يقول الأستاذ عباس العقاد فى كتابه (الفلسفة القرآنية):
إن شأن العلم أنه متغير مع الزمن، تجددا وتطورا واكتمالا، بينما العقيدة ثابتة، ومن ثم فلا يطلب من كتبها أن تجارى مسائل العلم فى حركته، ولا يطلب من معتقديها أن يستخرجوا منها تفصيلات تلك العلوم، أو التوفيق بينها وبين تلك العلوم المتغيرة بناء على جهد الإنسان وحاجاته وأحوال زمانه، ويخطئ من يتعجل الأمور لتفسير بعض آيات القرآن الكونية اعتمادا على بعض المكتشفات الحديثة التي قد تتغير، ومن ثم يقعون في حرج .
وخليق بهؤلاء المعتسفين أن يُحسبوا من الصديق الجاهل؛ لأنهم يسيئون من حيث يُقدِّرون الإحسان، ويحملون على عقيدة الإسلام وزر أنفسهم وهم لا يشعرون، فالقرآن كتاب عقيدة، يخاطب الضمير، وخير ما يُطلب من كتاب العقيدة فى مجال العلم أن يحث على التفكير، ولا يتضمن حكما من الأحكام يحول دون إعمال العقل، أو يحرمه الاستزادة من العلم، ما استطاع حيثما استطاع، وكل هذا مكفول للمسلم في كتابه، كما لم يُكفل فى كتاب آخر من كتب الأديان، حيث يجعل من التفكير والنظر الصحيح فى آيات الخلق سبيلا للإيمان، والآيات في ذلك كثيرة في القرآن الكريم.
XXX
ويقول الشيخ محمد الغزالى فى كتابه (الحق المر) :
من الفوارق كما جاء في الأثر :”جار سوء إن رأى خيرا دفنه، وإن رأى شرا أذاعه”، ومن الفوارق كذلك ” قارئ سوء يطالع سير الرجال في التاريخ، فلا يستوقفه إلا ما ينسب إليهم من هنات أو يواقعون من أخطاء، أما ما أفاء الله عليهم من محامد، وما قدموا للناس من خيرات فلا أكتراث به، والمؤسف أن هذه العلة النفسية تفشو بيننا نحن العرب.
لقد ألف في (نابليون) نحو مائة كتاب فكم ألف في (خالد بن الوليد) أو في (صلاح الدين) ؟
ونابليون رجل حرب وحسب، يغدر و يظلم و يسف في أحيان كثيرة، وهو من الناحية الخلقية والعسكرية دون خالد بمراحل، ومع ذلك فإن قومه جسموا ميزاته، وأهالوا التراب على رذائله، فما يذكر إلا بأنه (العبقري المهيب).
إن تاريخنا مليء بالعظماء في كل ميدان، غير أننا موكلون بطي محاسنهم، ولولا أن هؤلاء العظماء تركوا من المواريث الحية ما بدد أكوام التراب التي أهيلت عليهم لجر عليهم النسيان أذياله من زمن بعيد.
أقول ذلك لأني نظرت إلى الرجولات السامقة التي ظهرت خلال القرن الأخير فوجدت المطامع تناوشها من كل جانب، والتهم تترى والمدافعين ذاهلين، ووجدت المعجبين بأحد المصلحين يحسبون أن الأفق لا يتسع إلا لهالته وحدها، سبحان الله، إن الأفق رحب، فلم نحاول إطفاء الآخرين؟
قلت لأحد أصحابي : إنني تتلمذت ومازلت على أئمة مختلفين؛ أقرا لأبي حنيفة إمام أهل الرأي، ولابن حنبل إمام أهل الأثر، ولابن تيمية، ولأبي حامد الغزالي، ولابن سينا وابن الجوزي، وهذا فيلسوف وذاك واعظ، وأقرأ لابن عطاء الله ولابن عبد البر، وأقرأ في الأدب لأبي الطيب وأبي العتاهية، وللعقاد والرافعي على ما بينهما من جفوة.
إن الله سبحانه وزع جمال الفكر والأداء والخلق والسلوك عند كثيرين، وينبغي أن أستفيد من مواهب الله عند خلقه، أما التماس الأخطاء للتشهير بها وانتقاص أصحابها، فإنه لا يجدي على شيئا ولا يرفع خسيستي أو يقيم عوجي.
سمعت شابا حدثا يتعرض لأحد الأئمة الأربعة بالنقد الحاد، فنظرت إليه مستغربا، فقال : هم رجال ونحن رجال، فقلت له: إني لا آمنك على قراءة جريدة يومية قراءة صحيحة، فأنى لك هذه الرجولة المزعومة؟
يا بني أدب الإسلام كما قال رسوله: (ليس منا من لم يوقر كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه)، فلنتأدب مع عظمائنا .
XXX
خلال الأسبوع الماضى نشر (يوتيوب) أول لقاء مصور ومترجم مع الكندية الملحدة فيكتوريا إدوارد، مساعدة مخرج أفلام حرب النجوم “ستار وورز” بعد أن أعلنت إسلامها وارتدت الحجاب وسمت نفسها “نائلة”، حيث قالت:
كنت مصرة على أنه لا يوجد إله، لم أكن أبحث في الأديان للعثور على الرب، بل بحثت فيها للتشكيك في حقيقة وجود رب، وبعد أن أسلمت لم أكن أعرف مثالاً لشخص مسلم يتبع الإسلام، أعرف الكثير من المسلمين لكن لا أحد منهم كان يتبع الإسلام بالطريقة الصحيحة، لم يمثل أي منهم الإسلام، ولهذا السبب أقول: لو اعتنقت الإسلام بسبب الأشخاص الذين أعرفهم فما كنت لأصبح مسلمة أبداُ، لأنه لم يكن لدي ذلك المثال السويّ، الله جعلني أعتنق الإسلام بطريقة مختلفة تماماً عن أي شخص ممن حولى، الحمد لله أحب الدعوة وأحاول بذل قصارى جهدي لخدمة الله بكل ما أفعله.
XXX
فقدت مصر والأمة العربية والإسلامية علما من أعلام الأزهر، ومدافعا حصيفا عن الدين والثقافة العربية الأصيلة والهوية الإسلامية فى مواجهة الخصوم، العلامة الأستاذ الدكتور إبراهيم الخولى الذى توفاه الله عن عمر93 عاما، بعد أن ملأ الدنيا علما نافعا، وكان نموذجا للعالم العامل الشجاع، والمفكر صاحب المواقف المشرفة.
قدم العالم الجليل للمكتبة العربية العديد من المؤلفات الفريدة، وكان نجما ساطعا فى المؤتمرات العلمية، كما شارك فى العديد من المناظرات على الفضائيات، فكان سيفا على رقاب أدعياء العلم من الحداثيين والعلمانيين الذين تخصصوا فى الشغب على الإسلام.
برع الدكتور الخولى فى دراساته اللغوية والبلاغية وفق تخصصه الأصيل، وسخر ملكاته وقدراته لبيان ما فى القرآن الكريم والأحاديث النبوية من بلاغة وإعجاز، ومن أشهر كتبه: ” مكان النحو فى نظرية النظم”، “المتشابه القرآنى”، السنة بيانا للقرآن”، ” التكرار بلاغة”، ” لزوميات أبى العلاء”.
رحم الله فقيدنا الكريم، وعوض أمتنا خيرا.
مقال عقيدتى الثلاثاء 11 / 4 / 2023
عين العقل
تراويح رمضانية 3
بقلم :مؤمن الهبـاء
يقول الأستاذ عباس العقاد فى كتابه (الفلسفة القرآنية):
إن شأن العلم أنه متغير مع الزمن، تجددا وتطورا واكتمالا، بينما العقيدة ثابتة، ومن ثم فلا يطلب من كتبها أن تجارى مسائل العلم فى حركته، ولا يطلب من معتقديها أن يستخرجوا منها تفصيلات تلك العلوم، أو التوفيق بينها وبين تلك العلوم المتغيرة بناء على جهد الإنسان وحاجاته وأحوال زمانه، ويخطئ من يتعجل الأمور لتفسير بعض آيات القرآن الكونية اعتمادا على بعض المكتشفات الحديثة التي قد تتغير، ومن ثم يقعون في حرج .
وخليق بهؤلاء المعتسفين أن يُحسبوا من الصديق الجاهل؛ لأنهم يسيئون من حيث يُقدِّرون الإحسان، ويحملون على عقيدة الإسلام وزر أنفسهم وهم لا يشعرون، فالقرآن كتاب عقيدة، يخاطب الضمير، وخير ما يُطلب من كتاب العقيدة فى مجال العلم أن يحث على التفكير، ولا يتضمن حكما من الأحكام يحول دون إعمال العقل، أو يحرمه الاستزادة من العلم، ما استطاع حيثما استطاع، وكل هذا مكفول للمسلم في كتابه، كما لم يُكفل فى كتاب آخر من كتب الأديان، حيث يجعل من التفكير والنظر الصحيح فى آيات الخلق سبيلا للإيمان، والآيات في ذلك كثيرة في القرآن الكريم.
XXX
ويقول الشيخ محمد الغزالى فى كتابه (الحق المر) :
من الفوارق كما جاء في الأثر :”جار سوء إن رأى خيرا دفنه، وإن رأى شرا أذاعه”، ومن الفوارق كذلك ” قارئ سوء يطالع سير الرجال في التاريخ، فلا يستوقفه إلا ما ينسب إليهم من هنات أو يواقعون من أخطاء، أما ما أفاء الله عليهم من محامد، وما قدموا للناس من خيرات فلا أكتراث به، والمؤسف أن هذه العلة النفسية تفشو بيننا نحن العرب.
لقد ألف في (نابليون) نحو مائة كتاب فكم ألف في (خالد بن الوليد) أو في (صلاح الدين) ؟
ونابليون رجل حرب وحسب، يغدر و يظلم و يسف في أحيان كثيرة، وهو من الناحية الخلقية والعسكرية دون خالد بمراحل، ومع ذلك فإن قومه جسموا ميزاته، وأهالوا التراب على رذائله، فما يذكر إلا بأنه (العبقري المهيب).
إن تاريخنا مليء بالعظماء في كل ميدان، غير أننا موكلون بطي محاسنهم، ولولا أن هؤلاء العظماء تركوا من المواريث الحية ما بدد أكوام التراب التي أهيلت عليهم لجر عليهم النسيان أذياله من زمن بعيد.
أقول ذلك لأني نظرت إلى الرجولات السامقة التي ظهرت خلال القرن الأخير فوجدت المطامع تناوشها من كل جانب، والتهم تترى والمدافعين ذاهلين، ووجدت المعجبين بأحد المصلحين يحسبون أن الأفق لا يتسع إلا لهالته وحدها، سبحان الله، إن الأفق رحب، فلم نحاول إطفاء الآخرين؟
قلت لأحد أصحابي : إنني تتلمذت ومازلت على أئمة مختلفين؛ أقرا لأبي حنيفة إمام أهل الرأي، ولابن حنبل إمام أهل الأثر، ولابن تيمية، ولأبي حامد الغزالي، ولابن سينا وابن الجوزي، وهذا فيلسوف وذاك واعظ، وأقرأ لابن عطاء الله ولابن عبد البر، وأقرأ في الأدب لأبي الطيب وأبي العتاهية، وللعقاد والرافعي على ما بينهما من جفوة.
إن الله سبحانه وزع جمال الفكر والأداء والخلق والسلوك عند كثيرين، وينبغي أن أستفيد من مواهب الله عند خلقه، أما التماس الأخطاء للتشهير بها وانتقاص أصحابها، فإنه لا يجدي على شيئا ولا يرفع خسيستي أو يقيم عوجي.
سمعت شابا حدثا يتعرض لأحد الأئمة الأربعة بالنقد الحاد، فنظرت إليه مستغربا، فقال : هم رجال ونحن رجال، فقلت له: إني لا آمنك على قراءة جريدة يومية قراءة صحيحة، فأنى لك هذه الرجولة المزعومة؟
يا بني أدب الإسلام كما قال رسوله: (ليس منا من لم يوقر كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه)، فلنتأدب مع عظمائنا .
XXX
خلال الأسبوع الماضى نشر (يوتيوب) أول لقاء مصور ومترجم مع الكندية الملحدة فيكتوريا إدوارد، مساعدة مخرج أفلام حرب النجوم “ستار وورز” بعد أن أعلنت إسلامها وارتدت الحجاب وسمت نفسها “نائلة”، حيث قالت:
كنت مصرة على أنه لا يوجد إله، لم أكن أبحث في الأديان للعثور على الرب، بل بحثت فيها للتشكيك في حقيقة وجود رب، وبعد أن أسلمت لم أكن أعرف مثالاً لشخص مسلم يتبع الإسلام، أعرف الكثير من المسلمين لكن لا أحد منهم كان يتبع الإسلام بالطريقة الصحيحة، لم يمثل أي منهم الإسلام، ولهذا السبب أقول: لو اعتنقت الإسلام بسبب الأشخاص الذين أعرفهم فما كنت لأصبح مسلمة أبداُ، لأنه لم يكن لدي ذلك المثال السويّ، الله جعلني أعتنق الإسلام بطريقة مختلفة تماماً عن أي شخص ممن حولى، الحمد لله أحب الدعوة وأحاول بذل قصارى جهدي لخدمة الله بكل ما أفعله.
XXX
فقدت مصر والأمة العربية والإسلامية علما من أعلام الأزهر، ومدافعا حصيفا عن الدين والثقافة العربية الأصيلة والهوية الإسلامية فى مواجهة الخصوم، العلامة الأستاذ الدكتور إبراهيم الخولى الذى توفاه الله عن عمر93 عاما، بعد أن ملأ الدنيا علما نافعا، وكان نموذجا للعالم العامل الشجاع، والمفكر صاحب المواقف المشرفة.
قدم العالم الجليل للمكتبة العربية العديد من المؤلفات الفريدة، وكان نجما ساطعا فى المؤتمرات العلمية، كما شارك فى العديد من المناظرات على الفضائيات، فكان سيفا على رقاب أدعياء العلم من الحداثيين والعلمانيين الذين تخصصوا فى الشغب على الإسلام.
برع الدكتور الخولى فى دراساته اللغوية والبلاغية وفق تخصصه الأصيل، وسخر ملكاته وقدراته لبيان ما فى القرآن الكريم والأحاديث النبوية من بلاغة وإعجاز، ومن أشهر كتبه: ” مكان النحو فى نظرية النظم”، “المتشابه القرآنى”، السنة بيانا للقرآن”، ” التكرار بلاغة”، ” لزوميات أبى العلاء”.