تدفق النفط والغاز من روسيا لأوروبا عبر أوكرانيا.. رغم العقوبات..!!
كييف: خطوط الأنابيب توفر لنا دخلًا إضافيًا.. وتحد من الهجمات الروسية..!!
أبواب خلفية عالمية لصادرات الهيدروكربونات من موسكو ..!!
أذربيجان وتركيا .. توفران “ممرات آمنة” .. للتحايل على العقوبات ..!!
شركات التكرير تخلط الخامات الروسية بمنتجاتها وتصدرها للدول الأوروبية!!
تقرير يكتبه
عبد المنعم السلموني
رغم أن الغزو الروسي أودى بحياة عشرات الآلاف من الجنود والمدنيين الأوكرانيين ودمر مساحات شاسعة من البلاد، تواصل أوكرانيا السماح للنفط والغاز الروسيين بعبور أراضيها لخدمة جيرانها الأوروبيين -مما يدر عائدات مالية لكييف وموسكو ويوضح مدى صعوبة قطع الأعداء الألداء ما بينهما من علاقات، وهو ما قد يجعل الاقتصاد قبل الحرب أحيانًا ويضع المصلحة أولًا ويقدمها على ما عداها حتى لو كانت مع العدو..!!
مع ذلك طالب كبار المسؤولين الأوكرانيين شركاءهم الغربيين بفرض عقوبات أكثر صرامة وقطع جميع العلاقات الاقتصادية مع روسيا، قائلين إنه “يجب القيام بالمزيد” لشل آلة الحرب الروسية. وفي تناقض صارخ تصر أوكرانيا على أنه ليس لديها خيار فعلي سوى الحفاظ على صفقاتها التجارية مع موسكو، ومارست ضغوطها للحفاظ عليها، بحجة أنها توفر بعض النقود للكرملين وتساعد في تقييد الأماكن التي ينفذ فيها الجيش الروسي ضرباته الجوية.
اعترف أوليكسي تشيرنيشوف، الرئيس التنفيذي لشركة الطاقة الحكومية الأوكرانية نفتوجازNaftogaz ، بغرابة الرؤية الأوكرانية في التعامل مع روسيا.
لكن نفتوجاز -وكبار القادة السياسيين -يصرون على أن أوكرانيا لا يمكنها ولا ينبغي لها أن تغلق خطوط الأنابيب، للمطالبة بالعائدات المتبقية (رغم أن المبلغ الذي تدفعه موسكو، إن وجد، غير معلن عنه) ولأن بعض مؤيدي كييف الأوروبيين لا يزالون يعتمدون على النفط والغاز الروسي.
تم تسليط الضوء مؤخرًا على أرباح روسيا المستمرة، وإحباطات كييف، في وثائق المخابرات الأمريكية السرية التي تم تسريبها على منصة الرسائلDiscord ، والتي قالت إن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فكر في تفجير خط أنابيب النفط “دروزبا” في وقت سابق من هذا العام.
ووفقًا للوثيقة التي حصلت عليها صحيفة واشنطن بوست، فقد شكك المسؤولون الأمريكيون في جدية التهديدات، والتي ربما كانت بمثابة فورة إحباط لدى الرئيس الأوكراني إزاء رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي أعرب عن مواقف مؤيدة للكرملين وأصر على إعفاء المجر من مساعي الاتحاد الأوروبي لإنهاء مشتريات النفط الروسي.
ويقول تقرير للواشنطن بوست إن موسكو أرسلت حوالي 300 ألف برميل من النفط يوميًا العام الماضي عبر خط أنابيب دروزبا -أو “الصداقة” -الذي يمر عبر أوكرانيا. كما أن روسيا ملزمة أيضًا بضخ حوالي 40 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا عبر شبكة نقل الغاز الأوكراني بسبب اتفاقيات التوريد التي سبقت الغزو الشامل في فبراير 2022.
يقول المسؤولون الأوكرانيون إنهم في مأزق، وأن الهيدروكربونات الروسية التي تعبر أراضي أوكرانيا تدر ملايين الدولارات للكرملين وتساعد في تمويل آلته الحربية. لكن كييف تحتاج أيضًا إلى الأموال التي تكسبها كرسوم على مرور النفط والغاز في أراضيها وتريد أن تكون شريكًا اقتصاديًا موثوقًا به للدول الأوروبية، والتي قد يواجه بعضها زيادات مرعبة في الأسعار إذا انقطعت إمدادات الطاقة الروسية فجأة.
استخدم الكرملين إمدادات الطاقة كسلاح، بما في ذلك خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عندما قطع الإمدادات عن أوروبا مرتين.
لكن كييف أصرت أيضًا على أن الغاز الروسي يجب أن يستمر في التدفق، حتى في السنوات التي انقضت منذ أن ضمت موسكو شبه جزيرة القرم عام 2014 وأثارت حربًا انفصالية في منطقة دونباس الشرقية. أصرت أوكرانيا على أنها يجب أن تحافظ على دورها كدولة عبور، بينما طالبت أيضًا دولًا مثل ألمانيا بعدم مساعدة روسيا في بناء خطوط أنابيب جديدة -وهي وجهة نظر وصفها النقاد بأنها منافقة. الآن، تقول أوكرانيا إن جميع مؤيديها يجب أن يقللوا أو يلغوا استخدام للطاقة الروسية.
نشرت مجموعة عمل حول العقوبات الروسية، برئاسة أندري يرماك، رئيس مكتب الرئاسة الأوكراني، ومايكل ماكفول، السفير الأمريكي السابق لدى روسيا، “خطة عمل” الشهر الماضي وضعت خطوات إضافية ينبغي اتخاذها لمعاقبة روسيا، لكن الخطة دعت بوضوح إلى الحفاظ على نقل الطاقة الروسية عبر أوكرانيا.
كما دعت إلى تعليق “جميع خطوط الأنابيب المتبقية التي تسيطر عليها روسيا” لنقل الغاز الروسي إلى السوق الأوروبية، وكذلك خط أنابيب ترك ستريم عبر تركيا. وقالت خطة العمل: “أوقفوا الإمداد المباشر للغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي، إلا عبر أوكرانيا”.
علاوة على ذلك، تلتزم روسيا بدفع 7 مليارات دولار لأوكرانيا على عقد مدته خمس سنوات تم توقيعه في عام 2019، يُطلق عليه اتفاقية “الضخ أو الدفع”، والتي تتطلب من موسكو أن تدفع عند شحن أي غاز. “فلماذا لا تحصل أوكرانيا على المال؟” حسبما قال أندرس أسلوند، وهو خبير اقتصادي متخصص في شؤون الاتحاد السوفيتي السابق وكان جزءًا من مجموعة عمل العقوبات. “تم الاتفاق على عقود مع الاتحاد الأوروبي حول هذه المقتطعات.”
قال أسلوند إن الهدف من العقوبات ليس فرض “حظر عام على التجارة مع روسيا”، ولكن “إلحاق أكبر قدر من الضرر لروسيا دون التسبب في أضرار أكبر لأوكرانيا.”
في 10 مايو، التقى مبعوثو الاتحاد الأوروبي في بروكسل لمناقشة حزمة جديدة من العقوبات ضد روسيا، وهذه الحزمة هي الحادية عشرة حتى الآن. وكانت الإجراءات السابقة استهدفت الأفراد والشركات وقطاعات الاقتصاد الروسي، وقيدت الصادرات والواردات.
وبموجب عقد الغاز الذي أبرمته روسيا مع كييف، فإن موسكو ملزمة بدفع ما بين مليار إلى 1.5 مليار دولار لأوكرانيا سنويًا.
وفي سبتمبر، رفعت شركة نفتوجاز دعوى أمام محكمة التحكيم الدولية في باريس، قائلة إن شركة الغاز الروسية الحكومية غازبروم ” لم تدفع الأموال لا في الوقت المحدد ولا بالكامل” بموجب شروط العقد
في مرحلة ما، أرسلت روسيا أكثر من 80% من غازها عبر أوكرانيا للدول الأوروبية.
بالإضافة إلى المجر، تعتمد جمهورية التشيك وسلوفاكيا على النفط المشحون عبر دروزبا. بالإضافة إلى ذلك، كسبت أوكرانيا ما يقرب من 180 مليون دولار على رسوم العبور من دروزبا العام الماضي، وكما قال سايجر. “المال هو المال.”
كانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أعلنت في مارس الماضي أن اعتماد أوروبا على النفط والغاز الروسي أصبح “في ذمة تاريخ”.
لكن بعض كبار المسؤولين الأوكرانيين وأعضاء البرلمان الأوروبي والمطلعين على الصناعة، يقولون إن فصل التاريخ لا يزال قيد الكتابة.
ويقولون إن كميات كبيرة من الهيدروكربونات الروسية، وخاصة النفط، لا تزال تلتف حول العقوبات وتصل إلى السوق الأوروبية، مما يوفر مدفوعات لتمويل آلة حرب فلاديمير بوتين.
قال أوليج أوستينكو، المستشار الاقتصادي للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لموقع بوليتيكو POLITICO:”كان لدي صديق في نيويورك في تسعينيات القرن الماضي يشكو من أن الصراصير تدخل شقته من خلال أي ثغرة -وهذا ما تفعله الطاقة الروسية”. “علينا إصلاح هذه الثغرات لمنع روسيا من تلقي هذه الأموال المستخدمة لتمويل الآلة العسكرية التي تدمر بلادنا وتقتل شعبنا”.
وأشار تقرير بوليتيكو، الذي كتبه جبريال جافين، إلى أن النفط الخام يصعب تتبعه في الأسواق العالمية. ويمكن خلطه أو مزجه بسهولة مع الشحنات الأخرى في بلدان العبور، مما ينتج عنه بشكل فعال كمية أكبر من النفط لا يمكن تحديد مصادرها. كما أن عملية التكرير، تزيل أيضًا جميع آثار منشأ المواد الخام.
تضيف شبكة معقدة من شركات الشحن، تحمل أعلام ولايات قضائية خارجية غامضة، طبقة أخرى من الغموض؛ وقد اتُهم البعض بمساعدة روسيا في إخفاء منشأ صادراتها من الخام باستخدام مجموعة متنوعة من الوسائل.
“على عكس الغاز عبر خطوط الأنابيب، فإن سوق النفط عالمي، حسبما قال ميخائيل خودوركوفسكي، أحد منتقدي بوتين البارزين والرئيس التنفيذي السابق لشركة النفط والغاز العملاقة يوكوس: “
“الحظر ينتج عنه زيادة كبيرة في تكاليف النقل الروسية، وهناك جانب كبير من الإيرادات يجري توزيعه لصالح الوسطاء، كما أن هناك بعض الخصم الإضافي بسبب تضييق سوق المشترين.”
ورغم حظر الاتحاد الأوروبي الوقود الأحفوري الروسي منذ غزو أوكرانيا مع استثناءات لكميات محدودة من النفط الخام، والغاز في خطوط الأنابيب، والغاز الطبيعي المسال، والمنتجات النفطية، هناك كميات كبيرة من النفط الخام الروسي –تمثل مصدر دخل أكبر من الغاز -لا يزال يتم شحنها إلى الأسواق العالمية، مما دفع بعض الخبراء للشك في أنها تجد طريقها للسوق الأوروبية عبر الباب الخلفي.
أحد الطرق المحتملة لدخول النفط إلى أوروبا هو أذربيجان، المتاخمة لروسيا وهي نقطة الانطلاق لخط أنابيب باكو -تبليسي -جيهان (BTC) ، الذي تديره شركة بريتيش بتروليوم. ويعتبر ميناء جيهان في تركيا مركز إمداد رئيسيًا، حيث يتم شحن النفط الخام منه إلى أوروبا. كما تستقبل تركيا كميات كبيرة من العراق عبر خط انابيب كركوك -جيهان.
أثار فرانسوا بيلامي، عضو البرلمان الأوروبي وعضو لجنة البرلمان الأوروبي للصناعة والبحوث والطاقة، شكوكًا حول هذا المسار في سؤال أخير إلى المفوضية. وقال إن البيانات تشير إلى أن أذربيجان صدرت 242 ألف برميل يوميًا زيادة على حجم إنتاجها بين أبريل ويوليو من العام الماضي، وهو هامش كبير زيادة على الإنتاج المحلي، الذي بلغ 648 ألف برميل يوميًا في فبراير الماضي.
وقال بيلامي: كيف يمكن لدولة أن تخفض إنتاجها وتزيد صادراتها في نفس الوقت؟ “هذا التناقض يخلق شكوكًا في أنه يتم الالتفاف على العقوبات”.
اضطرت شركة بريتيش بتروليوم سابقًا إلى إنكار أن خط أنابيب BTC يحمل النفط الروسي، وتظهر البيانات التي اطلعت عليها بوليتيكو لشحنات النفط الخام من جيهان انخفاضًا مؤخرًا في حجم الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي، من حوالي 3 ملايين طن شهريًا في أوائل عام 2022 إلى حوالي 2 مليون طن شهريًا هذا العام.
في الوقت نفسه، ضاعفت تركيا وارداتها المباشرة من النفط الروسي العام الماضي ورفضت فرض عقوبات على الخام الروسي رغم تقديمها الدعم العسكري والإنساني لأوكرانيا في الوقت نفسه.
حذر المركز الفنلندي لأبحاث الهواء والطاقة النظيفة (CREA) في أواخر العام الماضي من أن “مسارًا جديدًا للنفط الروسي إلى الاتحاد الأوروبي آخذ في الظهور عبر تركيا، وهي وجهة متنامية للنفط الخام الروسي”، حيث يتم تكريره إلى منتجات نفطية لا تخضع للعقوبات ويتم بيعها.
قال أوستنك، مستشار زيلينسكي: “لدينا أدلة كافية على أن بعض الشركات العالمية تشتري منتجات مصفاة من النفط الروسي وتبيعها إلى أوروبا”. “إنه أمر قانوني تمامًا، لكنه غير أخلاقي بالمرة.”
وكانت منظمة جلوبال ويتنس البريطانية غير الحكومية أصدرت تقريراً أظهر أن النفط الروسي يباع باستمرار بأسعار تتجاوز بكثير الحد الأقصى البالغ 60 دولاراً الذي فرضته دول مجموعة السبع في ديسمبر من العام الماضي.
وقالت ماي روزنر الناشطة التي عملت على التقرير: “لقد تركت الحكومات بابًا خلفيًا مفتوحًا على مصراعيه أمام صناعة الوقود الأحفوري، ويستغل تجار السلع وشركات النفط الكبرى هذه الثغرات لمواصلة استخدام النفط الروسي في العمل كالمعتاد”.