هل هناك صفات جسمانية نستطيع من خلالها أن نميز الأشخاص الحاسدين والحاقدين فى حياتنا؟ زمان وأنا طفل صغير كنت أسمع كثيرًا عبارة أن فلان حقود «بياكل» فى نفسه، ظننت أن المقصود هو المعنى الحرفى لكلمة «بياكل» فكنت كلما رأيت رجلًا نحيلا وصمته تلقائيَا بالحاقد الذى أكل نفسه حتى لم يبق منه سوى هذا الجسد النحيل، ثم مع الأيام اكتشفت طبعًا سذاجة تفسيرى معنى الحقد، فكم من أصدقاء أعزاء جدًا على قلبى كانوا فى منتهى النحافة جسمانيًا لكنهم كانوا فى منتهى الحب والعطاء ولا يحملون فى قلوبهم أية ضغائن أو أحقاد على الناس خاصة لو كان هؤلاء الناس يشاركونهم فى نفس المهنة مثلاً. بحثت كثيرًا عن دراسة متعمقة تكون قد ناقشت أسبابًا مثل تلك الأمراض الاجتماعية البغيضة التى نعانى منها فى مجتمعاتنا والتى تؤثر سلبًا على تماسك أى مجتمع وتدفع به دائما للتأخر والتراجع، عكس المجتمعات التى تجاوزت مثل هذه الأمراض من زمان فانشغل كل فرد بنفسه محاولًا العمل على التميز بالعلم والدراسة لا بالفهلوة والاحتيال.
تركزت معظم الدراسات التى صادفتها على المعنى اللغوى فى تعريف الحاقد والحاسد من الناس. طبعًا الحقد أسوأ بكثير من الحسد، فالحقد هو الغل الشديد. وفى أكثر من تعريف تؤكد أغلبها أن الحقد هو شحناء فى القلب فلا يصفو منه إلا من رحم الله، فيظل الحقد ملازمًا لصاحبه تجاه من يحقد عليه فيكن له الشر ويتصيد له الأخطاء ويتمنى له سوء العاقبة. ولأن الحقد صفة متغلغلة فى ذلك الحاقد فلا تجده يتغير أو يتراجع عن حقده حتى وإن اختبرته الأقدار بتحسن معيشته مثلًا أو بوصوله لمكانة كان يحقد على الآخرين لأنهم وصلوا إليها وهو لا. فقد رصدت الدراسات أن بلوغه مثل تلك المكانة لا يغير من سلوكه شيئًا بل على العكس تجده يستمر فى حقده ومحاولة الوقيعة بمن يحقد عليه. فالحقد كما ورد باختصار هو الكره الشديد. قد يكون بسبب وقد يكون بلا سبب. قد يكون الشخص المحقود عليه غنيًا أو ناجحًا أو محبوبًا بين االناس. قد يكون الحاقد يغار غيرة شديدة من المحقود عليه. الحقد يعنى سواد القلب والكره الشديد لأتفه الأسباب.
ليس صعبًا أن تعرف هل ممن يحيطون بك من يحقد عليك ولا يتمنى لك الخير رغم أنه لم ير منك إلا كل خير، الأسهل فعلًا هو أن تتجاهل تلك المشاعر السلبية التى يكنها لك، هذا هو العلاج الناجع، بالعكس، قابله بابتسامة ودودة، فهذا الحاقد كلما تجاهلته كلما زاد من شعوره بالضآلة بينه وبين نفسه. انشغل بنفسك بقدر انشغاله هو بك ولا تلتف لتلك المكائد التى يكيدها له. ترفع حتى عن معاتبته، بالعتاب يكون فقط للأحبة الذين تسبب طارئ ما أو سوأ فهم فى تعكير صفو العلاقة بينكما، بينما علاج الحاقد اجتنابه تمامًا وكأنه غير موجود فى الأصل، فهو شخص مريض يكفيه ذلك المرض العضال الذى يجعل قلبه كتلة من السواد. كن كما قيل فى هذا البيت الذى اختلف حول شخصية قائله: كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعا يرمى بصخر فيلقى بأطيب الثمر. فاللهم لا تجعل فى قلوبنا غلا لأى مخلوق خلقته واشف قلوبنا يارب من أمراض الغل والحقد والحسد آمين.
Hisham. moubarak. 63@gmal. com