في مستشفى الهَدْيِ الإسلامي بحلوان ومستشفيات جامعة القاهرة بـ (المنيَل التخصصي) لطبّ الحالات الحرجة، أوشكتُ على الفراغ من الفحوص المعملية والملاحظة الطبية تمهيداً لقرار الأطباء.
وكانت فلتة لسانٍ مني في محادثةٍ هاتفية مع صديقيَّ الصحفيّينِ: الشاعر الكبير Farid Ebraheam مدير تحرير صحيفة "الجمهورية" والأديب الكبير عبد الهادي عباس المحرر الأدبي لصحيفة "الأخبار"، قد تسبّبَت في إصرارهما على اللحوق بي في قسم "الحالات الحرجة" بالمستشفىٰ حيث خضعتُ لـ "الكونصلتو" المنعقد برئاسة الدكتورة مي عادل وتسعة أطباء من أخصّائيّ القلب، وهو الأمر الذي كنت أخفيه عن الجميع إيثاراً لعدم إزعاجهم، غير أن الصحافة أو الصداقة بمعنىً أدق، كان لها الرأيُ الآخر، فتجسّدَت الأريحيةُ في أسمىٰ صُوَرِها، وأذيع الخبرُ الذي كنت أودّ إخفاءَه، ونشرت جريدة "الأخبار" الصادرة صباح اليوم الإثنين ٢٠-٢-٢٠٢٣م في صفحتها الثانية مقالَها المقتضب بقلم الصديق الكريم الأستاذ عبد الهادي عباس، فالشكر من خلالكم سادتي القُرّاء إلىٰ جريدتَيِ "الأخبار" و"الجمهورية" وإلىٰ رموزهما من أدبائنا الكبار، الأستاذة : عمرو الديب، عبدالهادي عباس، فريد إبراهيم.
والشكر الخالص إلى الدكتورة مي عادل والدكتورة مروة السيد والسادة أطباء "وحدة الدكتور حسام موافي" و"وحدة الدكتور شريف مختار" وسائر أطباء "الكونصلتو" من أساتذة كلية الطب جامعة القاهرة.
والشكر خالصاً للدكتور محمد عبد المنعم المكايدى وشعرائنا وأدبائنا الكبار: محمد الشحات، حزين عمر، د. أحمد عبد الراضي ، محمد الدرديرى ، سيد الإسكندراني، د. حسام مسعد، وكل من واساني سواءٌ بالتليفون أو بالكتابة علىٰ متصفّحه بمواقع التواصل الاجتماعيّ.
ولعلي لا أسطو كثيراً علىٰ وقت القاريء الكريم وقد رأيتُ أن أهديَه بهٰذه المناسبة قصيدتي الجديدة (طبيبة قلبي) وأن أهديَها من خلاله هو إلىٰ كل من وقف إلىٰ جواري في رحلتي الصحية التي أدعو اللـه أن تمرَّ بسلامْ.
[ طبيبة قلبي ]
في الجناحِ الطويلِ لقسم الجراحةِ ،
بين الممرّاتِ ،
كان صديقايَ قد هروَلاٰ ،
لنهايةِ هٰذا الممرِّ ،
وقد أمسكاٰ بالأطباءِ قبل الدخولِ ،
إلىٰ غرفة العمليّاتِ ،
وابتدراٰ بعضَهم بالتحرّي ،
وما اقتنعاٰ بالإجابة منهم ،
فقد كنتُ ،
في غرفةِ الفحصِ بالصّدَماتِ ،
على القلبِ ،
كنتُ المُسجّىٰ علىٰ آلةِ النومِ ،
كانت طبيبةُ قلب الحياةِ ،
تباشرُ صدري ،
وتمشي بآلتِها المعدنيةِ فوق ضلوعي ،
ـ استمرّي ،
يدُ الله فوق يديكِ ،
ومُرِّي على الصدرِ ، ضِلعاً فضلعاً ،
إلىٰ جهةِ القلبِ ، ثم استقرّي ،
هنا ، مكمنُ الداءِ ،
مخزنُ أسرارِهِ ، ومضخّةُ أنهارِهِ ،
في ربوع الهوىٰ ، والبلادِ ،
استمرّي ،
فسبعون عاماً من الحزنِ والكبرياءِ ،
ـ هيَ الآن بين يديكِ ـ
تبوح بما لا يبوحُ بهِ الشعراءْ
عن حرارةِ هٰذي الدماءِ ،
استمرّي ،
وراحت طبيبةُ قلبي تباشرُني ،
وهْي تمشي بآلتِها المعدنيةِ فوق ضلوعي ،
تعدّ الثواني ،
وتسأل حولي فريقَ الأطباءِ ،
باللهجةِ الأجنبيةِ ،
ثمّ تتابع وجهي بكامل هيئتها ،
لترىٰ ردَّ فعلي ،
فألمح في مقلتيها صدى خفقاتي ،
فترأفُ بي ،
وتعود للهجَتِها القاهريّةِ ،
تسألهم ،
وَيْ كأن فريقَ الأطباء يهمسُ :
- شُرفةُ هٰذا “الأُذَينِ اليساريِّ” عند المريضِ ،
معطلةٌ في مدافعةِ الدَّمِ عنه ،
فلا هيَ تكتم بوحَ المحبةِ فيهِ ،
ولا هيَ تحتجز الدمَ في حُجرة الصدرِ ،
أجهزةُ الصَّدماتِ على القلبِ ،
باحت بأسرارهِ ،
فالدماءُ تفيضُ وليست تغيضُ ،
وليس لهٰذا المريضِ سوىٰ شُرفةٍ غيرها ،
فانظري في اتخاذِ القرارْ
. . . .
القرارْ ؟
وكأن الطبيبةَ ردّت عليهم ،
بأن سهامَ العواديَ مسئولةٌ ،
عن إصابتهِ بالدُّوارْ
كفراقِ الأحبةِ ،
أو كاغتيال الأمانيِّ ،
أو كاختلال الموازينِ في الأرضِ ،
أو كاختراقِ عيون الحِسانِ ،
اللواتي يُجِدن احتلالَ القلوبِ ،
ويُوقِعْنها في الإِسارْ.
كلها أسهمٌ علقَت في شَغافِ محبّتهِ ،
ولهٰذا ارتخَت جُدُرٌ في الصمامِ اليساريِّ ،
وانسدلَت عن محفّةِ وجدانِهِ ،
وانتهت بارتجاع الدماءْ
. . . .
وكأن فريقَ الأطباءِ ،
لم يقتنع بحقيقةِ هٰذا الجوابِ ،
وأرجع هٰذا النقيضَ ،
إلىٰ جُرأةٍ في حماقةِ هٰذا المريضْ.
. . . .
وكأني بها أشفقَت من فظاظتهم :
ـ أَوَ ليس صمامُ الحياةِ يباشر دورتَهُ ؟
ـ شرفةُ القلبِ باتت مُعطّلةً ،
لم تعد تسترُ الحبَّ ،
في حجرةٍ القلب أو تحجب الحزنَ ،
والكبرياءْ
يتسرّب منها الهوىٰ قطرةً قطرةً ،
مثلما تتسرّب منها الدماءْ!
فانظري في اكتتاب الدواء.
. . . .
الدواءْ ؟
لا دواءْ !
ـ فعلامَ إذن يتأخرُ قبري ؟
. . . .
والتفتُّ حيالَ المحيطين بي ،
باحثاً عن زمالةِ شِعرٍ قديمٍ ،
تزيد علىٰ ألف عامٍ وعامْ
فعلامَ إذن غاب عني “المعرِّي” ،
وكنت أودّ زيارتَهُ ،
فالطريقُ من الشام للنيلِ ،
لا يتعدىٰ جُزَيئاً من النبضِ ،
في رحلة الرُّوحِ ،
غاب “ابن زيدون” و”المتنبي” و”مجنون نجدٍ” ،
فمَن سوف يشهد موتي ،
ألستُ الحفيدَ الفقيدَ لهم ،
فيقولون : “عمْرُ الشّقيِّ بقِي”.
: بل كذبتم ،
فسبعون عاماً من الحبِّ والحزنِ والحُلم ،
في عالم الجسمِ ، تكفي السعيدَ ،
وتكفي الشّقِيّْ.
وأنا يا طبيبةَ قلبي اكتفيتْ.
اكتفيتْ
. . . .
لم أكن أتجنبه ، الموتُ ،
كنت منتظراً أترقّبُهُ ،
وأُفتّحُ أسوارَ بيتي له شرفةً ،
شرفةً ،
وأُجلّي له منزلي غرفةً غرفةً ،
فإذا زارني في صباحٍ جديدْ
لم يكن قاتلاً ، أو عدوّاً يخاتلني ،
من بعيدْ
ويا حبذا لو أقام الحوارَ معي ،
لأقولَ له قبل أن يبتدي بالسلامِ ،
تأخرتَ عني كثيراً ،
فهيا بنا ، والسلام.
.