهمية الالتزام القواعد ومنع الدخلات في شؤن دول الجوار
الأمر المهم هنا أن التكاتف والتعاون العربي ضرورة أساسية للتنمية والتقدم في كل دولة عربية على حدة، وعلى المستوى العربي العام. أما على صعيد قضايا الأمن والاستقرار في المنطقة، نعلم جميعا التحديات الهائلة التي تواجهها الدول العربية في هذا الصدد، وهي تحديات لها مصادر وأسباب شتى.
هناك التهديد الإيراني لأمن واستقرار الدول العربية، وهناك الأوضاع الداخلية المنهارة في عدة دول عربية، والتي تؤثر على الوضع العربي العام. وهناك التحديات الكبرى المرتبطة بالتحولات في ميزان القوى العالمية وتغير مواقفها من التحالفات وقضايا الأمن في المنطقة، وهناك الحكومة الإسرائيلية الجديدة الشديدة التطرف التي تهدد بمواقفها وتصرفاتها العدوانية الشعب الفلسطيني كله، وهو التطور الذي استدعى عقد قمة سبقت قمة أبوظبي بيوم في القاهرة ضمت قادة مصر وفلسطين والأردن.. وهكذا.
هذه التحديات سواء على مستوى التنمية والوضع الاقتصادي والاجتماعي أو على مستوى الأمن والاستقرار، تستدعي بداهة أقصى درجات التعاون والتنسيق العربي.وعلى الرغم من أن قمة أبوظبي لم تصدر قرارات، ولا نعرف بالطبع كل ما دار فيها وما تم الاتفاق عليه، لكن بيانها العام أكد مبادئ أساسية في التعامل مع هذه التحديات.
هذه المبادئ تتلخص في:
1 – الأهمية القصوى لتنسيق المواقف بين الدول العربية في مواجهة هذه التحديات.
هذا أمر أساسي، كما كتبنا مرارا، لا يمكن للدول العربية أن تواجه أي تحديات من دون مواقف موحدة وتنسيق مشترك.
2 – تأكيد أهمية تعزيز العمل العربي المشترك في التعامل مع التحديات.
وهذا أمر بديهي، فما لم تعمل الدول العربية على تعزيز العمل المشترك سعيا نحو التكامل ونحو بناء قوة موحدة لا يمكن التعامل مع التحديات.
3 – وضع مبادئ أساسية في التعامل مع الدول الإقليمية والعالمية والعلاقات معها في مقدمتها على الإطلاق، الالتزام بقواعد حسن الجوار واحترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.
عموما، يعتبر عقد مثل هذه القمة التشاورية حدثا مهما. مجرد أن يلتقي القادة ويتفقوا على مواقف عربية موحدة ويقرروا التعاون والتنسيق أمر له أهمية حاسمة في مواجهة التحديات.
وانعقدت قمة أبو ظبي التشاورية في سياق مجموعة من الملفات العربية والإقليمية الملحة التي تتطلب تنسيقًا بين هؤلاء الزعماء العرب بشأنها؛ للوقوف على تقديرات الوضع الراهن لها، ورسم خطط التعامل والتحرك بشأنها خلال الفترة المقبلة،
ويمكن الإشارة إلى هذه الملفات في التالي:
1- القضية الفلسطينية: تقع القضية الفلسطينية دائمًا كأولوية أولى للسياسة الخارجية المصرية، وقضية مركزية للعرب بشكل عام وأول مقومات الحفاظ على الأمن القومي العربي، ولذلك تحرص مختلف اللقاءات والقمم التشاورية والرسمية التي يعقدها القادة العرب على مناقشة آخر تطورات الأوضاع في الأراضي المحتلة، والتأكيد على ضرورة حل القضية الفلسطينية بناء على أسس ومقررات الشرعية الدولية، فضلًا عن التحذير من خطورة استمرار غياب الأفق السياسي للقضية، وهو ما كان محور نقاش كل من الرئيس عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين والرئيس الفلسطيني محمود عباس في القاهرة في 17 يناير قبل يوم واحد من قمة أبو ظبي.
وتشهد القضية الفلسطينية في الوقت الراهن عددًا من التحولات المهمة، يأتي في مقدمتها الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو، والمنحى اليميني الواضح المسيطر على توجهات هذه الحكومة وما يحمله ذلك التوجه من تحدٍ لإحياء عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خاصة مع استمرار الممارسات والإجراءات الإسرائيلية الأحادية اللا شرعية التي تقوض حل الدولتين وفرص تحقيق السلام العادل والشامل، والتي تمس المقدسات الإسلامية في القدس ومنها اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير لباحات المسجد الأقصى في 3 يناير 2022، بالإضافة إلى استمرار الممارسات الاستيطانية في الأراضي المحتلة. وهو كله ما يتطلب نهجًا عربيًا موحدًا للتعامل مع هذه التحديات، بما يضمن الدفع قدمًا بعملية السلام.
2- الأزمات العربية: شهدت الأشهر الأخيرة العديد من المتغيرات فيما يتعلق بالأزمات العربية المشتعلة في كل من سوريا وليبيا واليمن بما يتطلب تنسيقًا مشتركًا للتعامل معها ووضعها في إطار عام يسهم في التوصل إلى حلول لهذه الأزمات بما يحفظ الأمن القومي العربي ككل لا يتجزأ. ففي الملف السوري، تسعى تركيا إلى التقارب مع سوريا بما يسمح بحلحلة الملفات الخلافية بين الجانبين، وهو ما انعكس في اللقاء الذي جمع وزراء دفاع تركيا وسوريا وروسيا في موسكو في 28 ديسمبر 2022.
أما في الملف الليبي، فاستطاعت القاهرة التوصل إلى صيغة تفاهم بين مجلسي النواب والأعلى للدولة في 5 يناير 2023 بشأن الملفات التشريعية التي تعوق إجراء الانتخابات. وفي اليمن، تبذل سلطنة عمان جهودًا وتقوم بزيارات للوساطة بين الأطراف المتصارعة في البلاد بما يسمح بتجديد الهدنة الإنسانية التي انتهت في أكتوبر 2022، وهو ما قد يفسر حضور سلطان عمان للقاء التشاوري في أبو ظبي كأول محفل دولي يشارك فيه منذ توليه الحكم في يناير 2020. ذلك فضلًا عن ما يتصل بالملف اليمني من تأمين الممرات البحرية الدولية؛ بالنظر إلى موقع اليمن المحوري المطل على مضيق باب المندب، وتولي مصر قيادة قوة المهام المشتركة (153) كأحد أهم الآليات المشتركة لتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي ومجابهة التهديدات والتحديات التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة بكافة أنماطها.
3- الملف النووي الإيراني: يأخذ الملف النووي الإيراني منحى تصاعديًا بين إيران والقوى الكبرى المتفاوضة معها، وذلك بفعل تعثر المفاوضات في فيينا مع الردود المتعارضة على مسودة الاتفاق التي طرحها الأوروبيون في أغسطس 2022، بالإضافة إلى اندلاع الاحتجاجات داخل إيران والموقف الغربي الداعم لها، علاوة على الدعم العسكري الإيراني لروسيا بالطائرات المسيرة في حربها في أوكرانيا، وهي كلها عوامل أدت إلى توقف المفاوضات حتى مع إبداء إيران رغبتها في استئنافها مثلما جاء على لسان وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان في مؤتمر بغداد2، ومن ثم يطرح عدم التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي لإيران، واستمرارها في الوقت ذاته في أنشطتها النووية، وتولي حكومة يمينية في إسرائيل؛ احتمالًا لنشوب تصعيد يستلزم بحثه من جانب القادة العرب.
4- الأزمة الاقتصادية: ألقت الحرب الروسية الأوكرانية بتداعيات اقتصادية عميقة على العالم بأسره والمنطقة العربية على وجه الخصوص، لا سيّما فيما يتعلق بأمن الطاقة والأمن الغذائي وارتفاع مستويات التضخم. ولذلك كانت الملفات الاقتصادية على رأس أولويات النقاش والبحث بين القادة العرب في مختلف اللقاءات السابقة، وخلال لقاء أبو ظبي؛ لتعزيز التعاون الاقتصادي بين دول المنطقة، بما يضمن تحقيق أمن اقتصادي مستدام يحد من التأثيرات والأعباء الاقتصادية التي أنتجتها الحرب في أوكرانيا وقبلها جائحة كورونا، ويضمن عدم التأثر الكبير بأي أزمات مستقبلية. وتظهر أحد ملامح هذا التعاون المشترك في “الشراكة الصناعية التكاملية لتنمية اقتصادية مستدامة” التي أطلقتها مصر والإمارات والأردن في 29 مايو 2022، وانضمت إليها البحرين في 25 يوليو 2022، وتركز على تعزيز الشراكة بين الدول الأربع في عدد من القطاعات ذات التأثير مثل الزراعة والأسمدة والأدوية والمعادن والبتروكيماويات. إجمالًا، تشير اللقاءات التشاورية متعددة الأطراف التي يعقدها القادة والزعماء العرب ومنها قمة أبو ظبي التشاورية إلى أن هناك توجهًا عربيًا لإعادة ترتيب البيت العربي وتعزيز وحدة الصف والعمل العربي المشترك في مواجهة مختلف التحديات الإقليمية والدولية لإعادة التوازن في المنطقة، والنأي عن أي اصطفافات أو انحيازات لا تراعي المصالح العربية، في ظل الأهمية الجيوسياسية المطلة على أكبر الممرات العالمية، فضلًا عن تعزيز تبني مقاربة مواجهة مهددات الأمن القومي العربي، والانخراط النشط في حل الأزمات العربية سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي. مصر وحرصها على تدعيم وتطوير أواصر العلاقات المتميزة مع جميع الدول الشقيقة؟
وأسباب غياب السعودية عن قمة أبو ظبي التشاورية
فقد تكهن سياسيون بوجود خلافات بين السعودية وحليفتها الأولى الإمارات، في حين أكد آخرون أن السعودية غابت لوضعها شروطا جديدة في ملف المساعدات للسلطات المصرية، فيما لفت فريق ثالث إلى أن الاجتماع بحث التهديدات الإيرانية في المنطقة بعيدا عن أية خلافات خليجية. غياب أمير الكويت عن القمة التشاورية ربما يكون مفهوما، ويعود في بعض جوانبه إلى تبني مجلس الأمّة الكويتي (البرلمان) قرارا بمنع حكومة بلاده من تقديم دولارا واحدا كمساعدات لمصر، ووجود أزمة داخلية متفاقمة بين الحكومة والبرلمان هذه الأيام، مضافا إلى ذلك تدهور العلاقة بين البلدين بسبب ترحيل العمالة المصرية من الكويت، ولكن ما هو غير مفهوم حتى الآن هو غياب الأمير بن سلمان ولي العهد السعودي عن القمة التشاورية الطارئة، والعلاقات البينية الخليجية ليست في أفضل أحوالها هذه الأيام، فاذا كان الاستقبال الحار، والباسم، من قبل الشيخ محمد بن زايد للأمير تميم بن حمد أثناء مُشاركته بهذه القمّة قد صعّد الآمال بتخفيف حدّة التوتّر بين البلدين، فإن هناك تسريبات إخبارية
تؤكد أن العلاقات السعودية الإماراتية تعيش حالة من التأزّم على أرضية الخلافات في الملف اليمني وقضايا إقليمية أخرى، وربما هذا التأزم هو الذي أدّى إلى حدوث انفراجه في العلاقات القطرية الإماراتية، أما إذا انتقلنا إلى العلاقات المصرية السعودية فإنها تعيش حالة من التوتر غير مسبوقة منذ سنوات انعكست في توارد أنباء في الصحافة الغربية (موقع أكسيوس الأمريكي)،
عن وقف السلطات المصرية الإجراءات العملية لنقل ملكية جزر تيران وصنافير الي السيادة السعودية، مضافا إلى ذلك شن الإعلام الرسمي المصري هُجوما شرسا على قناة “أم بي سي السعودية ـ مصر” والمذيع عمرو أديب الذي يقدم برنامجا يوميا عن الشؤون المصرية فيها، واتّهامه بالعمالة للسعودية وسط مخاوف من احتمال إغلاق المحطّة التي تبث من مصر.